إن هذه السلسلة يعتمد كل جزءٍ منها على السابق، لذا ننصح بقراءة الأجزاء السابقة لفهم أعمق، وإلمامٍ أفضل للموضوع:

الجزء الأول

الجزء الثاني

الجزء الثالث

3- إن وجود مجموعة أخرى من الأكوان المختلفة ضروري لوجود كوننا. ( أي أن كل شيءٍ طبيعي)

ختاماً، سوف أناقش إحتمالية أن باستطاعتنا فهم المصادفات الإنسانية بشكل طبيعي. لقد قمت بمناقشة الاحتمالات الأخرى أولاً بعناية، لتوضيح أن بهم أوجه قصور كبيرة للغاية – بل ولا يقدمون لنا سوى أسباباً قليلة، لكي نقبل ونوافق على فرضياتهم. لذا فإنه يُمكنني التوقف هنا مدعياً أن التفسير الطبيعي يفوز بشكل افتراضي. وهذا يُمكن تبريره بعض الشيء في ضوء مبدأ الباراسيموني (نصل أوكام). حيث أن جميع التفسيرات العلمية حتى الآن كانت ولازالت طبيعية، فإن أفضل رهان هو أن المصادفات الإنسانية طبيعية. تفسيرٌ كهذا من المحتمل أنه سوف يتطلب أقل عدد من الفرضيات الخارقة، مثل وجود عالم روحاني (غيبي – غير مادي) سواء داخل أو خارج الكون المادي.

قوانين الطبيعة

إن النموذج القياسي للجسيمات والمجالات الأولية – قد أعطانا ولأول مرة في التاريخ، نظرية تتفق مع جميع التجارب. وأكثر من هذا، فـ في أثناء تطوير النظام القياسي – اكتسب الفيزيائيون أفكاراً هامة جديدة حول طبيعة ما يُسمى قوانين الطبيعة.

قبل هذه التطورات الحديثة، فإن مفهوم الفيزيائيين عن قوانين الطبيعة كان مشابهاً بدرجة كبيرة لمفهوم عامة الناس:  حيث كان يُفترض أنها القواعد لسلوك الطاقة والمادة اللذين يُمثلان جزءاً من الهيكل الأساسي للكون، والتي وضعت أثناء لحظة الخلق. ورغم ذلك، فإنه خلال العقود العديدة الماضية – قد أدركنا بشكل تدريجي أن ما نطلق عليه قوانين الفيزياء، هى في الأساس وصفنا الخاص لتناظرات – تماثلات معينة ملاحظة في الطبيعة، وكيف يحدث في بعض الحالات أن تكسر هذه التناظرات. وكما سنرى، فإن القوانين المحددة التي وجدناها – لا تحتاج إلى كائن (الله) لإحضارها للوجود. في الواقع، إنها بالضبط ما نتوقع أن تكونه، في حالة عدم وجود إله.

وأكثر قوانين الطبيعة قوة، هى مبادئ الحفاظ العظيمة – الحفاظ على الطاقة، كمية الحركة، كمية الحركة الزاوية، الشحنة، والكميات الأخرى المقاسة في التفاعلات الأساسية. وتُطبق هذه المبادئ على أي نظام من الأجسام معزول بما فيه الكفاية عن بيئته. لذا فإن الطاقة الكلية، وكمية الحركة، وكمية الحركة الزاوية، والشحنة ..إلخ للجزيئات في غرفة معزولة ذات حجم محدد، سوف يظل ثابتاً مهما تحركت الجزيئات. تستطيع الجزيئات المفردة تبادل هذه الكميات عند تفاعلها مع بعضها البعض. لذا فإن جزئ ما يُمكن أن يفقد كمية حركة، وطاقة عند اصطدامه بآخر، بينما الجزئ المضروب – المصطَدم به سوف يكتسب نفس الكمية. وقد يحدث أيضاً تفاعل كيميائي حيث يتم تبادل الشحنات بين الجزيئات، بينما يظل العدد الكلي للشحنات ثابتاً.

يتم تمثيل موقع جسم في المكان – الفراغ عادة، باستخدام الإحداثيات مثل خط الطول والعرض، بالإضافة إلى الارتفاع مثل تحديد موقع طائرة في السماء. ولقد مضى قرن حتى الآن، منذ أنْ عرف الفيزيائيين أنه عندما لا يعتمد وصف جسم على إحداثي معين، فلنقل x، فإن كمية الحركة المكافئة لهذا الإحداثي px – ثابتة. وهذا المكون الخاص بكمية الحركة، يُطلق عليه «كمية الحركة المرتبطة – المرافقة لـ x» لا تتغير بتحرك الجسم.

على سبيل المثال، افترض مسبار فضائي بعيد عن الأرض، يتحرك بسرعة ثابتة vx في خط مستقيم، بالنسبة للسفينة الأم التي نقوم نحن بقيادتها. فإذا كان موقع المسبار بالنسبة لعلامة عشوائية، فلنفرض أن هذه العلامة اسمها الكويكب راندي، وليكن x. فإن حركة المسبار سوف تظل كما هى سواء نظرنا إليها عند x = 0 أو من سفينة أخرى عند x = 137,000 كيلومتر. حيث تظل سرعة المسبار vx – وكمية الحركة px (تساوي كتلة المسبار m مضروبة في سرعتة، px = m vx (  ثابتـتـين، بغض النظر عن موقع العلامة (الكويكب راندي – x) بالنسبة للمسبار.

وبالمثل، فإن وصفنا لحركة المسبار لا يحتاج أن يتضمن الوقت الذي تتم مراقبته فيه. طالما استمر بالحركة بسرعة ثابتة، بنفس المقدار والاتجاه – فإن حركته سوف تظل كما هى سواء تم ملاحظته الساعة 6 صباحاً أو الساعة 7 مساءً. لذا فإن عدم الاعتمادية على إحداثي الوقت، يتم التعبير عنه بالحفاظ على الطاقة، حيث تمثل الطاقة «كمية الحركة المترافقة للوقت t». (في علم الحركة المجردة النسبية relativistic kinematics، تمثل الطاقة «الإحداثي المشابه للوقت» لكمية حركة رباعية الأبعاد، حيث يقترن كل عنصر لزمكان رباعي الأبعاد.)

إن حركة المسبار في هذا المثال يُقال أنها تمتلك تناظر زماني، ومكاني انتقاليـيْن. وهذا يعني أن وصفنا لحركته لا يعتمد على أي موقع مميز في الفضاء، أو لحظة خاصة في الوقت. لذا فإنه تحت نفس الظروف، فإن المسبار سوف يتصرف بنفس الطريقة على كوكب في مجرة أندروميدا، يبعد مليون سنة في المستقبل.

يمتلك المسبار أيضاً تناظر دائري، أي يتصرف بنفس الطريقة عند ملاحظته من زوايا مختلفة – حيث تُشير حركته إلى اتجاهات مختلفة. وتتضمن التناظر الدائري – حفاظ على كمية الحركة الزاوية.

والآن اعتبر الكون ككل، فإذا لم يكن هناك تدخل في الكون بواسطة كائن خارجي (الله)، فسوف يتصرف بنفس الطريقة بغض النظر إن وضعناه في مكان خيالي من الزمكان الفائق. فإن من المتوقع أن يمتلك الكون نفس الثلاث تناظرات المُشار إليها بالأعلى. ويتبع هذا أيضاً أن الطاقة، وكمية الحركة، وكمية الحركة الزاوية، أو أي كمية من النوع المترافقة لهذه الإحداثيات سوف يتم الاحتفاظ بها بشكل شامل، وعند كل نقطة في الزمان والمكان.

بتعبير آخر، فإن الحفاظ الشامل «القوانين» هو بالضبط ما يُتوقع بالنسبة لكونٍ منعزل بدون أي تدخل خارجي. لذا فإن أي انتهاك لهذه القوانين هو ما يضمن وجود كائن خارجي. حتى الآن، تخبرنا البيانات أنه لا وجود لكائن خارجي (الله).

تنبع قوانين الحفاظ الشامل مما ندعوه التناظر الشامل، مثل التناظر الزمني الانتقالي، التناظر المكاني الانتقالي. وكما قلت مسبقاً، فإن هذه المعلومات كانت معروفة منذ مائة عام مضت، لكن لم تُحقق أقصى استفادة منها. وفي هذا القرن، ومع تطوير ميكانيكا الكم، فإن نفس الارتباط بين التناظر وقوانين الحفاظ لايزال موجود، بل وبشكل أكثر عمقاً.

وفي السنين الأخيرة، تم إدراك أهمية التناظرات المكسورة. ولقد استخدمنا هذه التناظرات المكسورة مع فهمنا للتناظرات الشاملة غير المكسورة لإنتاج مخطط متماسك، حيث يبدو فيه كل شيءٍ مناسباً – وفي مكانـه الصحيح.

إن التناظر المكسور شائع للغاية على مستوى الحياة اليومية. فـلا تسير جميع السيارات في خط مستقيم بسرعة ثابتة. فإن السيارات تتوقف عن الحركة عندما يتوقف المحرك، حيث يتم فقدان الطاقة نتيجة للاحتكاك. كما أن الهياكل والبنى المادية التى نراها حولنا ليست متناظرة كلياً. فإن الأرض ليست كروية بالكامل، بل كروية مفلطحة. تبدو الأشجار مختلفة إذا نظرنا إليها من زوايا مختلفة. كما أن وجوهنا أيضاً تبدو مختلفة في المرآة. فإن تناظر المرآة يتم كسره إذا كان الجسم غير مماثل بدقة لصورته في المرآة يساراً ويميناً – مثل وجوهنا. هذا ليس مفاجئاً، وبالتأكيد فإنه يُمكننا النظر إلى الهياكل والبنى المادية على أنها مزيج – خليط من التناظرات المكسورة وغير المكسورة، من الترتب والعشوائية.

وقد جاء الإلهام للفيزيائيين في عام 1950، عندما تم ملاحظة أن القليل من التفاعلات الجسيمية النووية الأساسية النادرة ليست ذات تناظر مماثل (غير مكسور). وقد كان هذا الاكتشاف بمثابة إيقاظ لاحتمالات كسر التناظر على المستوى الأساسي – الأولي في مواقف أخرى. في العديد من الحالات، لم يكن هذا سوى إعادة تعبير عن الحقائق القديمة ولكن بلغة جديدة. فعلى سبيل المثال، فإنه يُمكن كسر تناظر معين، مثل الحفاظ على كمية الحركة بشكل موضعي بدون تدمير التناظر المكاني الانتقالي الشامل للكون. وعندما يتكسر الحفظ على كمية الحركة بشكل موضعي، كما في حالة جسم ساقط، فإنه يُقال أن لدينا قوة فعل – فاعلة. وبالفعل، فإن قانون نيوتن الثاني للحركة – يُخبرنا بأن القوة تُساوي معدل الوقت مضروباً في التغير في كمية الحركة. في هذه الحالة، لا يتم كسر الحفاظ الشامل على الطاقة، حيث تمتلك الأجسام المتفاعلة في نظام معزول رد فعل متساوي في نفس وعكس الاتجاه – طبقاً للقانون الثالث لنيوتن.

وهكذا، فقد أدركنا أن الجاذبية بالإضافة إلى قوانين الطبيعة الأخرى، ما هم إلا تناظرات محلية – موضعية مكسورة. وقد بُني النموذج القياسي في إطار التناظر الموضعي المكسور.

يُمكن تشبيه كسر التمائل بقلم رصاص متوازن عمودياً على نهايته الاستيكية. يمتلك هذا الموقف تناظر دائري بشأن محوره العمودي، ولهذا فإنه يبدو متماثلاً- مشابهاً من أي زاوية تنظر إليه من خلالها كلما تحركت حوله. ومع ذلك، فإن التوازن غير ثابت. فبدون أي مساعدة خارجية سوى نفحة هواء لينة – عشوائية، فإن القلم الرصاص سوف يسقط في النهاية. والاتجاه الذي سيشير إليه عشوائي – أي لا يُمكن توقعه، غير مصمم – أياً كان فإن التماثل سُيكسر، وسينبثق آخر، في اتجاه معين.

في البدء

لمدة عقدين من الآن، فإن نموذج الانفجار العظيم التضخمي كان ولا يزال النموذج القياسي في علم الكونيات. ولا نزال نسمع من مصادر غير موثوقة في وسائل الإعلام، أن الانفجار العظيم في ورطة، وأن النموذج التضخمي قد مات. في الواقع،  فإنه لم يتم – حتى الآن – طرح أي بديل صالح، يمتلك نفس القوة التفسيرية مثل تلك التي يمتلكها نموذج الانفجار العظيم التضخمي.

يُقدم نموذج الانفجار العظيم التضخمي سيناريو معقول وطبيعي ليس فقط للنشأة «الغير مُسببة» للكون، بل وتطوره أيضاً متضمناً هيكله – بناءه وترتبـه بدون أي انتهاك لقوانين الفيزياء. وكما رأينا بالأعلى – فإن هذه القوانين الآن مفهومة على نحو أعمق من ذي قبل، ولقد بدأنا بفهم الطريقة التي من الممكن أن تأتي بها هذه القوانين بصورة طبيعية للوجود. وبرغم أنه هذا السيناريو الطبيعي لنشأة الكون لم يرقَ حتى الآن إلى المرتبة الرفيعة للنظرية العلمية، فإنه متوافق مع جميع المعرفة الحالية ولا يُمكن استبعاده. وكنتيجة لهذا، فإنه يُوضح أنه لا يوجد أي أساس منطقي لإضافة فرضية الخلق الفوق طبيعي (الخلق الإلهي). فإن مثل هذه الفرضية – غير مطلوبة طبقاً للبيانات التي نمتلكها.

وفقاً لهذا السيناريو فإنه بواسطة تموجات كمية عشوائية – عبَرَ الكون كمياً من الفراغ المحض (الاشيء) (Pure vacuum)، إلى ما يُدعى الفراغ الزائف – الكاذب، الذي عبارة عن أي منطقة في الفضاء خالية من المادة أو الإشعاع ولكنها ليست (لاشيء) تماماً. ولقد انحنى أو تشوه الفضاء داخل هذه الفقاعة من الفراغ الزائف. ولقد تم اختزان واحتواء جزء صغير من الطاقة في هذا الانحناء، مثل اختزان الطاقة في قوس مشدود. وهذا الانتهاك الظاهري لمبدأ الحفاظ على الطاقة مسموح به طبقاً لمبدأ عدم اليقين لهايزنبرج – وذلك عند الفترات الزمنية الصغيرة بشكل كافي.

ثم تضخمت الفقاعة أضعافاً مضاعفة، وازدادت كبراً بقيم أُسية عديدة، وذلك في جزء بالغ الصغر من الثانية. وبتمدد الفقاعة، تحولت طاقتها المختزنة في الانحناء إلى مادة وإشعاع، ثم توقف التضخم – وبدأ التمدد الخطي المستقيم الذي نختبره الآن. و ببرود الكون، تجمد – تماسك هيكله تلقائياً، كما يتجمد بخار الماء الذي لا شكل له، إلى رقائق الثلج ذات الأنماط الفريدة الناتجة من مزيج من التماثل والعشوائية.

ولقد بدأ تشكل وتجمع المجرات – في كوننا – بعد مليار سنة، متطورة في النهاية هذه المجرات إلى أنظمة مستقرة كفاية لنشوء النجوم وتصنيع العناصر الكيميائية المعقدة، مثل عنصر الكربون المهم لتشكيل الحياة.

لذا، فكيف حدث وأصبح كوننا «محكم الدقة» لهذه الدرجة لإنتاج هذه البنى والتراكيب الرائعة – والمغرورة؟ كما فسرتُ مسبقاً، لا نمتلك أي سبب لافتراض أننا الحياة الممكنة الوحيدة، ومن المحتمل أن حياة من نوع ما كانت من الممكن أن تحدث أياً كان الشكل الذي اتخذه الكون – والذي حدث وأن ترتبت فيه بللورات (كريستالات) قطعة الثلج صدفةً.

عند نقطة ما، وطبقاً لهذا السيناريو – فقد حدث وأن بدأت تماثلات اللاشيء بالانكسار بشكل تلقائي (أي دون الحاجة إلى طاقة). كانت الجسميات والقوى الحالية المتضمنة في النموذج القياسي للجسيمات الأساسية – من ضمن آخر من انكسروا، وذلك عندما كان الكون بعمر 10-12 ثانية وأكثر برودة عما كان عليه. وقد تم فحص الطاقات والمسافات المتضمَنة عند هذه النقطة بواسطة معجلات تصادم الأشعة، والتي تمثل أبعد نقطة استكشفناها بالتفصيل، ووصلت إليها فيزياء الانفجار العظيم. وسوف يكون من الضروري بناء مصادمات الطاقة العالية للوصول إلى ما هو أبعد – بحيث نرصد ونفحص أولى اللحظات حيث يحدث كسر للتناظر. ومع ذلك، قد يُدهش القارئ أن يعرف أن المبادئ الفيزيائية التي ظلت قائمة منذ تريليون جزء من الثانية من بدء الكون وحتى يومنا هذا – مفهومة بشكل جيد للغاية.

بعمر 10-6 ثانية، فإن الكون المبكر قد مر خلال جميع التماثلات المكسورة الممكنة لإنتاج القوانين والثوابت الأساسية، والتي لانزال نلاحظها اليوم بعد 13-15 مليار سنة. ولقد احتاجت الأنوية والذرات المزيد من الوقت لتنظيم أنفسهم، ولكن بعد 300 ألف سنة – كانت الذرات الأخف قد تجمعت وتوقفت عن التفاعل مع الفوتونات والتي أصبحت بعد ذلك إشعاع الخلفية الكونية الميكروي. ولقد بدأت أولى المجرات في التجمع بعد مليار سنة، متطورة في النهاية إلى أنظمة مستقرة حيث يُمكن للنجوم العيش، وإنتاج العناصر الثقيلة مثل الكربون اللازمة لتشكيل الحياة.

بغض النظر عن حقيقة أننا لا نستطيع استكشاف أصل الكون بأي وسيلة مباشرة، فإن النجاح المؤكد لنظرية التماثل المكسور كما هو ظاهر من النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات – يمدنا بآلية يُمكن تطبيقها، على الأقل على نطاق واسع، لإعطائنا تفسير طبيعي لتطور القوانين الفيزيائية داخل كوننا، بدون الحاجة إلى استدعاء مُشرِع لإنشاء هذه القوانين من الخارج.

ولقد رأينا أن قوانين الحفاظ تتناسب وتتوافق مع التناظر الشامل، والذي سيكون موجود بشكل تلقائي في حالة غياب أي كائن خارجي (الله). وأن الفوضى الشاملة التي كانت حالة الكون في أولى لحظاته المحددة – امتلكت تناظر مكاني، زماني، ودائري انتقالي بالإضافة إلى جميع التناظرات الأخرى التي تنتج من نظام لا يعتمد على أي من الإحداثيات المتناسبة والمناظرة. لذا – فإنه لاشيء أكثر تناظراً من اللاشيء. ولاشيء يمتلك قوانين حفاظ أكثر من اللاشيء. وبالتعبير عن هذه المعلومات بسياق علمي، فإن الفوضى الشاملة والتناظر التام لا يقابلان أي معلومات (zero information)، بينما إن كان هناك أي تصرف أو فعل بواسطة كائن خارجي – فسينتج لدينا (non-zero information)، بالإضافة إلى بعض التناظرات المكسورة. ولكن لا نمتلك أي دليل على هذا الإدعاء – ولهذا فلسنا في حاجة إلى إضافة فرضية غير اقتصادية لوجود خالق.

تُمثل قوانين القوة كما تُوجد في النموذج القياسي كـ تماثلات منكسرة بشكل تلقائي، بمعنى كُسرت بشكل عشوائي بدون أي سبب أو تصميم. فعندما يسقط القلم الرصاص، فإن الاتجاه الذي يُشير إليه يكسر التناظر الأصلي – وذلك باختيار محور معين. وفي مثال أكثر ملاءمة ووضوحاً، تأمل وفكر فيما يحدث لمغناطيس حديدي عندما يبرد تحت درجة حرارة معينة – حرجة، يُطلق عليها درجة حرارة كوري. يخضع الحديد لتغير في حالته، ويظهر مجال مغناطيسي فجأة مُشيراً لاتجاه عشوائي معين من خلال كسر التناظر الأصلي الذي لم يُشر إلى أي اتجاه سابقاً، وهذا الاتجاه العشوائي غير قابل للتنبؤ بأي نظرية معروفة.

إن قوانين الطبيعة مماثلة للمجال المغناطيسي للمغناطيس الحديدي. «فالاتجاه» الذي يُشير إليه كليهما بعد كسر التماثل، لم يحدد بشكل مسبق. وكذلك فإن القوى لم تحدد طبيعتها سلفاً. كل ما في الأمر، أنهم تجمدوا على هذه الشاكلة. وكما أن لا يُوجد كائن خارجي يُتضمن بواسطة التناظر الشامل – فإنه أيضاً لا يُوجد كائن خارجي يُتضمن بواسطة التناظر المنكسر.

ربما يُجادل المؤمنين الآن، أنني افترض غياب المسبب الإلهي، محاولاً عدم إثباته. أنا لا أدعي عدم وجود مثل هذا السبب. بدلاً من ذلك، أنا فقط أقوم بتوضيح، أنه طبقاً للمعرفة العلمية الحالية – فإنه هذا السبب (الله) غير ضروري.

في سيناريو طبيعي، قمت بتوضيح أن ثوابت الطبيعة محل التساؤل ليست الوحيدة التي بإمكانها الحدوث. فإن نطاق واسع من القيم بإمكانه الحدوث – شأنها شأن جميع القوانين الممكنة التي من الممكن أن تنتج من كسر التناظر. كما أن الثوابت والقوى التي لدينا قد تم اختيارها صدفةً – كسقوط القلم الرصاص – عندما أصبح الكون المتمدد بارداً، متيحاً أيضاً للهياكل والبنى على المستوى الأساسي بالتجمد والثبوت. فكما لم تُوجد قوانين القوى قبل كسر التناظر، فإن الثوابت هى أيضاً لم تكن موجودة. وقد أتت الثوابت مع القوى. تظهر الجسيمات في المخطط النظري الحالي مع القوى، كحاملات لكميات مثل الكتلة، الشحنة، وبالطبع القوى نفسها. فقد أتاحوا معاً الوسيلة للتناظرات المكسورة لتجسيد وإظهار بينتها.   

سوف نستكمل في الجزء التالي نقاش التفسير الطبيعي للثوابت الكونية (التفسير الثالث للمبدأ الإنساني القوي) –  ما هى الأكوان المتعددة؟ هل هى فرضية إضافية تخالف مبدأ الباراسيموني؟ هل يعمل الانتخاب الطبيعي على مستوى الِأكوان أيضاً؟ ما هى فرضية الأكوان الرياضية؟

المصدر

Victor J. Stenger, “The Skeptical Intelligencer”, 3(3, July 1999): pp. 2-17