بقلم نيك تايلور.. ترجمة: وسن ناصر
نحن في وسط جائحة!! ولا أعني تلك الجائحة (كورونا) بل اُشير إلى انتشار البدانة المتزايد بسرعة حول العالم، والمُعرّفة من قبل منظمة الصحة العالمية (WHO) على أنها حالة تجمع الدهون غير الطبيعية المفرطة والتي تٌمثل خطرًا على الصحة.
إن البدانة مشكلة خطيرة. في التقييم الاخير عام 2016، تصيب البدانة 650 مليون بالغ و (14) مليون طفل حول العالم. تزيد الحالة من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المصاحبة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري من النوع الثاني وعددًا من أنواع السرطان. قُدر تأثر الاقتصاد العالمي في العام 2014 بالبدانة بمليارات الدولارات. وأكثر من ذلك، إن البدانة تزداد بسرعة مدمرة: من المتوقع أنها ستصيب أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة الأمريكية بحلول العام 2030. أكثر من النصف.
كما أن مجال الحمية وخسارة الوزن العالمي في أعلى مستوياته حيث قُدر ب١٩٠ مليار دولار للعام ٢٠١٩. تبدو هذه الاحصائية غير متوقعة: كيف يمكن لإنتشار البدانة وأرباح الحميات الغذائية أن يكون كلاهما بمستوياتٍ قياسية؟ يحدث هذا التعارض لأن مجال الحميات الغذائية يرتكز على حيل قصيرة المدى وإجراءات سريعة الحل، والحلان غير فاعلين في تسهيل إدارة الوزن بعيدة المدى.
لم لن تنفعك حميتك الغذائية أبدًا؟
نسمع حمية السعرات، وحمية اتكنز، وحمية الصيام المتقطع، وحمية العصر الحجري والكيتو وغيرها. ثم نسمع بعد ذلك بالحمية الهندية التي تقترح بأن الإنسان قادر على العيش بدون طعام تمامًا، مستمرًا فقط على النَفَس المقدس! سنتكلم في هذا المقال هذه الحميات المبتدعة (Fad diets) (مصطلح يطلق حميات تنتشر بسرعة مثل انتشار الموضة في الازياء وتعد بنتائج سريعة وتشمل بعضاً مما ذكرناه أعلاه) انتصارًا على النزعة الاستهلاكية الحديثة، إلا أن البيانات أظهرت أنها لا تؤثر.
تشير الدراسات إلى أنه وبعد فقدان الوزن الابتدائي المعزو إلى تقييد السعرات الحرارية الشديد، فإن ثلثي الوزن المفقود سيعاد اكتسابهُ في غضون سنة واحدة وتقريبًا كله سيكتسب مرة أخرى في غضون خمس سنوات. في حالات كثيرة يزداد الوزن أكثر مما كان عليه. ذلك لأن الحميات الغذائية نادرًا ما تعلم الناس كيفية تناول الطعام بشكل صحي بشكلٍ مستمرٍ. ونتيجة لهذا، غالبًا ما يقفز الناس من حمية إلى اخرى، يحاولون ويفشلون على الدوام في تنفيذ تغييرٍ طويل المدى.
إنها حلقة مفرغة تتميز بتقلبات فقدان الوزن وإستعادته وهي ظاهرة منتشرة جدًا في عالم النظام الغذائي لها مصطلحها الخاص: نظام اليويو الغذائي (في اشارة الى لعبة اليويو). يهيمن تسويق الحميات المبتدعة على وسائل التواصل الاجتماعي، مع وصف صور عاطفية قبل وبعد التحولات الجسدية الدراماتيكية الملصقة عبر منصة انستغرام Instagram. لكن تلك الاعلانات لا تتضمن على الاطلاق صورة لما بعد الحمية (المرحلة اللاحقة من صورة قبل-بعد) وكيف ارتفع الوزن مرة اخرى.
لا تفشل الحميات المبتدعة (مثل النظام الغذائي الكيتوني والصيام المتقطع) في تحفيز أي جانب من جوانب الصحة القلبية فقط، بل إن نظام اليويو الغذائي الذي ينتج غالبًا قد يزيد في الواقع من خطر الإصابة بأمراض القلب خصوصًا عند النساء، ويزيد من خطر الوفاة المعزى لمختلف الأسباب. يظهر تظهر الابحاث العلمية رابطًا ثابتًا بين تذبذب الوزن والاضطرابات النفسية وعدم الرضا عن الحياة والشراهة عند الأكل.
حقن القهوة شرجياً!
التخلص من السموم هو اختصار آخر موجود وواسع الانتشار في مجال الصحة واللياقة البدنية الحديث [مجال زائف عموماً]. صيام العصير والمكملات العشبية وشاي الأعشاب وتشميع الأذن والمعالجة المثلية والحقن الشرجية بالقهوة (نعم بالفعل) ليست سوى بعضٍ من مواد التخلص من السموم التي تدّعي تسهيل فقدان الوزن وتطهير الجسم من السموم. ولكن يُظهر العلم أن المواد الطاردة للسموم لا تفعل شيئًا من هذا القبيل، وكما توقعنا من المعالجات السريعة، فإن جودة البحث عامةً منخفضة جدًا وتعيقها منهجيات ناقصة.
التخلص من السموم غالبا ما يشبه التطهر الديني، وهو مستوحى من مفاهيم قديمة زائفة حول وجود مواد غير قابلة للقياس وتسبب ضرراً للجسم، وبالطبع فإن هذا لا يتوافق مع العلم الحديث. يمتلك الجسم اليتين لازالة المركبات السامة وهما الكبد والكلى، وهما يعملان بكفاءة عالية، عدا ذلك لا معنى للتخلص من السموم باستثناء حالات قليلة من التخلص من السموم الحقيقية كالسموم القاتلة او حالات الادمان على المخدرات.
منذ بضع سنوات، تم التحقيق في ادعاءات خمسة عشر بروتوكولًا للتخلص من السموم (بما في ذلك وسادات القدم ومياه التخلص من السموم والمكملات الغذائية) بواسطة Sense About Science في ملفات التخلص من السموم. لم يتمكن أي مُصَّنع من تقديم أي دليل على مزاعمه التجارية، ولم تقدم شركتان نفس التعريف لمصطلح التخلص من السموم.
خَلُص الملف إلى أن “التخلص من السموم أسطورة. … العديد من الادعاءات حول كيفية عمل الجسد كانت خاطئة وبعضها كان خطيرًا “. ولكن بصرف النظر عن الخطر الحقيقي لحروق المستقيم الناتجة عن حقن القهوة الشرجية الساخنة، فإن التخلص من السموم ضارٌ لأنه يقوم على فكرة امكانية المرء التكفيرعن الانغماس في أسلوب الحياة من خلال الانخراط في سلوكيات أكثر تطرفًا وقصيرة المدى. الحقيقة هي أن صيام العصير لمدة أسبوعين، أو اتباع نظام غذائي قائم على السوائل فقط، أو حقن القهوة شرجيا (ساخنة أو باردة) لن يعفيك من الإفراط في النظام الغذائي. الفكرة بما فيها، ونتيجةً لشعبية التخلص من السموم، فإنها متجذرة في هوسنا بالاختصارات.
ما البديل؟
ان واحدة من اهم سمات البشر هي البحث عن حلول بسيطة لمشاكل معقدة، والسمنة مشكلة معقدة لأبعد حد يمكنك تصوره. بالتأكيد، سيتطلب الأمر جهدًا موحدًا لمواجهة السمنة لأسبابها الجسدية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية.
ولكن على مستوى محلي، وبالتناقض مع ادعاءات مجال السلامة والصحة التجاري، فان سر السيطرة على الوزن طويلة الامد هو انه لا يوجد سر. لا يوجد حل سريع، ولا “حيلة غريبة واحدة لتكسير دهون البطن”، ولا توجد حمية غذائية أو تخلص من سموم يؤديان إلى نتائج طويلة الأجل. كل هذا يعتمد على علمٍ ضارٍ للغاية. إن الوسيلة الوحيدة القابلة للتطبيق لتحقيق أي هدف للصحة واللياقة البدنية هي تطبيق تغيير للسلوك على المدى الطويل يركز على التحرك أكثر وتناول الطعام بشكل أفضل. سيتطلب ذلك من كثير من الناس الاعتراف بالعادات غير الصحية الراسخة وكسرها واعتماد عادات صحية جديدة تستمر مدى الحياة. إنها رحلة طويلة تتطلب وقتًا وصبرًا وأحيانًا تدخلات مهنية من علماء النفس السلوكي وأخصائيي التغذية أو خبراء التغذية.
الا ان الخطوة الأولى في الرحلة هي الاعتراف بأن الحميات الغذائية والتخلص من السموم والأوهام الأخرى ما هي الا عوائق أساسية أمام الصحة طويلة الامد: هذا لأنها تحوي سرعة زوال في بنيتها الاساس.
إذا تعلمنا من عامي الجائحة الاخرى الماضيين أي شيء، فهو أن العلوم الزائفة والمعلومات الخاطئة هي أشواك على جانب أي مبادرة تهدف إلى تحسين الصحة العامة. سواء أكان الامر السمنة او تغير المناخ او الفيروسات المحمولة جوًا، فكلنا مسؤولون عن تحسين ملكاتنا الانتقادية ومواجهة العلم الضار في الثقافة الحديثة. وهذا يعني السؤال عن الدليل وادراك تحيزاتنا والثقة بالخبراء ومحاسبة بائعي زيت الثعبان على مزاعمهم. لأنه طالما أننا نتبَع الحيل البراقة والبدع غير المثبتة، فإن الاستراتيجيات الفعالة حقًا والتي تفيد الصحة العامة ستظل بعيدة المنال عنا.
المقال الأصلي:
Nick Tiller, Diets, Detox, and Other Delusions, November 18, 2021
راجعت المقال لغويا ريام عيسى وتم نشره في مجلة العلوم الحقيقية العدد 51 لشهري سبتمبر-اكتوبر 2022