آخر الصيحات في نشر وتعزيز الخرافة هي التعامل معها بإسلوب “هل تعلم؟”، حيث يبدو أن الأمر أصبح قضية مسلم بها، وجود كائنات وهمية غير مرئية وغير قابلة للقياس والملاحظة بأي طريقة تعيش معنا، الجن كائنات مصنوعة من النار (لكنها ليست حارة ولا يُمكن كشفها بأي جهاز حراري) وهم موجودون في عالمنا رغم كونهم غير ماديين وليس لهم وجود مادي لكن يُمكن أن نسمع أصواتهم وأن يقومون بتحريك الأشياء! تلك هي الخرافة الأكثر شهرة في بلاد عديدة وهي تختلف بين الشرق والغرب في كونها: أشباح، أرواح شريرة، أرواح لأشخاص ميتين تحوم في المكان بحسب الديانة والمعتقد، لكن يصدف أنها غير موجودة إلا لمن يؤمن بها!

آخر الصيحات لتعزيز هذه الخرافة هي اسلوب “هل تعلم”، مثلاً “هل تعلم بأن أكل التمرات بعدد فردي يحمي من الجن؟” حيث نرى أخباراً ومقالات حمقاء ومنشورات فيسبوك تحصد الإعجابات والمشاركات وإعادة الارسال وهي تتكلم بهذه الطريقة المسلم بها عن الأمر. ونحن لا نتكلم بهذا الأمر لأننا نرغب بمعاكسة المعتقدات الشعبية والدينية، لكن هناك أضرار شخصية واقتصادية ناتجة من هذه المعتقدات.

أشهر الخرافات التي نسمعها اليوم بإسلوب “هل تعلم؟” تشمل:

قراءة التمائم والتعاويذ

من الجيد أن هذا الجزء لا يشمل الكثير من الممارسات المكلفة وأنه مضيعة للوقت فحسب دون المال. ومن الجيد أيضاً أن معظم ما هو منشور في الانترنت باللغة العربية حول مكافحة الجن يتضمن قراءة نصوص مقدسة أو تعاويذ (رقى). هذا الجزء ايضاً يُشار له بإسلوب هل تعلم مثلاً: “هل تعلم أن قراءة الدعاء الفلاني يقيك من الجن ليوم كامل؟”.

الملح

يظهر لنا “استخدام الملح للحماية من الجن” أن الخرافات قابلة للتداول بين الشعوب في عصر التكنولوجيا بشكل مغاير عما كان عليه في الماضي. يذكر موقع مركز التحقيق التشكيكي (CSI) أن أصل هذه الخرافة حول سكب الملح (Spilt Salt) في الشعوب الأوربية يرجع للقيمة المرتفعة للملح في الماضي وأنه كان في فترة من الفترات في الدولة الرومانية بمثابة العملة التي يتقاضى بها الجنود رواتبهم، ومن أهميته في النظام الغذائي وقلة وجوده فإنه اكتسب أهمية معينة[1]. ونظراً للجهل الطبي فإنه قد يكون بالنسبة للناس ذوي التفكير السحري السائد في وقتها ذو مفهوم أشبه بمفهوم البركة لدى العرب.

لكن وبمرور الزمن صار الملح في الثقافات الأوربية رمز للحماية من الأرواح الشريرة حيث يسكب في مداخل الأبواب أو يسكب بشكل دائري حول مكانٍ ما لحمايته، ويبدو جلياً أن هناك علاقة ما بين قيمته لدى تلك الشعوب وبين مفهومه السحري في الحماية من الأرواح الشريرة.

كما أن الملح له أهمية مشابهة لدى العرب فيقال في يومنا “زاد وملح”، وهو يعد رمزاً للوفاء فيقول العرب قديماً “ملحه على ثوبه”[2] في إشارة لفاقد الوفاء حيث أنه إذا ما قام سقط الملح من ثوبه، أي أن وفاءه مرهونٌ بمجلسه ذاك. وفضلاً عن ذلك فقد يكون لدور الملح في حفظ الأطعمة قيمة إضافية أخرى. لكنه مع ذلك لم يكتسب تلك القيمة السحرية كما عرفنا عن موروث الخرافات لدى العرب.

اليوم وحين نرى أن هناك مواقع عربية أو صفحات فيسبوك تتداول تأثير الملح في الحماية، فإننا نعلم أن التواصل الثقافي عبر الانترنت وعبر هجرة العرب إلى الغرب صار له دور في استيراد تلك المفاهيم الخرافية وإسباغ قيمة تقليدية عليها، رغم أن الموضوع لا وجود له في الثقافة العربية أو الدين الإسلامي.

طبعاً إن مناقشة الأمر من حيث تفنيده لا حاجة لها نظراً لسخافة الطرح وكونه خرافة مركبة، تتكون من تأثير سحري وهمي للحماية من شيء وهمي آخر وهو الجن. لكن مؤخراً كان الأمر يُناقش كأنه ضرب من التجارب العلمية، ويناقش أيضاً بطريقة “هل تعلم”.

أكل تمرات بعدد فردي

أحد أشهر المنشورات في الفيسبوك من حيث كثرة الحصول على المشاركات كان يتضمن العديد من الخرافات ومن ضمنها “هل تعلم أن الجن يبتعد عنك يوماً كاملاً إذا ما أكلت عدداً فردياً من التمرات”، صيغة طرح الخرافة تجعل القارئ غير العارف بعالمنا أن الجن هم أشبه بالذباب أو الحشرات واننا بحاجة لما يحمينا منها بشكل فعال، حسناً كل عدداً فردياً من التمرات وستضمن التخلص من هذه الكائنات.

البخور

يعرف العرب البخور فيما مضى بالعود، لكن ليس في الثقافة العربية الضاربة في القدم بل في الوقت الذي صارت فيه التجارة مع الشرق أكثر رواجاً، وصار يعد من سلع الترف التي يستخدمها الناس لتعطير الجو. لكن للبخور استخدام شائع في الطقوس الدينية لدى أديان وشعوب عديدة قد تكون هي السبب في إسباغ ذلك الأثر الذي نراه اليوم عليها في تجارة الخرافة في بلاد العرب. حيث يقال إنها كانت تستخدم لدى قدماء المصريين[3] وأنه يستخدم لدى اليهود[4]، ولدى شعوب الشرق في المعابد.

إذاً فللأهمية الدينية هنا دور في الاستيراد غير المباشر لهذه الخرافة أو تحويرها من أداة طقسية إلى أداة لها وظيفة خرافية أخرى. ومن هنا نرى كيف أن التعاطي الثقافي مع الخرافة يتمتع بالمرونة الكافية لتدوير المصطلحات والأدوات وتوظيفها لرسم صورة تتلائم مع العقل السحري أو العقل المؤمن بالخرافات في العصر الحديث. قد ترى في إعلان حول مشروب معين صوراً توحي بالعطش والحر والمشروب البارد. وبنفس الكيفية فإن معدات الدجال الحديث صارت تتطلب مفردات تتلائم مع صورته في الإعلام والأفلام التلفزيونية.

ولا ننفي أو نستبعد وجود دور تجاري مهم لترويج أنواع معينة من البخور، مثلاً دخلت الى الثقافة العراقية مادة الحرمل التي تستخدم لدى الدجالين وبين أوساط الناس المؤمنين بالخرافة والتي لها تأثيرات تخدير خفيفة، وهي تندرج تحت نفس تصنيف البخور وقد تعد نوعاً منه. كما أن لبعض أنواع المواد المحترقة مثل الحرمل تأثيرات واضحة على الجسد بسبب طبيعة ما يحترق، كما في المكونات الموجودة في الحرمل والتي تزيد من افراز الدوبامين[5].

خلطات الأعشاب

وأخيراً فإن الأعشاب تنال هي الأخرى دورها في الترويج بالطرق الحديثة وكأنها موضع للتجارب العلمية على الجن، وأن هناك مختبرات تضع الجن في أقفاص ثم تختبر الأعشاب عليهم. هذا ما يجري عندما نقرأ كثيراً من المنشورات الخرافية والمقالات حول تأثير أعشاب معينة. لكن دور الأعشاب لا يقتصر على هذا المجال فحسب بل تهيمن على كافة مجالات العلوم الزائفة والخرافات وترتبط بتجارة ضخمة تؤسس لها دول كالصين وتستهلكها شتى الدول المتخلفة في العالم.


[1]  Spilt Salt, csicop.org, January 13, 2004

[2]  موقع مجلة الجماهير، من أدبيات الملح، العدد 12076، 24 أبريل 2006

[3]  اليوم السابع، “6 معلومات لا تعرفها عن “البخور”.. عرفها الفراعنة.. وذكرت فى التلمود”، الإثنين، 15 يونيو

[4]   سفر الخروج ٣٠:‏​٣٤-‏٣٦‏

[5]  أثيل فوزي، “الحرمل وخرافات الحسد وطرد الأرواح الشريرة“، العلوم الحقيقية