أشارت دراسة حديثة الى وجود علاقة بين التأمل وانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وقد تناقلت الصحافة هذه الدراسة بشكل لافت. لكن عند تفحص الدراسة بشكل دقيق، لا يظهر أي ارتباط وثيق فعلي بين التأمل وأمراض القلب والأوعية الدموية، أي بمعنى دقيق فإن الدراسة تفقد لكونها “مبنية على العلم”.
غالبًا ما نقوم بتقييم الدراسات الفردية لصفاتها العلمية على أساس: هل تم التحكم في عوامل الدراسة بشكل جيد؟ هل كانت نتيجة الدراسة ذات هدف مسبق بشكل محدد ودقيق؟ هل التقييم الإحصائي صحيح؟ وهل كانت النتائج السريرية واضحة وذات دلالة معينة؟ كذلك التأكد من عدم وجود تجريف للبيانات (تجريف البيانات هو إساءة استخدام تحليل البيانات للعثور على أنماط في البيانات يمكن تقديمها على أنها ذات دلالة إحصائية، مما يزيد بشكل كبير ويقلل من مخاطر إيجابية خاطئة ويعرف أيضاً بخرق الدلالة الاحصائية p-hacking).

لكن في بعض الأحيان تكون مشاكل البحث الطبي أعمق من عيوب الدراسات الفردية. أحياناً يكون الخلل عاماً على مجال البحث بأكمله. وهذا لا يعني أن كل دراسة في المجال هي دراسة سيئة، بل يعني أن معظم البحوث تعاني من مشاكل علمية مخبأة في ثقافة البحوث العلمية التي تجرى ضمن مجال معين. على سبيل المثال، تعاني بحوث المعالجة المثلية (المعالجة المثلية: ويسمى أيضا بالطب التجانسي، هو نظام علاجي وشكل من أشكال الطب البديل) من حالة تشبه رمي النرد في دراسات تقارن دواءاً وهمياً بدواء وهمي آخر والإعلان عن كونها دراسات إيجابية ناجحة، دون إعادة تحقيق نفس النتائج عند تكرار الأبحاث.

وربما تكون أبحاث الوخز بالإبر هي الأسوأ – فهي تعاني من مشكلة أساسية في تعريف معالجة الوخز بالإبر. يجب أن يكون غرز الإبر في نقاط محددة لعلاج مشاكل معينة. ومع ذلك، تظهر البحوث باستمرار أنه لا يهم مكان تثبيت الإبر او طريقة تثبيتها على الإطلاق. علاوة على ذلك، فإن اختيار نقاط الوخز بالإبر أمر اعتباطي ويفتقر إلى الاتساق (وهو أمر غير مفاجئ نظراً للتنوع اللامتناهي في أساليب الوخز بالإبر). والأكثر إدانة، أن الأدلة تظهر بوضوح أن نقاط الوخز بالإبر غير موجودة أصلاً. ومع ذلك، توجد المئات من الدراسات المبنية بشكل بحثي خاطئ والتي تفيد بأن “الوخز بالإبر يعمل”.

المشكلة الأساسية في أبحاث المعالجة المثلية والوخز بالإبر هي أن معظم الباحثين، ببساطة، يفعلون ذلك بشكل خاطئ. إنهم يرتكبون الخطيئة الأساسية التي يرتكبها كل رواد العلم الزائف وهي إثبات صحة فرضيتهم، بدلاً من محاولة إثبات أنها غير صحيحة (راجع قابلية التخطئة لكارل بوبر). وهكذا فإن برنامج البحث بأكمله معطوب. إذا تم حل هذه المشكلة في الكثير من البحوث العلمية، فسيتم إعلان ان المعالجة المثلية والوخز بالإبر هي أبحاث غير فعالة وطرق مغلقة علمياً.

 

هناك موقف مشابه مع التأمل، باستثناء أنه قد يكون أكثر دقة أن نقول إن أبحاث التأمل لا تخبرنا بأي شيء عملياً، بدلاً من الإشارة إلى أن التأمل لا يعمل. يأتي التأمل في العديد من النكهات، لكنها جميعا تفتقر إلى تعريفات عملية واضحة. هذه هي الخطوة الأولى في أي علم حقيقي – تعريف واضح. إذا لم تتمكن من القيام بذلك، فمن المحال أن يكون لديك نتائج بحثية قابلة للتفسير وذات مغزى. كما اشرت له في مقال منفصل سابق:

“ومع ذلك، فإن ما ذُكر أعلاه من التعقيد، والإرباك، والالتباس المحيط بالبحث التجريبي حول ” اليقظة الذهنية ” يحد من إمكانية إعطاء اسئلة واضحة وتحديد نظريات معيّنة. ان مدى تأكيد نموذج معين أو عدم تأكيده من خلال مجموعة من البيانات التجريبية أو الملاحظات المنهجية يعتمد على معنى اليقظة الذهنية “.

هذه طريقة جيدة للقول بأننا لا نستطيع حقًا استنتاج أي شيء من البحث الحالي لأن تعريف “تأمل اليقظة الذهنية” هو أمر شديد الغرابة. ماذا عن أفضل دراسات التأمل – هل يمكن أن تخبرنا بأي شيء؟ 

أن أكبر مراجعة منهجية، والتي ناقشها جيمس كوين في عام 2019، تضمنت 18753 استشهاد، ولكنها تضمنت فقط 47 تجربة كانت ذات جودة كافية لتضمينها في المراجعة. هذه ضوضاء كبيرة لإشارة ضعيفة جدا. وقد وجدوا في المراجعة:
“قلة الأدلة على عدم وجود تأثير أو عدم كفاية الأدلة على أي تأثير لبرامج التأمل على كل من: تحسين المزاج، الانتباه، تعاطي المخدرات، عادات الأكل، النوم، والوزن. وضمن جميع ما سبق لا يوجد دليل على أن برامج التأمل كانت أفضل من أي علاج فعال (على سبيل المثال، الأدوية والتمارين والعلاجات السلوكية الأخرى).”

هذا الاستنتاج مشابه بشكل مخيف للبرامج الأخرى، مثل المعالجة المثلية والوخز بالإبر، حيث تُظهر أفضل الدراسات أن الممارسة ربما لا تعمل. ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من الدراسات تدعي أن الممارسة ربما تنجح، لكنها ليست ذات جودة كافية لاستخلاص هذا الاستنتاج حقًا. لذا فإن الصحافة والجمهور قد تركوا مع الاستنتاج المعاكس للواقع العلمي.
الدراسة الحالية هي مثال رائع. حيث يقول التقرير “التأمل مرتبط بانخفاض مخاطر القلب والأوعية الدموية”. فمعظم الناس سيأخذون عنوان البحث كمحصلة، أو سيقرؤون الثلثين الأولين من البيان الصحفي وهو أيضاً مبهر ولكنه مضلل. ومع ذلك، إذا نظرت إلى الدراسة الفعلية، ترى أن البيانات ليست مقنعة فحسب، بل إنها سلبية في الواقع.


أولاً، فإن الدراسة قائمة على الارتباط الاحصائي فقط. لا يوجد تدخل وضبط في التجربة، يبحث المؤلفون فقط في معلومات الاستطلاع حول العادات المبلغ عنها ذاتيًا مثل التمارين والتدخين والتأمل. يجب أن تشك دائمًا في هذا عندما يستخدم العنوان كلمة “مرتبط” او “ترابط احصائي”. حقيقة أن – أ – ارتبط بـ – ب – لا تعني أن – أ – تسبب بـ – ب-، على الرغم من أن هذا غالبًا ما يكون المعنى الضمني.

 

لكن المشاكل أعمق من ذلك. حيث تم اجراء مسح كبير بواسطة المسح الصحي الوطني (NHIS) وبمشاركة 61,267 شخص. وهذا يمنح الدراسة قدر كبير من القوة الإحصائية للعثور على تأثيرات صغيرة، ولكنه يعني أيضًا أن أي عوامل مربكة من المحتمل أيضًا أن تكون ذات دلالة إحصائية عالية. يبدو الأمر أشبه بالنظر إلى فيل تحت المجهر – سترى الكثير من التفاصيل، ولكن قد تفوتك الصورة الكبيرة.

المقال الأصلي
Steven Novella, “Another Broken Meditation Study“, sciencebasedmedicine.org, July 15, 2020