ترجمة اثير فيصل حميد
مراجعة سيف البصري

هل ان الادمغة المختلفة للاشخاص الذين يستمعون الى نفس القطعة الموسيقية تستجيب في الواقع بنفس الطريقة؟تجيب دراسة تصويرية قام بها علماء كلية الطب في جامعة ستانفورد بالايجاب!!
مما قد يوضح جزئيا سبب لعب الموسيقى هذا الدور الكبير في حياتنا الاجتماعية.
استخدم الباحثون التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لتحديد شبكة موزعة لعدد من البنى الدماغية والتي تعاظمت وتضاءلت مستويات نشاطها بنفس النمط وبشكل لافت للنظر بين الافراد المشاركين في الدراسة اثناء استماعهم الى موسيقى كلاسيكية لم يستمعوا اليها من قبل وسيتم نشر النتائج على الانترنت بتاريخ 11 نيسان في المجلة الاوربية للعلوم العصبية.

يقول الدكتور فينود مينون ,استاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية والباحث الرئيسي في الدراسة :”نحن نقضي وقتا طويلا في الاستماع الى الموسيقى ,احيانا بشكل مجموعات ,وفي بعض الاحيان بادخال الرقص والحركات المتزامنة”واضاف قائلا:”هنا في هذه الدراسة ,بينا للمرة الاولى انه بالرغم من فروقاتنا الفردية في خبرتنا وتفضيلاتنا الموسيقية فان الموسيقى الكلاسيكية اثارت بين المشاركين نمط ثابت للغاية من الفعاليات في عدة بنى دماغية والمتضمنة تلك البنى المعنية بتنظيم الحركة والذاكرة والانتباه”

ويقول مينون “مفهوم ان الاشخاص الاصحاء يستجيبون للاصوات المعقدة بنفس الطريقة بالامكان ان يقدم رؤى جديدة عن الافراد الذين يعانون من اضطرابات في اللغة والنطق ومدى اختلافهم عنا في الاستماع الى المعلومات وتعقبها”

الدراسة الجديدة هي واحدة ضمن سلسلة مشتركة التعاون بين مينون والباحث المشارك في الدراسة الدكتور دانيال ليفيتين ,استاذ علم النفس في جامعة ماكجيل في مونتريال ,وتاريخ هذا التعاون يعود الى عدة سنوات مضت عندما كان ليفيتين استاذا زائرا في جامعة ستانفورد.

للتاكد من ان الموسيقى وليست اللغة هي ما تقوم ادمغة المشاركين بمعالجته ,استخدمت مجموعة مينون موسيقى لا تحتوي على اي كلمات ,بالاضافة لذلك ,تم استبعاد اي شيء آخر سبق وان استمع اليه المشاركون من قبل للتخلص من تأثيرات الخلط بين المشاركين المستمعين الى القطعة الموسيقية المختارة سابقا واولئك الذين يستمعون اليها للمرة الاولى.كذلك ان استخدام قطعة موسيقية غامضة يجنب تقاطع الذكريات وكما لو ان المشاركين يستمعون اليها للمرة الاولى.

استقر اختيار الباحثين على مقطوعات موسيقية كلاسيكية سيمفونية كاملة من القرن الثامن عشر للمؤلف الموسيقي الانكليزي وليام بويس ,والمعروف للمجتمع الموسيقي باسم”باخ الانكليزي”بسبب مؤلفاته الموسيقية في نهاية عصر الباروك التي تحاكي مقطوعات المؤلف الالماني الشهير .اعمال بويس تتناسب بشكل جيد مع الموسيقى الكنسية الغربية ولكنها قليلة الشهرة بين الامريكيين الحديثين.

لاحقا ,وبعد اختيار الموسيقى ,تضمنت مجموعة مينون 17 مشاركا ايمن اليد (تسعة رجال وثماني نساء)تتراوح اعمارهم بين 19 و27 عاما يمتلكون تدريبا موسيقيا قليل او معدوم وليس لديهم معرفة سابقة بأعمال بويس.(خرائط تشريح الدماغ التقليدية تستند الى دراسات اجريت على اشخاص يستخدمون ايديهم اليمنى.ادمغة الاشخاص عسر اليدين تميل الى الانحراف عن هذه الخرائط).

اثناء استماع المشاركون الى موسيقى بويس من خلال سماعات الراس تمت المحافظة على رؤوسهم بوضعية ثابتة داخل حجرة الرنين المغناطيسي الوظيفي وتم تصوير ادمغتهم لمدة تجاوزت التسع دقائق.اثناء جلسة التصوير هذه ,استمع المشاركون الى نوعين من المحفزات “الموسيقية الزائفة”والتي تمتلك سمة واحدة من سمات الموسيقى وتفتقر الى السمات الاخرى .في احدى الحالات تم تضليل معلومات التوقيت الموسيقي بما في ذلك الايقاع ,مع تاثير مشابه لصوت الهسهسة المتزامنة.اما الادخال الموسيقي الزائف الاخر تضمن المحافظة على نفس الهيكل الايقاعي لمقطوعة بويس ولكن مع تحويل كل نغمة الى نغمة ثانية باستخدام خوارزمية رياضية بحيث تغيرت الجوانب اللحنية والتوافقية بصورة جذرية.

تمكن فريق الباحثين من تحديد شبكة هرمية تمتد من محطات تقوية سمع ذات مستوى منخفض الى هياكل دماغية قشرية ذات مستوى عالي تتعلق بالذاكرة العاملة والانتباه ,وتتعداها الى مناطق تخطيط الحركة في القشرة.هذه المناطق تتعقب العناصر الهيكلية للمحفزات الموسيقية خلال فترات زمنية تصل لغاية عدة ثواني,وكل منطقة تعالج المعلومات وفقا لنطاقها الزمني.

استجابت مستويات النشاط في عدة مناطق مختلفة من الدماغ للموسيقى بشكل متشابه من شخص لاخر ,وبصورة اقل او معدومة للموسيقى الزائفة.في الوقت الذي ادخلت فيه البنى الدماغية في عملية معالجة الموسيقى بصورة فردية ,تم التعرف على هوياتها من خلال محفزات مختبرية وليس عن طريق موسيقى حقيقية.كما لم يتم ملاحظة تنسيق سابق فيما بينها.

ومن الجدير بالذكر ان الهياكل السمعية تحت القشرية في الدماغ المتوسط والمهاد اظهرت تزامنا اكبر وبشكل فعال في الاستجابة للمحفزات الموسيقية. وفال مينون ان الاعتقاد السائد عن هذه البنى الدماغية انها تحول المعلومات السمعية بصورة سلبية الى مراكز الدماغ الاعلى,واضاف قائلا:”ولكن ,لوكانت هذه البنى فقط محطات تحويل سمعية سلبية لكانت الاستجابة لنوعي الموسيقى الزائفة بصورة تزامنية متقاربة بين الافراد كما هو الحال مع الموسيقى الحقيقية”.

واظهرت الدراسة للمرة الاولى بان مستويات النشاط لهذه البنى تستجيب بشكل تفضيلي الى الموسيقى وليس الى الموسيقى الزائفة,مما يوحي بان المراكز ذات المستوى العالي في القشرة توجه محطات التحويل هذه لتتابع عن قرب الاصوات التي تكون ذات طبيعة موسيقية على وجه التحديد.

القشرة الجبهية الجدارية ,والتي تثبت الوظائف الادراكية ذات المستوى العالي بما في ذلك الانتباه والذاكرة العاملة ,اظهرت كذلك مزامنة متداخلة ولكن فقط في الاستجابة للموسيقى وفي النصف الايمن فقط.

ومن المثير للاهتمام,ان البنى المشاركة تضمنت جزئين مهمين من نظائر الدماغ الايمن في النصف الايسر وهي مناطق Broca وGeschwind والمعروفةباهميتها في النطق وتفسير اللغة.

وقال مينون:”ان مناطق الدماغ الايمن هذه تتعقب محفزات غير لغوية مثل الموسيقى بنفس الكيفية التي يتعقب بها النصف الايسر المتسلسلات اللغوية”

لاي فرد يستمع الى الموسيقى فان كل مجموعة من المناطق المستجيبة للموسيقى تبدو بانها تتعقب الموسيقى وفقا للنطاق الزمني الخاص بها .على سبيل المثال,مراكز المعالجة السمعية في الدماغ الاوسط عملت اكثر او اقل في الوقت الحقيقي,في حين ابدت نظائر الدماغ الايمن”مناطقBroca وGeschwind “معالجة على فترات اطول من الموسيقى.من الممكن ان تكون هذه البنى ضرورية لحفظ العبارات والقطع الموسيقية في العقل كجزء من خلق معنى لقطعة ضمن هيكل موسيقي طويل الامد.

وقال دانيال ابرامز ,وهو باحث في مرحلة مابعد الدكتوراه والمؤلف الاول للدراسة”الحداثة في عملنا اننا حددنا بنى الدماغ التي تتعقب التطور الزمني للموسيقى على مدى فترات ممتدة من الزمن ,والمشابهة لخبرتنا اليومية في الاستماع الى الموسيقى”

التنشيط التفضيلي لمراكز التخطيط الحركي في الاستجابة للموسيقى مقارنة بالموسيقى الزائفة يوحي بان ادمغتنا تستجيب بصورة طبيعية للمحفزات الموسيقية عن طريق الانذار من الحركات التي عادة ما تصاحب الاستماع الى الموسيقى مثل التصفيق والرقص والمشي الايقاعي والغناء وتمايل الراس .انماط التنشيط المتشابهة بوضوح بين الافراد الاسوياء يجعل حركاتنا اكثر عرضة للتنسيق الاجتماعي.

وقال مينون”ان طريقتنا من الممكن ان توسع الى عدد من المجالات البحثية التي تشمل التواصل بين الاشخاص .ونحن مهتمون بشكل خاص في اللغة والتواصل الاجتماعي في التوحد “وقال مينون متسائلا “هل يستمع الاطفال الذين يعانون من التوحد الى الكلام بنفس الطريقة التي يقوم بها الاطفال النامين بشكل طبيعي؟ان لم يكن كذلك ,كيف يعالجون المعلومات بشكل مختلف؟واي مناطق الدماغ تكون خارج المزامنة؟”

ترجمة:اثير فيصل حميد
مراجعة:سيف البصري

رابط الموضوع

http://www.sciencedaily.com/releases/2013/04/130411075701.htm