من كتاب
(فايروس الأله.. كيف يُصيب الدين حياتنا وثقافتنا)
تأليف: ديريل ري
2009
ترجمة: واثق غازي
2013
تمهيد:
في هذا الفصل سوف نناقش التغيير والتحوير المستمر في القيم الأخلاقية داخل الدين. إن القيم الدينية تتغير باستمرار وباشكال كبيرة جداً مع الوقت على الرغم من أن رجال الدين والمتدينين ينكرون ذلك. أسطورة الأخلاق الدينية الثابتة مفيدة في الحصول على انتشار واسع للدين، بينما الواقع يؤكد أن هذه القيم الدينية تتبدل باستمرار لتتكيف مع التراثية. [كلمة (التراثية) تعني مجموعة القيم والأعراف السائدة في مجتمع ما. وهي ترجمة لكلمة (culture)، اقترحها الدكتور علي الوردي في عدد من كتبه .. المترجم].
الأخلاق والقيم:
من أين تحصل على قيمك وأخلاقك؟ لقد حصلت على الكثير مما تعتقد به من عائلتك ومن أولئك المسؤولين عن تنشئتك. في الوقت الذي تكون قد أُخبرت فيه بأن هذه الاعتقادات والأخلاقيات أتت من بعض المصادر الدينية، تكون هي في الواقع قد اتت من التراثية. نظرة خاطفة على القيم والأخلاق الدينية خلال القرون القليلة الماضية تبين بأن الدين تغير مع تغير التراثية. على سبيل المثال، الطلاق الذي كان ذنباً فضيعاً أصبح الآن مقبولاً بشكل واسع. القديس بولس قال بأن على المرأة أن تُغطي رأسها داخل الكنيسة [هامش: وكل امرأة تُصلي أو تتنبأ، وليس على رأسها غطاء، تُجلب العار على رأسها، لأن كشف الغطاء كحلق الشعر تماماً (الرسالة الأولى إلى مؤمني كورنثوس 11 : 5)]. من منكم يتذكر أنه رأى امرأة تغطي رأسها في كنيسة بروتستانتية أو كاثوليكية؟ لقد كان هذا الأمر مفروضاً في الكنائس الكاثوليكية لغاية عام 1969.
لا يمكن لأي دين أن يبقى حياً إذا لم يُعدل قيمه الأخلاقية مع الوقت. على سبيل المثال، لكانت الكنيسة الكاثوليكية اليوم أصغر كثيراً مما هي عليه لو لم تُغير وجهة نظرها الأخلاقية عن الطلاق في منتصف القرن الماضي. فحالات الطلاق ازدادت من 368 في عام 1969 إلى ما يزيد عن 40,000 في كل سنة في الولايات المتحدة الامريكية للفترة من 1990 إلى الوقت الحاضر. منذ تسعينات القرن الماضي، شهدت الولايات المتحدة الامريكية، والتي يشكل الكاثولك فيها نسبة 4% فقط من مجموع الكاثوليك في العالم، نسبة 75% من كل حالات الطلاق. إنه من الواضح أن الكنيسة الكاثوليكية تُغير موقفها الأخلاقي من الطلاق لكي ينسجم مع التراثية الأمريكية. فبدون قبول لقانون الطلاق، فأن اولئك الناس ومصادر دعمهم المالي سوف تنسحب من الكنيسة الكاثوليكية.
بعض الكنائس البروتستانتية سوف تكون فارغة اليوم لو أنها حافظت على تحريمها للقمار والخمر الذي كانت تتمسك به قبل أكثر من مئة عام. لعل رجال الدين يعتقدون بأن يكون عندك مقامرين يدفعون العُشر خير من عدم وجود كنيسة على الإطلاق. [العُشر هو العشرة بالمئة من مصدر دخل المسيحي البروتستانتي يدفعه شهرياً إلى الكنيسة (المترجم)]. أين سوف تكون الكنيسة الاسقفية اليوم لو أنها تمسكت بنظرتها عن المرأة التي كانت تؤمن بها قبل أكثر من مئة عام؟ كيف سوف يكون نجاح الكنيسة المعمدانية الجنوبية اليوم لو أنها تمسكت بموقفها أتجاه العبودية الذي كانت تؤمن به في عام 1850؟ الكنيسة المعمدانية الجنوبية تأسست ككنيسة مؤيدة للعبودية في فترة الانشقاق العظيم بين أبناء الجنوب الامريكي المؤيدين للعبودية وأبناء الشمال الامريكي الرافضين لها [هامش: اغلب القساوسة في الجنوب كانوا يملكون عبيداً]. أبناء الجنوب الامريكي استشهدوا بعشرات النصوص الدينية من الكتاب المقدس ليدعموا وجهة نظرهم. القراءة في الكتاب المقدس تُبين أن ليس هناك أي نص سماوي يمنع العبودية. لم يرد في أي مكان في الكتاب المقدس أن العبودية خطأ، إذن فكرة رفض العبودية لا يمكن أن تكون قد جاءت من المسيحيين، على الرغم من ادعائهم ذلك. على العكس من ذلك الادعاء، فأن عاطفة رفض العبودية جاءت من أفكار عصر التنوير التي تم تبنيها من قبل بعض الجماعات الدينية وليس من قبل آخرين. إذا كانت القيم الأخلاقية ثابتة، فلماذا ليس هناك كنيسة مؤيدة للعبودية الآن؟ كيف لشيء مهم جداً أن يفقد أخلاقيته الالزامية بصورة مفاجئة؟ إنه أمر مشابه لوحي الأله إلى رئيس طائفة المورمن في 1890 والذي أنهى تعدد الزوجات بصورة رسمية، وسمح ليوتا أن تصبح ولاية أمريكية. عندما تتغير التراثية، يتغير الدين، أو أنه سوف يفقد تأثيره وقابليته على الانتشار. قضايا أخلاقية ضخمة يبدو أنها تختفي عند مواجهة التغير التراثي.
في أواخر ستينيات القرن الماضي، كانت فضيحة للمرأة أن ترتدي بنطلون، خصوصاً داخل كنيسة. هل تستطيع كنيسة الناصري أن تبقي ابوابها مفتوحة إذا النساء المرتديات للبنطلونات مُنعن من الدخول؟ الجنس قبل الزواج كان غير وارد في معضم الكنائس في ثلاثينيات القرن الماضي. أنا اتسائل كم أمريكي كاثوليكي قد مارس الجنس قبل الزواج الآن؟ الجنس قبل الزواج لا يحظى بالاهتمام والادانة من قبل العديد من الجماعات الدينية. التراجع الكبير جداً في معدلات الانجاب بين الكاثوليك قد يشير إلى أن تحديد النسل لم يعد كما كان ذنباً بالرغم من تعاليم الكنيسة. لا يبدوا أن الكنيسة تعاقب أي شخص بسبب استخدام موانع الحمل.
القادة الدينين الذين يدعون أن القيم الأخلاقية ثابتة يملكون ذاكرة قصيرة. مجموعة مثل (المجتمع المسيحي لاعادة أخلاقيات العهد القديم) يتبنون ادعاءً واسعاً حول القيم الأخلاقية الثابتة، مع ذلك فأن قلة منهم يقترحون التطبيق الكامل لقوانين العهد القديم المؤيدة للعبودية ورجم الزانيات والساحرات. قلة سوف يطردون أولئك الذين يعتقدون بأن الكتاب المقدس ذو الترجمة اللاتينية هو أعلى سلطة من نسخة الملك جيمس. حتى بين جماعة اصولية مثل هذه، فأن الدين يفعل ما يحتاجه لكي يبقى حياً في وسط ديانات وتراثيات تحيط به من كل جانب.
القيم الأخلاقية الدينية المؤقتة:
الوعاظ الاصوليون يتحدثون عن كلمة الرب الثابتة وبأن القيم الأخلاقية التي وضعها لا تتغير ابداً. أسطورة القيم الأخلاقية الثابتة تسمح للدين أن يتحكم بالسلوك الحالي. عندما يُصاب الناس بفقدان الذاكرة، فأنه من السهل على القساوسة والوعاظ أن يفرضوا ما يسمونه اليوم بالسلوك المقبول، والتي هي مجموعة قيم أخلاقية مؤقتة. القيمة الأخلاقية الثابة تعني أن هناك طريقة للحكم على سلوك معين بشريط قياس الأخلاق. ولكن ما يحدث في الواقع هو أن القس أو الواعظ يتحكم بشريط القياس ويعدله وفقاً لمصلحة الدين الموجود في تراثية معينة.
كم واعظ استنكر فكرة توحيد طبقات المجتمع في هذه الأيام؟ هل سمعت أي موعظة عن شر القمار في كنيستك مؤخراً؟ هل القس في كنيستك وعظ عن شر تحديد النسل في العشر سنوات الاخيرة؟
ربما نعتقد أن ارتكاب الجريمة هو تصرف مدان بشكل مطلق. فوصية (يجب أن لا تقتل) تبدو واضحة جداً. ولكن هذه الوصية أيضاً تغيرت مع الزمن. اليهود الذين كتبوا واتبعوا الوصايا العشر لم يعتقدوا أنهم يرتكبون جريمة عندما يرجمون زانية حتى الموت أو يقتلوا كل النساء أو الأطفال في مدينة اثناء حربهم مع الفلسطينين. محاكم التفتيش وتوماس دي توركويمادا (Tomás de Torquemada) لم يعتقدوا أن التعذيب حتى الموت كان جريمة. هل هذه الافعال تُعد جريمة اليوم؟
مُلاك العبيد في ولاية ميسيسيبي كانوا يعتقدون أن لهم الحق في قتل العبد الآبق، لأن ذلك لم يكن يُعد جريمة من الناحية القضائية. في عام 1850 لم تُعد جريمة أن يقوم حشد من المسيحيين بشنق رجل اسود بتهمة اهانة امرأة بيضاء. جماعات الاعدام دون محاكمة كانت قادرة على شنق السود والافلات من العقوبة لمدة ثمانين سنة تقريباً بعد الحرب الاهلية، لم يُتهم أي واحد منهم بالجريمة. هل كان هذا الفعل جريمة أم لا؟
بالنسبة لرجل في باكستان، لا تُعد جريمة أن يقوم بقتل اخته أذا وجدت لوحدها مع رجل ليس من اقاربها. بالنسبة لحارس سجن مسيحي، ليس جريمة أن ينفذ عقوبة الموت بمجرم أدين حسب الاصول. لم تحسب جريمة أن ترمي قنابل النابالم على القرى الفيتنامية في عام 1968. من الواضح أن مفهوم الجريمة شيء عائم، ولا يبدو ان للجريمة أي علاقة بالوصايا العشر.
القيم الأخلاقية يتم تعريفها في ضوء التراثية الحالية. والدين يخضع إلى القيم المعاصرة فقط عندما يتهدد بقائه. بما أن التراثية تتبدل باستمرار، فأن الدين دائما يحاول أن يُعدل نفسه لأجل أن يبقى حياً داخل الترثية. في المجتمعات غير المصابة بشدة بالدين، فأن الدين عليه أن يتحول لكي يبقى مؤثراً. أما في المجتمعات المتزاوجة بشدة مع الدين، مثل السعودية العربية، فأن مسطرة الأخلاق صعبة التكيف مع القيم المعاصرة.
الخلاصة:
(1) القيم الأخلاقية هي صنيعة التراثية وليس الدين.
(2) الدين يتغير باستمرار لكي يتكيف مع التراثية ويبقى على قيد الحياة.
(3) التحكم الديني ينشأ ويستمر من خلال أسطورة الأخلاق الثابتة.
(4) المصابون بالتدين يجدون صعوبة في رؤية الطبيعة المتغيرة في القيم الأخلاقية الدينية.
كلمة المترجم:
أغلب الأمثلة التي قدمها المؤلف عن القيم الأخلاقية المتغيرة كانت من الدين المسيحي، والتي يمكن تلخيصها بالعبودية، والطلاق، وتحديد النسل، وشرب الخمر، ولعب القمار، وممارسة الجنس قبل الزواج، وعدم وضع غطاء الرأس داخل الكنيسة، وارتداء النساء للبنطلون، وتعدد الزوجات لدى طائفة المورمن، واخيراً اعدام السود دون محاكة. أتمنى على القاريء أن يبحث عن قيم أخلاقية كانت سائدة في فترات سابقة من تاريخنا الإسلامي ـ العربي (التاريخ القديم أو الحديث) وتخلينا عنها الآن ونسيناها، والتي لا يحاول أو يجرؤ رجل دين على المطالبة بعودتها من جديد، وإن فعل فأنه في الغالب يتعرض إلى السخرية والاستنكار. هل تستطيع، عزيزي القاريء، أن تذكر واحدة أو أكثر من هذه القيم الأخلاقية المتغيرة في الدين الإسلامي؟