الفيزياء: ببساطة شديدة هي دراسة الطبيعة،  وأصل كلمة فيزياء هو إغريقي “φύσις” وتلفظ “فيزيس” وتعني  الطبيعة.

كما يتم تعريف الفيزياء في بعض المراجع أنها العلم الذي يهتم باستخدام مجموعة من الأدوات التي تُساعد في إبتكار تفسيرات للظواهر الموجودة في الطبيعة من خلال تقديم مجموعة من المعلومات التي توضح العديد من الخصائص الفيزيائية لهذه الظواهر.

للفيزياء فروع شتى، وتطبيقات كثيرة، كما أن تم تقسيمها إلى فيزياء كلاسيكية، وفيزياء حديثة.

والآن لتربطوا أحزمة الأمان، ولِتطلقوا العَنانَ لمُخيلتكم، سنأخُذُكم في جولة مُمتعة حول تاريخ الفيزياء عروس العلوم.

تَدُل أقدم الوثائق التاريخية عن الفيزياء أنها تعود إلى عهد الفراعنة، حيث أنها منقُوشة على أغطية التوابيت، وجُدران المعابد، وأسقُف القبور؛ إذ اهتم الفلكيون المصريون بمُتابعة الظواهر الكونية، وربطها بمجموعة من دراسات عِلم الفيزياء، كما أسس الفلكيون الفراعنة التقويم المصري، وهو التقويم المُعتَمَد عالمياً مُنذُ عام ألفين وخمسمائة قبل الميلاد حتى يومنا هذا. والجديرُ بالذكرِ أن البابليين قد ساهموا في تطوير علم الفيزياء، فقد اهتموا بالضبط الدقيق للظواهر الفيزيائية، وبخاصةٍ الظهور الأول للهلال باستخدامهم دائرة الأبراج كمرجع، وقد تمكنوا في حوالي القرن 4 قبل الميلاد من تطوير طريقة حسابية مُعقدة مَكنتهُم من التنبؤ بالظهور الأول، أيضاً قد صاغوا مجموعة مُعادلات فيزيائية تُساعد في دراسة تعاقُب فصول السنة، كما قدموا العديد من المراجع في علم الفيزياء، والتي وفرت معلومات عديدة استفادت منها الشعوب الاُخرى في دراسة الفيزياء، خصوصاً اليونانيين الذين طوّروا الفيزياء بعد البابليين، واستعانوا أيضاً بوثائق المصريين في الفيزياء.

طاليس الملطي

طاليس الملطي

بدأت حركة الفهم العقلاني للطبيعة في اليونان مع فلاسفة ما قبل سُقراط، وقد توصل الفلاسفة الإغريق إلى استنباط نظريات أولية لتفسير الظواهر الطبيعية عن طريق إتباع منهج منطقي استدلالي بحت، وهو فلسفة الطّبيعية، وكثيرةُ هي الأمثلةُ على ذلك بدايةً من القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، حيثُ:

الفيلسوف “طاليس الملطي” رفض تصديق العديد من التفسيرات الخارقة للطبيعة، والتفسيرات الدينية والأسطورية للظواهر الطبيعية، مُعلناً أن كل ما يحدث في الطبيعة له تفسير علمي، كما أنه أول مَنْ قال أن الماء هو العنصر الأساسي ومصدر الحياة، كما أجرى اختبارات بسيطة على التجاذب والتنافر المغناطيسي.

الفيلسوف “أناكسيماندر” الشهير بنظرية التطور بروتو، على عكس نظرية طاليس التي تقول أن الماء هو أصل الأشياء، فقد اعتقد أناكسيماندر أن مادةً أسماها أبيرون هي أصل الأشياء.

اقترح الفيلسوف “هيراكليتس” أن القانون الأساسي الوحيد الذي يحكم الكون هو مبدأ التغيير، وأنه لا يوجد شيء يبقى على حاله للأبد. والجديرُ بالذكر أن هذه المُلاحظة جعلته واحداً من أوائل علماء الفيزياء القديمة المُهتمين بدورِ الزمن في الكون.

عارض الفيزيائي والفيلسوف “ليوكيبوس” فكرة التدخُل الإلهي المُباشر في أمور الكون، مُعللاً أن لكل ظاهرة طبيعية سبب علمي لم يتم اكتشافه بَعد.

ويُعتًبر “ليوكيبوس” وتلميذُه “ديموقريطوس” هُم أوائل من وضعوا نظرية الذرّة، حيث قالوا أن كل المواد تتكون من جزئيات بسيطة غير قابلة للتجزئة تُسمى الذرات.

ثُم شَهِدت فلسفة الطبيعة تطورات خلال الفترة الكلاسيكية لليونان، إلى أن أصبحت مجالاً مُثيراً للدراسة، حيثُ:

طوّرَ الفيلسوف الكبير “أرسطو” -تلميذ الفيلسوف “أفلاطون”-، طريقةً لاكتشاف القوانين الطبيعية عن طريق رصد ومُتابعة الظواهر الفيزيائية، كما حاول أرسطو شرح الحركة، والجاذبية، كما ذَكَر نظرية العناصر الأربعة (الأرض، الماء، الهواء والنار)، حيثُ آمَن أرسطو أن جميع المواد تتكون من الأثير، أو مزيج من العناصر الأربعة، أيضاً هذه العناصر الأربعة قادرة على التشَكُل لتكوين جميع المواد الموجودة في الطبيعة. أصبحت فيزياء أرسطو ذات شعبية هائلة لقرون عديدة في أوروبا، وقد أصبحت منهجاً لمَنْ بعده، وظَلت هي النموذج الأمثل حتى وقت “غاليليو غاليلي” و”إسحاق نيوتن”.

حدد الفيلسوف “إراتوستينس” بدقة مُحيط الكرة الأرضية -نتيجة لتجارب سيمينال-. وهو بذلك كان يُثبتُ كروية الأرض، خلافاً لاعتقاد أرسطو بأن الأرض هي مركز الكون.

أرشميدس

أرشميدس

لكن “أرسطوقوس الساموزي” كان أوَّل مَنْ قدم نظرية تقول أن الشمس هي مركز الكون، كما أنه استنتج أن بُعد الشمس عن الأرض أكبر بعدة مرات من بُعدها عن القمر، وبسبب أنهما يبدوان بنفس الحجم للأرض فإن الشمس أكبر بكثير من الأرض والقمر، ومن المعقول أكثر أن يدور الجسم الصغير حول الكبير أي أن الأرض هي التي تدور حول الشمس.

ثُم جاء الرياضياتي الشهير “أرشميدس” -الذي يُعتبَر من أشهر علماء الرياضة في العصر القديم-، ليكون من أوائل الذين وضعوا قوانين سريان الموائع وقانون الطفو، كما وضع نُظُم مُتطورة للبكرات لنقل الأجسام كبيرة الحجم بأقل مجهود، كما ساعد أرشميدس في تكوين الهندسة المائية الحديثة، كما اخترع العديد من الآلات، وقَدَّم نموذج البلانتيوم وهو نموذج يُبين حركة الشمس والكواكب والقمر والأجرام السماوية الاُخرى. والمُلفِت للانتباه أن أرشميدس رفض حُجج وآراء أرسطو، مُشيراً إلى أنه من المُستحيل فَصلُ الرياضيات عن الطبيعة، وأثبت ذلك عن طريق تحويل النظريات الرياضية إلى إختراعات عملية.

إستطاع “هيبارخوس” باستخدام الرياضيات وعلم الفلك إستنتاج تقنيات هندسية متطورة لتعيين حركة النجوم والكواكب، كما تمكن من دراسة الاعتدالين، وتقسيم النجوم في مراتب حسب لمعانها الظاهري، بل وتحديد الوقت الذي سيحدث فيه الكسوف، كما حاول تحديد المسافة بين الشمس والأرض، و بين القمر والأرض إعتماداً على المُلاحظة والأدوات البسيطة.

أما “بطليموس” فقد كان من العقول الرائدة في زمن الإمبراطورية الرومانية. فقد امتلك العديد من الأطروحات العلمية، ثلاثة منها على الأقل استُخدمَت في فترة العصر الإسلامي والنهضة الأوروبية.

ثُم نشأت النظريات حول بنية الكون، إشتهر فيها اتجاهان هُما: “زينو” الذي تبني استمرارية تكوين الكون، و”بوسيدونيوس” الذي اقترح فكرة استمرارية المادة والمكان، وأنهما مُغرقين ضمن وسط فعّال كالهواء، ووَصَف ذلك أنه الذي يعطي الطبيعة وحدتها.

ويُنسَبُ للفيثاغورثيين وَضعُ الأرض في مركز الكون، ولكنهم تصوروا أنها على شكل كرة تتحرك على محيط دائرة صغيرة مرة كل 24 ساعة، وبذلك فسروا دوران السماء الظاهري اليومي مع نجومها.

أيضاً قد ساهم كُلٌ من (إقليدس، ديموقراطيس، بطليموس، وأرشميدس) في تقدم علم البصريات والضوء.

وكان للإغريقِ بوجهٍ عام مُساهمات محدودة جداً في الكهرباء والمغناطيسية، ولكن مساهماتهم في مجال الصوت كانت لا بأس بها حيثُ تُجسد إهتمام الإغريقيين بالصوت من خلال دراستهم للموسيقى، فهي بطبيعة الحال تُمثل الجانب التجريبي لعلم الصوت. يُعَد “فيثاغورث” و”ارستوكسينوس” من أوائل الإغريق في الصوتيات، فقد ابتكروا البداية الرئيسية للسلم الموسيقي، كما أن الفيثاغورثيين اكتشفوا أن تناغم الأصوات الموسيقية يتعلق بمدى إنتظام المجالات الفاصلة بين طبقات الأصوات المُتناغمة، وأيضاً عَمموا الفكرة إلى درجة أنهم افترضوا وجود تناغم كوني فسروا به حركات الكواكب الظاهرية التي قارنوها مع علامات موسيقية ذات طبقات مختلفة.

والجديرُ بالذكر أن وجود الفيزياء والرياضيات لم يقتصر في العالم القديم على اليونان فقط، فقد تواجدت العديد منهم في الصين والهند، فكان الفيلسوف الهندي “كانادا مهاريشي” أول من وضع نظرية عن الذرّة، كما طَرحت “كاككايانا باكودها” أفكاراً حول التكوين الذري في المواد. كان هؤلاء الفلاسفة يعتقدون أن العناصر -ماعدا الأثير-، تتكون من جُزيئات ضئيلة جداً -لا يمكن تقسيمها- تُسمي بارمانو، وأن هذه الجُزيئات لا يُمكن أن تُرىَ بالعين المجردة. من ناحية أخرى، اقترح عالم الفلك الهندي “أريابهاتا” أن الأرض تدور وليست ثابتة.

كما يرجع تاريخ دراسة المغناطيسية في الصين القديمة إلى القرن الرابع قبل الميلاد، حيثُ كان المُساهِم الرئيسي في هذا المجال هو “شين كيو” الذي يُعتبَر أول مَنْ قام بوصف حركة إبرة البوصلة المغناطيسية، فضلاً عن إرساء مفهوم الشمال الحقيقي. أما في مجال البصريات فقد طوَّر الكاميرا المظلمة.

الفيزياء في الحضارة الإسلامية

الحسن بن الهيثم

الحسن بن الهيثم

ولعلماء المسلمين دورٌ لا يُمكن إنكارُه في الحفاظ على استمرارية عطاء علم الفيزياء، حيثُ شَهِد العالم الإسلامي تقدماً علمياً كبيراً، فقام بترجمة العديد من الأعمال اللاتينية واليونانية إلى اللغة العربية، كما أضافوا وصححوا ونقحوا.

ومن أشهر العُلماء في تلك الحقبة:

ابن سينا له العديد من المُساهمات الهامة في الفيزياء والفلسفة بشكل عام والبصريات بشكل خاص.

ابن الهيثم أحد أهم مؤسسي علم البصريات الحديث. فقد اعتبر كُلاً من بطليموس وأرسطو أن الضوء يسقط من العين على الأجسام فنراها، أما ابن الهيثم فقال أن الضوء يقع على الأجسام ثُم ينتقل إلى العين. وإليه تُنسب مبادئ إبتكار الكاميرا، وهو أول مَنْ شرَّح العين تشريحاً كاملاً، ووضح وظائف أعضائها، وهو أول مَنْ درس التأثيرات والعوامل النفسية للإبصار، كما وضع مُعادلة من الدرجة الرابعة حول إنعكاس الضوء على المرايا الكروية، ما زالت تُعرَف بإسم (مسألة ابن الهيثم)، كما كانت له اُطروحة شهيرة في الضوء، احتوت تلك على تحقيقات حول خصائص الإنارة والإشعاعية المُشتتة خلال الأوساط الشفافة المُختلفة، ودَرَس خصائص قوس قُزح وكثافة الغُلاف الجوي ووهم القمر، كما كان له اُطروحة بعنوان في درب التبانة حل فيها المسائل المُتعلقة بالمجرة وتزيح درب التبانة، وفي مخطوطة مراتب السماء تصور فيها نموذجاً للكواكب مُشابه لنموذج “تيخو براهي”، كما إكتشف رُباعي أضلاع لامبرت، أو رُباعي أضلاع ابن الهيثم-لامبرت.

وعمر الخيام الذي قام بحساب طول السنة الشمسية بدقة مُتناهية، فهي تختلف عن طولها الحالي بثواني قليلة، وأول من اخترع طريقة حساب المثلثات والمُعادلات الجبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع المخروط.

ونصير الدين الطوسي مؤلف موسوعة علم الفلك، وهو جدول دقيق عن حركة الكويكبات وصاحب مزدوجة الطوسي.

ومحمد بن موسى الخوارزمي عالم الرياضيات والفلك الشهير.

الفيزياء في عصر النهضة

خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادي، حدثت نهضة كبيرة في أوروبا سُميت بالثورة العلمية. كانت نتيجة عدم الرضا بالنهج الفلسفي الأكبر، الذي كان قد بدأ في وقت سابق، فظهرت مُحاولات إصلاح للمناهج التعليمية، وإضافة الوصف الرياضي في المجالات مثل: الميكانيكا وعلم الفلك والبدء عن البحث عن تفسير علمي لكل ما يحدث.

جاليليو جاليلي

جاليليو جاليلي

ظهرت طَفرة كبيرة في مجال الفلك حيثُ قدم الفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكوس نموذجاً جديداً للنظام الشمسي، وأعطى تخطيطاً دقيقاً لحركة الكواكب، ففي هذا النموذج تدور الأرض حول الشمس وليس العكس كما كان مُتوَقَع في ذلك الوقت، وما كان يعتقد علماء الفلك في مصر القديمة واليونان، ويُعتبر هذا النموذج في حد ذاته ثورة على ما اُخِذَ كأمرٍ مُسَلم به لأكثر من أربعة عشر قرناً.

وقد أتاح النموذج الدقيق الذي قدمُه كوبرنيكوس للفلكي الألماني “يوهانس كبلر” أن يصوغ معادلاته عن حركة الكواكب والتي مازالت تُستَخدَم حتى الآن.

ثُم تأتي البدايةُ الحق للفيزياء الكلاسيكية التي فسرت الطبيعة بشكل كبير، فهي مجموعة نظريات تُفسر المُشاهدات اليومية التى تُلاحَظ بالعين المُجرَدة.

وعند ذِكر العِلم الحديث لابُد من ذِكر الأب الروحي للعلوم الحديثة، وعلم الفلك جاليليو جاليلي، يُعتَبَرعالِم الرياضيات والفلكي والفيزيائي الإيطالي “جاليليو جاليلي” أحد أهم أعمدة الثورة العلمية، ومن أشهر الداعمين بنظرية كوبرنيكويس، وقد سَاهمت تجاربُة العلمية في تطوير التلسكوب، وحاول جاليليو إدخال الفكر الفلسفي في مختلف المواضيع -خصوصاً التحليل الرياضي للأرصاد الفلكية كالشمس، الأرض، القمر والكواكب- مؤكداً أن الفلسفة يُمكنها تحديد أيُ الأفكار صحيحة وأيها خاطئة، وله إنجازات عظيمة في وصف الحركة -سواء كانت طبيعية أو مصطنعة – بمُعادلات رياضية، واخترع المُتوازن الهيدروستاتيكي، وقدم اُطروحة عن مراكز الثقل للاجسام الصلبة، غير أنه وجد أن سرعة سقوط الأجسام لا تتناسب مع أوزانها. ولِجاليليو إسهامات كبيرة في تطور علم الفلك مثل: تأكيده -باستخدام التلسكوب- مراحل ظهور كوكب الزهرة، وإكتشافُه لأكبر أربع أقمار للمُشترى. كما اخترع البوصلة العسكرية، كما إكتشف أقمار جوفان.

“رينيه ديكارت” العالِمُ الفيلسوف الذي له إسهامات عظيمة في الفلسفة والفيزياء، افترض ديكارت وجود أنواع مختلفة من الحركة، مثل حركة الكواكب وحركة الأرض، ووصف الحركة في الرياضة الديكارتية حيثُ يتم تعريفها بالفعل الفيزيائي، فبدأ استخدام المُتجهات في وصف الحركة، وهو صاحُب الفضل في ظهور الهندسة التحليلية، التي تُعتبَر جسراً مهماً يربط بين الجبر والهندسة، والتي لها فضل كبير في اكتشاف علم التفاضل والتكامل.

يبقى لنا فصلٌ وحيد في الفيزياء الكلاسيكية ويتضمن أهم عباقرة التاريخ الكلاسيكي للفيزياء، بدايةً من أواخر القرن السابع عشر وبدايات القرن الثامن عشر.

السير “إسحاق نيوتن” عالِم الرياضيات الفيزياء، ويُعتبَر العالِم الأعظم والأكبر تأثيراً على مر العصور،  استخدم الميكانيكا لدراسة علم الفلك ليكوّن نظاماً واحداً يشرح فيه كيفية عمل الكون، فصاغ قوانينه الثلاثة الشهيرة عن الحركة التي تربط القوة المُؤثرة على الجسم بحركته، وقانون الجاذبية الذي لا يقتصر إستخدامه على شرح سلوك سقوط الأجسام فقط، ولكن يُمكن استخدامه أيضاً في فهم سلوك الكواكب والأجرام السماوية الاُخرى. قام نيوتن بإنشاء فرع جديد من فروع الرياضة وهو فرع التفاضل والتكامل -، في الوقت الذي كان يعمل “غوتفريد لايبنتز” على إنشاء هذا الفرع-، والذي أصبح أداة لا غنى عنه في العديد من الإكتشافات المُتعلقة بالفيزياء، ويُعَد كتاب الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية من أهم أعمال نيوتن، في حين كان ثاني أهم إنجازات نيوتن العظيمة تجاربه في الضوء، والنظرية الجُسيمية التي كونها عن الضوء. كما ابتكر نيوتن أول مِقرَاب عاكس، وصاغ قانون عملي للتبريد، ودَرَس سرعة الصوت، كما يُشادُ له بمساهمته في دراسة مُتتابعات القوى، ونظرية ذات الحدين، ووضع طريقة نيوتن لتقريب جذور الدوال.

مايكل فاراداي

مايكل فاراداي

“وليم جلبرت” فيزيائي نشر كتاباً مُهماً عن المغناطيسية، ووصف فيه كيف أن الأرض نفسها عبارة عن مغناطيس هائل.

“روبرت بويل” فيزيائي وكيميائي دَرَس سلوك الغازات في الأنظمة المُغلقة، وصاغ قانونه الشهير عن تأثير الضغط والحجم على الغازات.

ثُم نشأ علم الديناميكا الحرارية على يد عُلماء مثل: “أوتو فون غيركه”، “بويل”، “رودولف كلاوسيوس”، “ويليام رانكين”، “ويليام طومسون”، و”سادي كارنوت”.

ثُم جاء عُلماءٌ عُظماء طوَّروا كثيراً في الفيزياء بشتى فروعها، وفي الرياضيات التي خدمت الفيزياء فيما بعد مثل: “دانيال برنولي”، “بروك تايلور “، “جوهان بابتيست هورفاث”، “إدموند هالي “، “هنري كافنديش”، “ليونارد أويلر”، “كولين ماكلورين “، و “بنجامين روبينز “.

لدينا أيضاً “مايكل فاراداي” العالِم الفيزيائي الذي نجح في بناء المُحرك الكهربائي، كما اكتشف ظاهرة الحث، ووضع قانوناً لها بإسمه.

“شارل أوغستان دي كولوم” الذي صاغ قانون التربيع العكسي للكهرباء الساكنة، واقترح “جوزيف بريستلي” قانون التربيع العكسي الكهربائي، بينما صاغ “جورج أوم” قانونه عن المقاومة الكهربية، موضحاً العلاقة بين الجُهد الكهربي والتيار، والمقاومة.

“جيمس كلارك ماكسويل” صاحب المُعادلات الشهيرة للضوء، حيثُ استطاع توحيد القوى الكهربية مع القوى المغناطيسية في نظريته الشهير (الكهرومغناطيسية)، ويحتل المركز الثالث من حيث التأثير في العلم الحديث، والشهرة بعد نيوتن وأينشتاين.

أثبت “توماس يونج” وجود الطبيعة الموجية للضوء.

نشر “بيتر ايوارت” ورقة بحثية عن مبدأ بقاء الطاقة،  وجد “هانز كريستيان أورستد” أنه عند مرور تيار كهربي في موصل يتسبب هذا التيار في تكوين مجال مغناطيسي حوله، وفي غضون أسبوع من وصول نبأ إكتشاف أورستد إلى فرنسا، إكتشف “أندريه ماري أمبير” أن عند مرور تيارين كهربيين مُتعاكسين فإن كل منهما سيؤثر على الآخر.

وقد صاغ “غاسبارد غوستاف كوريوليس” مُصلطح الشغل -القوة * المسافة- ومصطلح طاقة الحركة بالمعنى المتداول حالياً.

وكثيرُ غير هؤلاء العُلماء قد ساعدوا في إيصال الرسالة الفيزيائية بسلام إلى القرن العشرين حيثُ التعقيد والبساطة والاندهاش.

في البداية “نيكولا تيسلا” الذي اخترع القرن العشرين، صاحب التيار المُتردد، مُبتكر المُحرك الحثي، صاحب العديد من الإختراعات والإسهامات التي أفادت، وما تزال تُفيد البشرية جمعاء.

“جوزيف جون طومسون” الذي اكتشف الإلكترون.

“ماري سكوودوفسكا كوري” اكتشفت مع “بيير كوري”، عناصر مُشعة جديدة، كما أجروا دراسات حول طبيعة المادة والذرّة وإمكانية تدميرها، ويرجع الفضلُ لها في إطلاق مُصطلح النشاط الإشعاعي، وتحديده كخاصية مُميزة للمادة، وكيفية عزل العناصر المُشعة كالراديوم والبولونيوم.

الفيزياء في القرن العشرين: آينشتاين ومن بعده

استعدوا جيداً فقد أوشكنا على الوصول، لكننا بصدد أخذ منعطفٍ حادٍ جداً في هذه الحقبة التاريخية من الفيزياء…

في عام 1905 قدم فيزيائي ألماني  يُدعَى “ألبرت آينشتاين” توضيحاً لكيفية تغيّر قياس الزمن والمكان بتغيّر مكان المُراقِب، أو بتغير المسافة بين المُراقِب وما يُراقبه. نحنُ لا نُبالغ عند القول بأنه لا تُوجد نظرية علمية أحدثت ثورة منذ نظرية كوبرنيكوس إلى الوقت الحالي مثل نظرية آينشتاين “النسبية”، على الرغم من إسهامات آينشتاين العديدة في العلوم إلا أن النظرية النسبية تُعتبَر من أعظم إنجازاته.

البيرت اينشتاين

البيرت اينشتاين

أصرَّ آينشتاين أن سرعة الضوء ثابتة في كُل الأوساط. وأن طاقة المادة وكتلتها مرتبطتين، فوفقاً للمُعادلة الشهيرة:

E = mC^2

فإن النظرية النسبية الخاصة هي صياغة للعلاقة بين المُلاحظات المادية ومفهومي الزمان والمكان. وتختص النظرية بالتناقضات بين مبادئ الكهرومغناطيسية وميكانيكا نيوتن، ولها تأثير واضح وكبير على هذين المجالين. كما كانت المُشكلة الأساسية قديماً عن إمكانية مُناقشة موجة كهرومغناطيسية تحمل “أثيراً” أم لا، وهل يُمكن دراسة هذه الحركة، أم ستنتهي هذه الدراسة بالفشل كما حدث مع تجربة ميكلسون ومورلي. أجاب آينشتاين على هذه الأسئلة، وصاغ مُصلطح الأثير في نظرية النسبية الخاصة، وقد أجابت بجدارة على واحد من أكثر الأسئلة تعقيداً ألا وهو (ما هو الزمن ؟). الجديرُ بالذكرِ أن نيوتن أجاب على هذا السؤال في كتابِه إجابةً واضحةً لا تحتمل الشك فقال: “قيمة مطلقة، يحدث بدون أن يرتبط بأي شيء خارجي، ولا يُقاس ولكن نقيس المدة بدلاً منه”، وكان هذا التعريف كافياً من وجهة نظر الفيزياء الكلاسيكية. لكن آينشتاين كان عبقرياً ليسأل هذا السؤال، وليُعلن أن إجابة نيوتن غير مُكتملة، فكُل مُراقب يستخدم مقياس خاص به لتحديد الزمن، وعند وجود مراقبَين لنفس الحدث في ظروف مختلفة، فإن هذا المقياس سيختلف بالتأكيد، ليكون قياس الحركة نسبي لكل منهما. الأمر الذي دفع إلى التساؤل عن ما هي النسبية؟، وإلى أن يصبح كُلاً من الزمان والمكان مفهومان متشابكان، يعتمد كُلاً منهما على المُراقب. الذي يعتمد في نتائجه على إطار الزمكان أو نظام الإحداثيات التابع له. مِن ثَمَّ لا يوجد أي إطار مرجعي مُطلق، فكل مراقب يعطي نتائج خاصة به تعتمد صحتها على مدى جودة اساليب قياسه، كما أن قوانين الفيزياء مُتماثلة لكل المراقبين الذين لديهم سرعة نسبية ثابتة. كان لنظرية النسبية الخاصة أثرٌ عميق في الفيزياء وفي المُجتمع العملي.

بحلول عام 1916، استطاع آينشتاين تعميم نظرية النسبية الخاصة لتصبح قادرة على التعامل مع جميع أنواع الحركة بما في ذلك الحركة غير منتظمة التسارع، ليُصبح ذلك التعديل هو نص نظرية النسبية العامة. كما حدد آينشتاين في تلك النظرية مفهوماً جديداً وهو انحناء الزمكان، والذي يصف تأثير الجاذبية عند كل نقطة في الفضاء. كما استبدل تعريف قانون الجاذبية العام لنيوتن، فوفقا لأينشتاين فإن قوة الجاذبية ببساطة ما هي إلا صورة من صور هندسة الفضاء. توقعت نظرية النسبية العامة أيضاً بأن الضوء يخضع للجاذبية، الأمر الذي تم تأكيده حديثاً بالتجربة العملية لينتج لنا مفهموماً جديداً يُسمي (عدسة الجاذبية). كما وقد شرح هذا الجانب من النظرية ظاهرة انحناء الضوء حول الشمس، والثقوب السوداء وخصائص الأشعة الكونية. أيضاً كان لآينشتاين إسهاماتُه في مجال التأثير الكهروضوئي، وإشعاع الجسم الأسود. أدى القبول التدريجي لنظريات أينشتاين النسبية وطبيعة انتقال الضوء إلى حل العديد من التساؤلات، وإعادة تأسيس الفيزياء على مبادئ أساسية جديدة؛ ليشهد العالم ولادة الفيزياء الحديثة.

لابُد من ذكر القنبلة النووية مع ذكر النسبية

على الرغم من حل نظرية النسبية للصراع الكهرومغناطيسي الذي ظهر بعد تجربة ميكلسون ومورلي، ظهرت مشكلة نظرية ثانية وهي شرح توزيع الإشعاع الكهرومغناطيسي المُنبعث من الجسم الأسود. أظهرت التجربة أنه عند الأطوال الموجية القصيرة، القريبة من طول الأشعة فوق البنفسجية، تكون الطاقة قريبة من الصفر، على الرغم من قول الفيزياء الكلاسيكية أن الطاقة يجب أن تكون مالانهاية وليست صفراً. هذه المُشكلة والمعروفة بكارثة الأشعة فوق البنفسجية، تم حلها من قِبَل النظرية الجديدة (ميكانيكا الكم)، الجُزء الثاني المُكوِّن للفيزياء الحديثة.

الجديرُ بالذكر أن آينشتاين قد استخدم نظرية الكم في شرح التأثير الكهروضوئي، -أيضاً- استخدم الفيزيائي الدنماركي “نيلز بور” نفس النظرية في تفسير سبب استقرار ذرة رذرفورد والترددات المُنبعثة من غاز الهيدروجين.

لكن ماذا عن نظرية الكم ومؤسسيها ؟

“ماكس بلانك” وَضَّحَ كيفية توزيع إشعاع الجسم الأسود، مؤسس نظرية الكم -التي تُعد ثورة في فهم الإنسان لطبيعة الذرة وجُسيماتها-، وَضَع كتاب المبادئ الأساسية لنظرية الكم.

ماكس بلانك

ماكس بلانك

أضاف “فيرنر هايزنبيرغ”، “ماكس بورن”، و”باسكال جوردن” مبادئ جديدة في ميكانيكا الكم في شكل مصفوفة، كما ساهم “فولفغانغ باولي”، و”بول ديراك”، “إرفين شرودنجر” في عملية تطوير ميكانيكا الكم، وفي عشرينات القرن الماضي أسهم الفيزيائي الهندي “ساتيندرا ناث بوز” في دراسة الفوتونات وميكانيكا الكم.

أصبحت ميكانيكا الكم أداة لا غنى عنها في تفسير الظواهر المختلفة على المستوى الذري (الكمومي)، كما أن بها مُصطلحات شديدة التعقيد والجمالِ -فهماً وشَرحاً- مثل: التشكابُك الكمومي، والتموج الكمومي، فهي بطبيعة الحال تفسر طبيعة الكون على المستوى الذري، وما دونه، بدايةً من الذرة، مروراً بمدار الإلكترون، ثُم مستويات الطاقة التي تشبه موجات توزيع الشُحنات، كما أن فيزياء المادة المُكَثفة تصف الفيزياء الكمية لعديد من الذرات في الصلب والسائل، ومنها أتت كثير من التطبيقات التكنولوجية الحديثة مثل: الليزر وعلم المعلومات الكمومية، أيضاً الفيزياء النووية تصف كيفية تصرُف أنوية الذرات، وتشرح الإشعاع والإنشطار والاندماج النووي، بالإضافة إلى فيزياء الجُسيمات والتي تتعمق لمعرفة ماهية الجُسيمات دون الذرية التي يتكون منها كُل شيء -نموذج قياسي-، كما لا ننسى نظرية الحقل الكمومي التي تسعى لربط فيزياء الكم مع النظرية النسبية ومنها نستطيع الحصول على أدق وصف للكون.

للأسف نظرية الحقل الكمومي لا تتضمن الجاذبية؛ بالتالي الفيزيائيون لا يعلمون كيفية ضم ميكانيكا الكم إلى النظرية النسبية. الذي بدوره يؤدي بنا إلى فجوة ضخمة من الغموض. حيثُ يأمل الفيزيائيون يوماً ما في سد هذه الفجوة والوصول إلى نظرية تشمل كُل الفيزياء -نظرية كُل شيء، أو الثقالة الكمومية-، والجديرُ بالذكر أن هناك مُحاولات عديدة للقيام بهذا مثل: نظرية الأوتار، وحلقة الكم الجاذبية، وغيرهما.

إن الثقالة الكمُومية ليست أول شيء نُلاحظُه ولا نستطيع فهمُه، هنالك أيضاً ألغاز كُبرى تُدعى المادة المُظلمة، والطاقة المُظلمة ويُشكلان حوالي 95% من الكون. حيثُ الفيزياء التي نعرفها تصف فقط 5% من الكون. أيضا لُغز الإنفجار العظيم، ومما لا شك فيه أن هُناك ألغاز وأشياء اُخرى لا نعرف حتى اننا لا نعرفُها !. من ثَمّ هذا يؤدي بنا إلى سحابة فلسفية عظيمة تحمل داخل طيَّاتها العديد من الأسئلة الفلسفية الوجودية التي تُحفِز كثير من الفيزيائيين مثل: ما هي الطبيعة الجوهرية للواقع؟، كيف يُمكن للكون أن يكون موجوداً أصلاً؟، هل لدينا إرادة حُرة إذا كُنا محكومين فقط بقوانين الفيزياء؟، كيف لنا معرفة حقيقة الكون في الواقع؟، لماذا كُل الفيزياء هي فقط على الشكل الحالي -التي تتخذه حالياً-؟.

بعض هذه الأسئلة قد لا يُمكننا أن نجاوب عنها نهائياً، لكن ليس هناك سبب للتخلي عن المُحاولة، ففي النهاية الفيزيائيون لا يفقدن الأمل.   

الآن وبعد رحلتنا الطويلة في تاريخ عروس العلوم (الفيزياء)، دعونا نتأمل هذه الصورة الرائعة التي تحكي تاريخ الفيزياء منذ ظهور “نيوتن”، مروراً بالنظرية النسبية “آينشتاين”، وميكانيكا الكم، وما بعدهُما….

مخطط خارطة الفيزياء بحجم كبير

المصادر

Ben-Chaim, M. (2004). Experimental philosophy and the birth of empirical science: Boyle, Locke, and Newton. Aldershot, Hampshire, England: Ashgate.

Meli, D. B. (1996). Equivalence and priority: Newton versus Leibniz: including Leibniz’s unpublished manuscripts on the Principia. Oxford: Clarendon Press.

Bos، Henk (1980)، “Mathematics and Rational Mechanics”، in Rousseau، G. S.؛ Porter، Roy، The Ferment of Knowledge: Studies in the Historiography of Eighteenth Century Science، New York: Cambridge University Press .

stephen Hawking, “Galileo and the Birth of Modern Science”, American Heritage’s Invention & Technology, Vol. 24, No. 1 (Spring 2009)

Buchwald, J. Z. (1988). From Maxwell to microphysics: aspects of electromagnetic theory in the last quarter of the nineteenth century. Chicago: University of Chicago Press.

Biagioli, Mario. Galileo, courtier: the practice of science in the culture of absolutism. Chicago, Ill. ; London: U of Chicago press, 1993. Print.

https://youtu.be/ZihywtixUYo

تاريخ الفيزياء د. عدنان مصطفى

تاريخ العلم والتكنولوجيا ر. ج. فوربس – ا.ج. ديكسترهود