فشلَتْ تجربةٌ جديدةٌ في العثور على دليلٍ على أن الجرعة الكبيرة من فيتامين د تحسنُ النتائج لدى المرضى المصابين بعدوى متوسطة إلى شديدة من كوفيد-19. في التجربة على مرضى كوفيد-19 أُعطوا ما يعادل زجاجتين كاملتين من فيتامين د (200,000 وحدةٍ دوليةٍ) جرعةً واحدةً.

بقلم: سكوت غافورا Scott Gavura

اعتُقِدَ منذ فترةٍ طويلة أن فيتامين د يؤدي دوراً في دعم وظيفة المناعة، إضافةً إلى تأثيره على العضلات والعظام. نظراً لأن العديد من الأشخاص يعيشون في أماكن لا توجد فيها أشعةُ شمسٍ كافيةٌ لدعم تصنيع فيتامين د لفتراتٍ طويلةٍ من العام، فقد كان هناك اهتمامٌ واسع النطاق بالدور المحتمل لمكملات فيتامين د للمساعدة على رفع مستويات هذا الفيتامين، وربما منع العدوى، أو تقليل شدة المرض. في سبتمبر الماضي، أشار الدكتور أنتوني فاوتشي (Anthony Fauci) إلى أنه كان من بين ملايين الأمريكيين الذين يتناولون مكملات فيتامين د، مما زاد الاهتمام بهذا المكمل. الآن، هناك تجربة معشّاة ذات مجموعةٍ ضابطةٍ جديدةٍ تحقق في تأثيرات جرعةٍ واحدةٍ ضخمةٍ من فيتامين د على مرضى كوفيد-19 في المستشفى.

ما الذي نعرفه بالفعل عن كوفيد-19 وفيتامين د؟

فحصَتْ عشرات الدراسات القائمة على الملاحظة المنشورة منذ بدء الوباء العلاقةَ بين فيتامين د وعدوى كوفيد-19. حاولَتْ المنشوراتُ الأخرى فهم كل هذه الدراسات. نشرَ المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية (National Institute for Health and Care Excellence) (اختصاراً: المعهد NICE) إرشاداتٍ حول فيتامين د وكوفيد-19 في ديسمبر 2020، والتي تضمنت مراجعةً شاملةً للأدلة. وجدَتْ القليلُ من الأدلة التي تشير أن فيتامين د يُؤخذ للوقاية من عدوى COVID-19:

“ناقش الفريقُ الدليلَ على ارتباط فيتامين د بحالة كوفيد-19. واتفقوا على أن انخفاض مستوى فيتامين د كان مرتبطاً بنتائج أكثر خطورةً من كوفيد-19. وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن تأكيد السببية لأن العديد من عوامل الخطر لنتائج كوفيد-19 الشديدة هي عوامل الخطر نفسها لحالة عوز فيتامين د. فيتامين د هو متفاعلٌ سلبي في المرحلة الحادة، مما يعني أن تركيزه في المصل ينخفض خلال الاستجابة الالتهابية الجهازية، والتي قد تحدث خلال مرض كوفيد-19 الحاد. لذلك، من الصعب معرفة ما إذا كانت حالة عوز فيتامين د تؤدي إلى نتائج أسوأ أو العكس.

ناقش الفريق القيود المهمة في الدراسات الشاملة الرجعية (Retrospective study). وشملت هذه الدراسة القياسات التاريخية وغير الدقيقة لحالة فيتامين د، وعدم قابلية هذه الدراسة للتعميم في المملكة المتحدة، واحتمال وجود العوامل المربكة (Confounding factor) وانخفاض جودة الأدلة بصورةٍ عامةٍ”.

استعرضت اللجنة تجربةٌ واحدةً فقط خاضعةً للرقابة تستخدمُ فيتامين د لعلاج كوفيد-19، والتي اسْتَخْدَمَتْ الكالسيفيديول (calcifediol) الفموي (الشكل الفعّال لفيتامين د). على الرغم من أن النتيجة المُعْلَنَةَ للتجربة كانت إيجابيةً (انخفاضُ الحاجة إلى العلاج في وحدة العناية المركزة)، لاحظَتْ اللجنةُ العديد من المخاوف بشأن التصميم والنهج، مما أدى إلى استنتاج أنه ما تزال هناك أدلّةٌ غير كافيةٍ لدعم الاستخدام الروتيني. على الرغم من وجود الأدلة على إمكانيّة الوقاية والعلاج، إلا أنّ اللجنة لاحظت أن عوز فيتامين د منتشرٌ في المملكة المتحدة، لذلك أوصت الجميع بضرورة التفكير في تناول المُكَمِلِ في أشهر الشتاء، ويجب أن يستمر البعض في تناول المكملات على مدار العام. باستثناء جزءٍ من تجربة سريرية، لم يوصَ بفيتامين د للوقاية من كوفيد-19 أو علاجه.

نشرَت خدمات ألبرتا الصحيّة (Alberta Health Services) ملخصاً شاملاً آخر في يناير 2021، والذي لخّصَ 12 دراسةٍ اختيرَتْ بناءً على معايير الجودة. لاحظت هذه المراجعة أن معظم هذه الدراسات وجدت فرقاً مهماً ذا دلالةٍ إحصائيةٍ على وجود عوزٍ أكبر لدى المصابين بـ كوفيد-19 أو مرضٍ أكثر خطورة. وعلى الرغم من ذلك، قد يكون عوز فيتامين د مؤشراً على سوء التغذية العام، أو الحالة الصحية العامة. بمعنى أنه من الممكن أن يكون هذا ارتباطاً وليسَ علاقةً سببيةً:

“هناك تداخلٌ بين المجموعات المعرضة لخطر الإصابة بعوز فيتامين د والمجموعات المعرضة لخطر الإصابة بفيروس كوفيد-19 الشديد. تشملُ الأمثلة الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، وكبار السن، والأشخاص من ذوي البشرة السوداء، والأقليات العرقية، مما يجعل تقييم الارتباطات الملحوظة بين عوز فيتامين د وعدوى كوفيد-19 أمراً صعباً. قد تكون مستويات فيتامين د مؤشراً على حالاتٍ مرضيةٍ مشتركة قد تؤثر في حد ذاتها على نتائج كوفيد-19، لذلك يظلُ كون انخفاضِ مستويات فيتامين د سبباً للمرض، أو نتيجةً للتفاوت الصحي محلَ نقاشٍ”.

حدد التقرير أيضاً ثلاث تجارب اِسْتِبَاقِيَّة معشّاة ذات شواهد تقيّم فيتامين د لدى المرضى المصابين ب كوفيد-19، المتواجدين في المستشفيات، مشيراً إلى أنّ أكبر تجربةٍ لم تظهر أيّ فائدةٍ، وأشار هذا التقرير أيضاً إلى أنه من المهم الحصول على مستوياتٍ كافية من فيتامين د، بغض النظر عن أي آثارٍ محتملة للإصابة بكوفيد-19. وأوصى بأن يتبعَ مقدمو الرعاية الصحية والمرضى إرشاداتِ المكملات التي وضعتها وزارة الصحة الكندية.

بناءً على هاتين المراجعتين من المملكة المتحدة وألبرتا، فإن هناك أدلةً كافيةً لدعم الاستخدام الروتيني لمكملات فيتامين د، لكن الأدلة التي تشير إلى أن مكملات فيتامين د يمكن أن تساعد على الوقاية من كوفيد-19 أو علاجه غير كافيةٍ.

ما الذي وجدته هذه الدراسة الجديدة؟

بإدراك أن العديد من الأشخاص يعانون عوز فيتامين د، وملاحظة العلاقة بين عوز فيتامين د ونتائج كوفيد-19، قاسَتْ هذه الدراسة تأثيرَ فيتامين د (مثل فيتامين د 3، وهو الشكل الفعّال الذي يُباع عادةً في الصيدليّات) في طول فترة الإقامة في المستشفى للمرضى ذوي الإصابة المتوسطة إلى الشديدة بكوفيد-19. الدراسة من إيغور إتش موراي (Igor H. Murai) وزملاؤه من جامعة ساو باولو (Sao Paulo) في البرازيل، وقد نُشِرَتْ في 17 فبراير 2021 في دورية الجمعية الطبية الأمريكية (The Journal of the American Medical Association).

كانت هذه تجربة مُعشاة مزدوجة التعمية ومتعددة المواقع ذاتْ شاهد وهمي، وقد شملتْ 240 مريضاً، استمرتْ من يونيو حتى أغسطس 2020. ولكي يُضَمَنَ المشاركون يجب أن يكون عمرهم 18 عاماً على الأقل، وقد شُخِصَ لديهم كوفيد-19 بصورةٍ مؤكدةٍ، والعلامات السريرية التي تشير إلى أن كوفيد-19 متوسط إلى شديد أيضاً. استُبْعِدَ الأشخاصُ الذين كانوا يتناولون مكملات فيتامين د 3 أو كان لديهم عدد من العوامل الأخرى.

اختير المشاركين عشوائياً لجرعةٍ فموية واحدةٍ من 200,000 وحدة دولية من فيتامين د (أي 200 قرص إذا تناولت 1000 وحدة دولية، وهي الجرعة التي تُبَاع في العديد من الصيدليّات) أو دواء وهمي. بدلاً من الأقراص، استخدمت الدراسة فيتامين د المذاب في زيت الفول السوداني. اختيرتْ جرعة 200,000وحدة دولية لأنها في النطاق الموصى به لعلاج الأفراد الذين يعانون عوز فيتامين د. كانت النتيجة الأولية التي قيستْ هي طول مدة الإقامة، لكنهم قاسوا أيضاً معدلَ الوفيات داخل المستشفى، وعدد المرضى الذين أُدخِلوا إلى وحدة العناية المركزة، وعدد المرضى الذين يحتاجون إلى تهوية ميكانيكية، ومستويات فيتامين د المصلية. بعد التوزيع العشوائي، كانتْ المجموعات متطابقةً تطابقاً متساوٍ إلى حدٍ ما، بمتوسط عمر 56 عاماً ونحو 55٪ من الذكور.

آثار مكمّلات فيتامين د

قبل أن ننظر إلى الفعالية، دعونا نلقي نظرةً على تأثيرات هذا المكمل الضخم في مستويات فيتامين د في الدم. في في الدراسة يظهر أن مستويات فيتامين د في يوم التعشية، وأيضاً في يوم تخريج المرضى. لدى جميع المرضى، وكذلك أولئك الذين شُخِصوا بأنّهم يعانون عوز فيتامين د، أدى مكمل فيتامين د إلى رفع مستويات فيتامين د بصورةٍ كبيرةٍ.

التأثيرات في الاستشفاء

لم تكن هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعتين فيما يتعلق بنقطة النهاية الأولية. كان هذا متسقاً مع جميع المرضى، وكذلك أولئك الذين أُدخِلوا وهو يعانون عوز فيتامين د.

لم تكن هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين المجموعات لأي من النتائج الثانوية. لم يُبْلَغْ عن أي أحداثٍ سلبيةٍ كبيرةٍ باستثناء مريضٍ واحد تقيأ جرعة فيتامين د.

تثير مقالة افتتاحية مصاحبة مخاوفَ بشأن عدة قيودٍ على التجربة، وهي مخاوف جديرة بالملاحظة:

“أولاً، كانت الدراسة ضعيفة. يذكر المؤلفون أنه اختير عدد المشاركين على أساس الجدوى، وأنه بالنسبة إلى 208 مشاركاً سيكون لديهم قوّة بنسبة 80٪ لاكتشاف اختلاف بنسبة 50٪ في مدة الإقامة في المستشفى، وهي نتيجةٌ غير محتملةٍ بصورةٍ كبيرةٍ. ثانياً، استبعد المؤلفون المرضى الذين احتاجوا إلى تهوية ميكانيكيةٍ غازيةٍ، وأولئك الذين أُدخِلوا إلى وحدة العناية المركزة، وكان أقل من 15 ٪ من المرضى ممن كانوا بحاجةٍ إلى تهويةٍ غير غازيةٍ. ولذلك، سيُعتبر معظم المرضى مرضى بدرجةٍ متوسطةٍ، ولا يمكن تعميم النتائج على المرضى المصابين بأمراضٍ خطيرةٍ، والذين استُبْعِدوا. هذا مهمٌ لأن الاستفادة من العلاجات الأخرى المضادة للالتهابات بين مرضى كوفيد-19 (على سبيل المثال، ديكساميثازون Dexamethasone، توسيليزوماب Tocilizumab) تعتمد اعتماداً كبيراً على شدة المرض، إذ يحصلُ المرضى المصابون بأمراضٍ معتدلة على فائدةٍ قليلةٍ أو معدومةٍ، ويحصلُ المرضى المصابين بأمراض خطيرة على فائدةٍ كبيرة.ثالثًا، كان لدى 115 مشاركاً في الدراسة فقط (48.3٪) عوز فيتامين د (إذ كان 25هيدروكسي فيتامين د 25(OH)D أقل من 20  نانوغرام/مل)، ونحو ربع المرضى فقط لديهم عوزٌ حادٌ في فيتامين د (إذ كان 25هيدروكسي فيتامين د أقل 12 نانوغرام/مل) (بناءً على الشكل 3 في المقالة). رابعاً، على الرغم من أن المؤلفين أظهروا أن مستويات 25هيدروكسي فيتامين د في الدم زادت في المرضى الذين تلقوا فيتامين د3، إلا أنهم لم يقيسوا مستويات 25،1 ثنائي هيدروكسي فيتامين د 1,25 dihydroxyvitamin D، وهو الشكل الفعال لفيتامين د. وبناءً على ذلك، فإنه من غير الواضح إن كان بإمكان المرضى تحويل 25هيدروكسي فيتامين د بكفاءةٍ إلى 25،1 ثنائي هيدروكسي فيتامين د، لأن هذا التحويل يُثَبَطُ بواسطة عامل نمو الخلايا الليفية المشتق من الخلايا العظمية 23 Osteocyte-derived hormone fibroblast growth factor 23، والذي يرتفع في المرضى المصابين بأمراض حادة”.

لا يبدو أن فيتامين د يساعد على علاج مرض كوفيد-19 ولكن قد ما يزال يُنصَحُ باستخدام المكملات:

في هذه التجربة المُعشاة ذات الشواهد، لم يكن لجرعةٍ واحدةٍ كبيرة من فيتامين د أي تأثير في النتائج على مرضى كوفيد-19 في المستشفى.

كان هذا على الرّغم من الفعالية القابلة للقياس للمكملات الغذائية التي أدّت إلى رفع مستويات فيتامين د في الدم بصورةٍ ملحوظةٍ. كانت التجارب المسبقة على فيتامين د في كوفيد نادرةً نسبياً، وعانتْ ضعفَ الجودة والنتائجَ المختلطة. تعطي النتائج المستخلصة من هذه التجربة الكبيرة مزيداً من القوة للفرضية القائلة بأن انخفاض مستويات فيتامين د قد يرتبطُ بنتائج كوفيد-19 السيئة، ولكن قد لا يؤدي إلى تفاقمها. بعد قولي هذا، هناك دليلٌ جيدٌ على أن العديد من الأشخاص يعانون عوز فيتامين د، وقد تكون المكمّلات مناسبةً لهم في الواقع. ولكن لا يوجد دليلٌ قوي يشير إلى أن المكملات ستساعد على حمايتك من عدوى كوفيد-19 الشديدة.

معاني:

التعشية: وردت هذه الكلمة مرات عدة في المقال كصفة للتجارب، وما تعنيه التعشية أو التعمية في التجارب هي اخضاع عينات التجربة أو المرضى لمؤثرين احدهما وهمي والآخر حقيقي دون أن يعرف المرضى ذلك وذلك بهدف غربلة العوامل النفسية او أي سلوكيات من المريض يمكن أن تؤثر على التجربة فيما لو عرف بطبيعة المؤثر الذي يخضع له.

المقال الأصلي:

Scott Gavura, “Vitamin D shows no efficacy against moderate to severe COVID-19 infections”, March 4, 2021, sciencebasedmedicine.org