الكون المتعدد لماذا يعتبر فكرة علمية رصينة رغم من غرابة التسمية ؟ 

ملاحظة من المحرر: قام المختص في علم الكونيات، جورج إيليس، في عدد شهر أب/ أغسطس من مجلة سانتيفيك أميريكان (Scientific American) بتوضيح سبب شكِه في مفهوم الأكوان الموازية. هنا الأن، يقدم مؤيدا هذه الفكرة، أليكساندر فيلينكن و ماكس تيكًمارك نقاطاً مضادة، بدءاً بالسبب وراء حل هذا المفهوم الكثير من الألغاز في كوننا، ومروراً بكيفية أمكانية أختبارها.

أهلا بكم في الكون المتعدد

يعود أصل الكون كما نعرفه، إلى أنفجارٍ عظيم نسميه بـ “الأنفجار الكبير”. قد قام المختصون الفلكيون، على مدىً يقارب القرن، بدراسة ما تلا هذا الأنفجار: كيف أستطاع الكون أن يتمدد ثم يبرد. وكيف أقتربت المجرات من بعضها وأجتمعت بشكلٍ تدريجي بواسطة قوى الجاذبية. أن التركيز العلمي على طبيعة الأنفجار بنفسه، لم يُركز عليه إلا حديثاً. هذا الأمر هو فحوى نظرية الأنتفاخ التي وضعت في ثمانينيات القرن العشرين على أيدي آلان كًث، آندري ليند وأخرين، حيث أدت إلى إنشاءِ نظرة عالمية جديدة عن الكون.

الكون المتعدد

Credit: Scientific American

يعتبر الانتفاخ فترة من التوسع المتسارع، فائقة السرعة في بداية التاريخ الكوني. يكون التوسع سريعاً إلى درجة أنتفاخ جزيءٍ تحت ذري صغير جداً، في أجزاءٍ من الثانية، إلى جسيم ذو أبعادٍ أضخم بكثير من الكون المنظور الحالي بأكملِه. عِند نهاية هذا الأنتفاخ، تقوم الطاقة التي أدت إلى التوسع بإشعالِ كرة ناريةٍ حارة مكونة من الأشعاعات والجزيئات. وهذا ما نسميه نحن بالأنفجار الكبير.

تبدأ نهاية هذا الأنتفاخ بواسطة عملياتٍ كمّية إحتمالية، ولاتحصل في كل مكانٍ في آنٍ واحد. في الجِوار الكوني لنا، أنتهى الأنتفاخ أو التضخم قبل 13.7 بليون (مليار) سنة، لكنها لاتزال تستمر في مناطِق نائية من الكون، ومناطق أخرى “عادية” كمنطقتنا التي تستمر بالتكوّن. تظهر المناطق الجديدة كفقاعاتٍ مجهرية تبدأ بالنمو فوراً. تنمو هذه الفقاعات بدون أي حاجز: في هذهِ الأثناء تبتعد هذه الفقاعات عن بعضها البعض بسبب التوسع الأنتفاخي، مما يتيح المجال أمام المزيد من الفقاعات للتكوّن. تسمى هذه العملية اللامنتهية بـِ الأنتفاخ الأزلي. نحن نعيش في إحدى هذه الفقاعات ولانستطيع رؤية أكثر من جزءٍ صغير منها. مهما كانت السرعة التي نسافر بها، فإننا لن نستطيع أبداً اللحاق بالحدود المتوسعة للفقاعة التي نعيش فيها، لذا، ولكل الأسباب العملية، نحن نعيش في كونٍ فقاعيٍ مغلق.

توضح نظرية الأنتفاخ خصائص غامضة أخرى للأنفجار الكبير، والتي وَجب طرحها والتسليم بها سابقاً. كما قامت هذه النظرية أيضاً بوع تنبؤاتٍ يمكن أختبارها، حيث تم تأكيدها بشكلٍ مذهل من خلال المراقبات الفلكية. اليوم، أصبح الأنتفاخ الصيغة الكونية الرائدة.

ينبع جانب أساسي من النظرة العالمية الجديدة لهذه النظرية من النظرية الخيطية، والتي تعتبر في الوقت الراهن من أفضل النظريات المرشحة للنظرية الأساسية للطبيعة. تطرح النظرية الخيطية أعداداً هائلة من الحلول المتعلقة بالأكوان الفقاعية ذات الخواص الفيزيائية المتنوعة. إن الكميات التي نسميها بـِ ثوابت الطبيعة، مثل كتل الجزيئات البدائية، ثابت الجذب لنيوتن وعلى هذا المنوال، تتخذ قيماً مختلفة بأختلاف أنواع الفقاعات. قم الأن بدمج هذا مع نظرية الأنتفاخ. لكل فقاعةٍ أحتمالية معينة للتشَكّل في الفضاء المنتفخ. لذا، حتماً سيتشكل عددُ غير محدد من الفقاعات من كل الأنواع المحتملة في هذا المسار من الأنتفاخ الأزلي.

توضح هذه الصورة للكون، أو الكون المتعدد كما يسمى، الغموض الذي ألقى بظلالِه كل هذا الوقت على السؤال: لماذا تبدو ثوابت الطبيعة محددة بشكلٍ شبه مثالي لتدعم أنبثاق الحياة. يعود السبب إلى أن الكائنات المراقبة الذكية توجد في فقاعاتٍ نادرة، حيث وبمحض الصدفة، يحدث أن تكون الثوابت مناسبة لظهور الحياة. أما باقي الكون المتعدد يعتبر قاحلاً، ولايوجد من يشكي من هذا الأمر.

يرى بعض زملائي الفيزيائيين أن نظرية الكون المتعدد تدعو للقلق. كل نظريات الفيزياء تكون عرضة أما للتأكيد أو للدحض، أعتماداً على مدى توافق تنبؤاتها مع البيانات. لكن كيف نستطيع نتحقق من وجود أكوان فقاعية أخرى؟ تناقش باول ستيينهارت وجورج إيليس عن كون نظرية الكون المتعدد غير علمية، لأنه لايمكن أختبارها ولاحتى أختبارها كمبدأ.

مما يثير الدهشة، أنه قد تكون الأختبارات عبر المراقبة لهذه الصورة للكون المتعدد، ممكنة. أشار آنتوني أكًوير، مات جونسون، مات كليبان وآخرون إلى أن تصادماً بين فقاعتنا المتوسعة وفقاعة أخرى في الكون المتعدد ستحدث دمغةً أو أثراً في أشعاع الكون الخلفي – وهي بقعة مستديرة ذات شدة شعاعية أعلى أو أوطأ. سيزودنا كشف هكذا بقعة ذات الشدة المتنبأ بها، بالدليل القطعي على وجود أكوان فقاعية أخرى. قد بدأ البحث الأن، لكن للأسف لايوجد ما يضمن أن تصدماً بين الفقاعات قد حصل ضمن أفقنا الكوني.

توجد مقاربة أخرى يستطيع المرء إتباعها. تكمن الفكرة بأتسخدام نموذجنا للكون المتعدد للتنبؤ بثوابت الطبيعة التي نتوقع طبيعياً أن نقيسها في منطقتنا المحلية. إذا تغيرت الثوابت من كونٍ فقاعيٍ إلى آخر، لايمكن التنبؤ بقيمها المحلية بشكلٍ حتمي، لكن يمكننا في الوقت ذاته القيام بتنبؤاتٍ إحصائية. نستطيع أن نشتق من هذه النظرية، ماهية قيم الثوابت الأكثر أحتمالاً أن تقاس بواسطة مراقب نموذجي في الكون المتعدد. بأفتراض أننا نموذجيون – وهو الأفتراض الذي أطلقت عليه أسم “مبدأ الأعتدال” – نستطيع أن نتنبأ بالقيم المرجحة للثوابت في فقاعتنا.

لقد تم تطبيق هذه الأستراتيجية على كثافة الطاقة في الفراغ، كما تعرف أيظاً بـِ “الطاقة المظلمة”. أشار ستيفن واينبركً إلى أنه في المناطق ذات الطاقة المظلمة العالية، تتسبب هذه الطاقة في توسع الكون بسرعة هائلة، بالشكل الذي يمنع المادة من التكتل على شكل مجرات أو نجوم. لا يُتوقع نشوء مراقبين في مناطق كهذه. أظهرت الحسابات أن أغلب المجرات (وبالتالي أغلب المراقبين) تقع في المناطق التي تكون فيها الطاقة المظلمة تقريباً بنفس مقدار كثافة المادة في وقت تشكّل المجرات. لذلك يشير التنبؤ إلى وجوب ملاحظة قيمة مشابهة في جزئنا من الكون.

في أغلب الأحيان، لايأخذ المختصون بالفيزياء هذه الأفكار على محمل الجد، لكن ما أثار دهشتهم هو رصد طاقة مظلمة تقريباً بنفس المقدار المتوقع، في المراقبات الفلكية التي جرت في أواخر تسعينيات القرن الماضي. قد يكون هذا أول أدلتنا على حقيقة وجود كونٍ متعددٍ عملاق. قد غير هذا آراء الكثيرين.

لاتزال نظرية الكون المتعدد في طور الطفولة، ولاتزال تبقى بعض المشاكل المتعلقة بالمفاهيم. بدون حلول. لكن، وكما كتب ليونارد سسكيند، “أراهن على أنه مع بزوغ فجر القرن الثاني والعشرين، سينظر الفلاسفة والفيزيائيون بكل حنينٍ إلى الحاظر ويستذكِروا كيف أن العصر الذهبي الذي أفسح فيه مفهوم القرن العشرين الضيق التفكير المجال أمام فكرة أفضل وأكبر وهي الكون المتعدد … ذات النسب المدوخة للعقل.”

الكون المتعدد يعود مرة اخرى

أحقاً تعيش في كونٍ متعدد، أم أن هذا مفهوم من وراء أسوار العلوم؟

مستوحاة من النقد المشوق حول الأكوان المتعددة في عدد شهر آب/أغسطس، من مجلة ساينتيفيك أميريكان (Scientific American)، كُتِب من قِبل جورج أف آر أيليس، الرائد في النسبية، دعوني أشرح لكم ما أعرف.

قد تلقت الأفكار المتعلقة بالكون المتعدد أعترافاً ضئيلاً بها من المؤسسة الدينية: حُرق جيوردانو برونو (Giordano Bruno)، صاحب نظرية الكون المتعدد ذو الفضاء اللانهائي، في عام 1600، على كومةٍ من الحطب، كما حُرِق هيو أيفريت (Hugh Everett) ذو نظرية الكون المتعدد الكمّي في عام 1957. كما شعرت ببعض هذه التهديدات شخصياً، حيث قال بعض زملائي الكبار أن منشوراتي وكتاباتي جنونية وقد تدمر مسيرتي المهنية. لكن قد حصل تغيير جذري في السنوات الحديثةِ على كلِ حال. أصبحت فكرة الأكوان الموازية اليوم تُردد في كل مكان، في الكتب، الأفلام وحتى الدعابات: “لقد نجحت في الأمتحان في العديد من الأكوان الموازية لكنك لم تنجح في هذا الكون.”

الكون المتعدد

Credit: Scientific American

بالطبع لم يؤدي بث هذه الأفكار إلى إجماع بالرأي بين العلماء، لكنها زادت من الدقة في أختلاف الآراء في المناظرات حول الكون المتعدد، وبرأيي، جعلت هذه الحوارات أكثر تشويقاً، حيث بدأ العلماء بتخطي مرحلة الصراخ في أوجه بعضهم البعض، وبدأو، وبكل صدق، بمحاولة تفهم وجهات النظر المعاكسة. أعبر مقال جورج أيليس الجديد مثالاً رائِعاً على هذا الأمر وأنا أوصيكم بقرأتِه، هذا إن لم تكونوا قد قرأتموه أصلاً.

عندما أتكلم عن كونِنا، أقصد المنطقة الكروية من الفضاء، التي تمّكن الضوء أن يصلها خلال فترة 13.7 بليون (مليار) سنة منذ الأنفجار الكبير. عندما أبحث في الأكوان الموازية، أجده من المفيد جداً التفريق بين المستويات الأربعة: المستوى 1 (هي المناطق الأخرى من الفضاء، البعيدة جداً، حيث تتشابه قواعد الفيزياء، لكن أختلفت مجريات التاريخ لأن الأشياء بدأت بشكلٍ مختلف في المنطقتين)، المستوى 2 (وهي المناطق من الفضاء التي تختلف فيها حتى قوانين الفيزياء الواضحة)، المستوى 3 (هنا توجد العوالم الموازية في ما يسمى بـ فضاء هيلبرت (Hilbert space) حيث يكون الواقع الكمّي)، أما فيما يخص المستوى 4، (توجد هنا عوالم منعزلة عن بعضها بشكلٍ تام، مُهَيمَنةٌ بمعادلاتٍ رياضيةٍ مختلفة).

في هذا النقد، يُصنّف جورج العديد من النقاط ويرجّحها في صالح مستويات الكون المتعدد المذكورة آنفاً، ويتحدث عن وجودِ مشاكِل في كُلها. إليكم تلخيصي حول هذه النقاط المضادة لفكرة الكون المتعدد:

  1. قد يكون الأنتفاخ خاطِئاً (أو غير أبدي).
  2. قد تكون ميكانيكا الكم خاطِئة (أو غير وحدَوي).
  3. قد تكون النظرية الخيطية خاطِئة (أو تفتقر لحلولٍ متعددة).
  4. قد تكون الأكوان المتعددة غير قابلة للدحض.
  5. يدّعي البعض أن الأدلة حول الكون المتعدد مشكوك فيها.
  6. تحسين نقاط الحوار قد يكثّر من الأفتراضات.
  7. حتى بالنسبة للأكوان المتعددة الأكبر، يعتبر هذا كمنحدرٍ زَلِق (في الحقيقةِ لم يذكر جورج النقطة الثانية في مقالته، لكني أضفتها لأني أعتقد بأنه كان ليضيفها لو سمح له المحرر بأستعمال أكثر من ست صفحات.)

ما هو رأيي حول هذا النقد؟ بشكلٍ مثير للأهتمام، أتفق مع مجمل النقاط السبع – ومع ذلك، لن أتردد في رهن كل مدخرات حياتي على وجود كونٍ متعدد!

فلنبدأ بالنقاط الأربع الأولى. يقوم الأنتفاخ والتضخم بإنتاج كونٍ متعدد من المستوى الأول، وإذا قمت بأضافة النظرية الخيطية مع مجموعةٍ من الحلول الممكنة، ستحصل على المستوى 2 أيضاً. تعطيك ميكانيكا الكم، بأبسط أشكالها الرياضية “الوحدوية”، المستوى 3. لذا إن تم أستبعاد هذه النظريات، سينهار الدليل الرئيسي على وجود هذه الأكوان المتعددة.

تذكّر: الأكوان الموازية ليست نظرية – هي تنبؤات حول نظرياتٍ محددة.

بالنسبة لي، النقطة الرئيسية هي إن كانت النظريات علمية، فأنه من المنطق العلمي أن تُحل وتُناقش كل عواقِبها، حتى لو تضمّنت أشياءاً لانستطيع مراقبتها. لدحضِ نظريةٍ ما، لانحتاج أن نكون قادرين على رصد وأختبار كل تنبؤاتِها، تكفي واحِدةٌ منها فقط. إجابتي على النقطة الرابعة هي أن ما يمكن اختباره علمياً هو نظرياتنا الرياضية، وليس بالضرورةِ مضامينها، وأن هذا الأمر شيءٌ حَسَن. كَمِثال، لأن نظرية آينشتاين عن النسبية العامة تنبأت بشكلٍ ناجح بالكثير من الأشياء التي نستطيع رصدها، كذلك نأخذ تبنؤاتها بالأشياء التي لانستطيع رصدها على محمل الجَد، كمثال، الأشياء التي تحصل في الثقوب السوداء.

على نفس المنوال، إن تأثرنا بالتنبؤات الناجحة عن التضخم أو ميكانيكا الكم حتى الأن، سيكون علينا أخذ تنبؤاتها البقية على محمل الجَد أيضاً، ومن ضمن ذلك المستويين 1 و 3 للكون المتعدد. يذكر جورج حتى أحتمالية أن تُستبعد فكرة التضخم الأبدي، يوماً ما. بالنسبة لي، هذا ليس أكثر من جدالٍ حول كون التضخم الأبدي نظريةً علمية.

من حيث ترسيخ المبادئ الأساسية كنظريةٍ علميةٍ يمكن أختبارها، فبالطبع لم تحقق النظرية الخيطية هذا الأمر مقارنة بنظريتيّ الأنتفاخ وميكانيكا الكم. بالرغم من ذلك، أعتقد أننا سنبقى عالقين مع كونٍ متعدد من المستوى الثاني، حتى وإن ثبت أنها مجرد وهم. من الطبيعي أن يكون للمعادلات الرياضية أكثر من حل، لذا طالما ينطبق الأمر عينه على المعادلات الأساسية التي تعبر عن الواقع الذي نعيشه، فسيخلق الأنتفاخ اللامتناهي، بشكلٍ عام، مناطق كبيرة جداً في الفضاء تطبق كل هذهِ الحلول فيزيائياً.

كمثال، تسمح المعادلات التي تتحكم بجزيئات الماء، والتي ليست على علاقةٍ بالنظرية الخيطية، تسمح بوجود الحلول الثلاثة المتعلقة بالبخار، الماء السائل والجليد، وإن كان للفضاء بنفسِه أن يوجَد على الأشكال الثلاثة نفسها، عندئذٍ سيميل الأنتفاخ لتحقيق الأشكال الثلاثة كلها.

يعدد جورج عدداً من المراقبات التي يزعم بأنها تدعم نظريات الكون المتعدد المريبة على أفضل حال، كالأدلة على أن بعض ثوابت الطبيعة ليست في الحقيقة ثابتة، الأدلة في الأشعة الكونية الخلفية للموجات المصغرى التي تحصل عند تصادم الأكوان أو الفضاءات المترابطة بشكلٍ معقد، إلخ. أتشارك هذه الشكوك مع جورج بشكلٍ كامل. على أيةِ حال، قد كانت الخلافات في كل هذه الحالات حول تحليل البيانات، مثل حادثة أنهيار مفاعل الأنصهار البارد. بالنسبة لي، تًعد حقيقة أن العلماء يقومون بهذه القياسات ويتناقشون في تفاصيل البيانات، دليلاً دامِغاً على أن هذا من ضمن العلوم: يعتبر هذا الأمر تحديداً الفاصل بين الخلاف العلمي والغير علمي!

يبدو الكون الذي نعيش فيه “مُحسناً” بشكلٍ مثير للدهشة، بحيث إن قمنا بالعبث بالعديد من ثوابتنا الطبيعية حتى على أقل المقاييس، ستكون الحياة كما نعرفها أمراً مستحيلاً. السبب؟ ليس من المفاجىء أن نجد أنفسنا في أحد الأكوان النادرة الوجود التي لاتحتضن الحياة، إن كان هناك كونٌ متعدد من المستوى الثاني حيث تتخذ هذهِ “الثوابت” كل القيم الممكنة، مثلما لن يكون مفاجئاً أن نجد أنفسنا نعيش على الأرض بدلاً من عُطارد أو نبتون.

يهدف جورج إلى حقيقةِ أن عليك أفتراض نظرية كونٍ متعدد كي نصل لهذا الأستنتاج. لكن هذه هي الطريقة التي نختبر بها أي نظريةٍ علمية: نفترض أنها حقيقية، نحسب العواقب، وفي النهاية نصرف النظرية إن لم تطابق الأرصاد والمراقبات. يكون بعض التحسين زائِداً للحد الذي يجعله أمراً مُحرجاً – كمثال، علينا تحسين الطاقة المظلمة حوالي 123 مرتبة عشرية ليكون وجود المجرات التي تسمح بوجود الحياة ممكناً. أنا أرى أن حادثةً غير مفسرة قد تكون إشارة كاشفة عن وجود فجوة في مفهومِنا العلمي. لا يعتبر صرف الأمر بالقول “لقد حالفنا الحظ، لذا توقف عن البحث عن تفسير!” غير مُرضٍ فحسب، بل مساوياً لتجاهل دليلٍ حاسِم.

يقول جورج بأنه إن أخذنا بجديةٍ أن كل شيٍ قد يحدث، يحدث فعلاً، فسنكون على منحدرٍ زلِق صوب أكوانٍ متعددةٍ أكبر، كالكون في المستوى الرابع. بما أن هذا المستوى هو المفضل لدي، وأنني من القلة المؤيدين، لذا سأكون سعيداً بالتزحلق على هذا المنحدر!

يَذكُر جورج أيضاً أن الأكوان المتعددة قد لاتندرج ضمن نظرية “موس أوكام” (Occam’s razor) وذلك لتقديمِها تعقيداتٍ غير ضرورية. كمختص في الفيزياء النظرية، لا أحكم بساطة وكياسة نظريةٍ معينة بالنظر إلى وجوديتها، بل ببساطة وكياسة معادلاتها الرياضية –وما يثير دهشتي هو أن أسهل النظريات رياضياً تُلمح بوجود الأكوان المتعدد، قد أُثبت أنه من الصعب جداً كتابة نظرية تعطينا الكون الذي نراه فقط ولا شيء غيرَه.

في النهاية، توجد نقطة نقيض مضادة لوجود الكون المتعدد حيث أُثني على جورج لتفاديه أياها، لكن برأيي الشخص، أعتبرها أكثر النقاط إقناعاً لعامة الناس: نظرية الأكوان الموازية تبدو لي أقرب للغرابة منها إلى الحقيقة.

بالنظر إلى النقاط المضادة للكون المتعدد، فلنقم الأن بتحليل الحالة المؤيدة لوجود الكون المتعدد، وننظر إليها عن كثب. سأقوم بالتكلم عن كيفية أن كل القضايا المثيرة للجدل تضمحل فور تقبلنا لفرضية الواقع الخارجي (External Reality Hypothesis) التي تنص على: وجود واقع مادي خارجي مستقلٌ كامل الأستقلال عننا البشر. أفترض أن هذه الفرضية صحيحة.

حينها، يستند أكثرية النقد حول الكون المتعدد على تركيبةٍ من الأفتراضات المريبة الثلاثة:

  1. أفتراضية الأزدواجية: على الواقع المادي أن يكون بالشكل الذي يُمكّن راصداً واحِداً على الأقل من مراقبته كله بالمبدأ.
  2. الأفتراضية التعليمية: على الواقع المادي (الفيزيائي) أن يكون بالشكل الذي يُشعِر الراصدين البشريين المطلعين علمياُ أنهم يفهمونها بديهياً.
  3. أفتراضية عدم النسخ: لاتوجد عملية فيزيائية قادرة على نسخ الراصدين أو خلق راصدين لايُمكن تمييزهم ذاتياً.

تبدو النقطتين الأولى والثانية مدفوعة بشيءٍ أعلى مستوىً من الغطرسة البشريةِ بقليل. تُعرّف أفتراضية الأزدواجية كلمة “يوجد” على أنها مرادِف لما نستطيع نحن، كبشر، رؤيته، قريبٌ لنعامة تدفن رأسها في الرمال. عامةً، يرفض الذين يصرّون على الأفتراضية التعليمية الأفكار الطفولية المألوفة كـ بابا نوئيل، الواقعية المحلية، جنية الأسنان، والخليقة – لكن نتسائل عمّا إذا عملوا جدياً بما فيه الكفاية كي يحرّروا أنفسهم من المفاهيم المألوفة الأكثر تعمقاً؟  برأيي الشخصي، واجِبنا كعلماء هو محاولة معرفة كيفية عمل العالم، وليس أن نقول لها كيف تعمل أستناداً على مفاهيمنا الفلسفية.

إن كانت أفتراضية الواقع الأزدواجي خاطِئة، إذاً توجد أشياءٌ لا تُرى وبذلك نعيش في كونٍ متعدد.

وإن كانت الأفتراضية التعليمية خاطِئة، فالأعتراض بالقول أن الأكوان المتعددة شديدة الغرابة لا يعطي معنىً منطقياً.

أما إن كانت أفتراضية عدم النسخ خاطِئة، إذاً لايوجد  سبب رئيسي يمنع وجود نُسخٍ منك في أماكِن أخرى من الواقع الخارجي حقاً، تُقدم نظرية الأنتفاخ اللامتناهي وميكانيكا الكم الوحدوية آلياتٍ لخلق هذه النُسخ.

توجد ميول موثوقة جيداً، على غطرستِنا كبشر، حيث نتخيل أنفسنا بكل غرور محور كل شيء، وكل الأشياء تدور حولنا. لكن قد تعلمنا تدريجياً أننا نحنُ من يدور حول الشمس، والتي تدور بدورها حول مجرةٍ واحِدة بين أعدادٍ لاتحصى من المجرات الأخرى. بفضل التقدم الملحوظ في الفيزياء، قد نحصل على رؤىً أعمق عن طبيعة الواقع بنفسه.

إن الثمن الذي يتوجب علينا دفعه هو أن نصبح أكثر تواضعاً – الأمر الذي سيكون في صالحنا على الأرجح، لكن في المقابل قد نجد أنفسنا نقطن في واقِعٍ أكبر من الذي حلِم بِه أسلافنا في أكثر خيالاتهم جموحاً.

عنوان المقال الاصلي: (قضية الاكوان المتعددة) تم التصرف به

المصدر: http://www.scientificamerican.com/article/multiverse-the-case-for-parallel-universe/