خدع التظليل: كيف تتحول الصورة ثنائية الأبعاد 2D إلى ثلاثية الأبعاد 3D داخل الدماغ. تؤثر القليل من التأثيرات على عمق عملية المعالجة البصرية في الدماغ،  فالصورة المعكوسة غامضة بطبيعتها:حيث ستتكون صورة الشخص على شبكية العين إما بحجم قزم يُرى عن قرب أو عملاق يُنظر إليه من بُعد. ويعد الإدراك الحسي جزءاً من استخدام فرضيات معينة لحل مثل هذا الغموض والالتباس. إذ يمكننا استخدام الخداع البصري لكشف ماهية القواعد والافتراضات المخفية في الدماغ، لنرى ذلك:

خدع التظليل صورة للدوائر

في الرسم المقابل ، تبدو الاقراص غامضة إذ تراها في الصف العلوي وكأنها محدبة أو بيضاوية الشكل، ومضاءة من جهة اليسار. بينما في الصف السفلي يبدو وكأنها عبارة عن تجاويف، أو العكس بالعكس.

– تكشف هذه الملاحظة أن المراكز البصرية في الدماغ لديها افتراض مدمج بأن مصدر ضوء واحد ينير الصورة بأكملها. يمكن التبديل بين أماكن الاشكال البيضاوية والتجاويف بتحويل مصدر الضوء- بوعي- من اليسار إلى اليمين.

بينما في هذا الرسم، تبدو الصورة أكثر وضوحاً. إذ تبدو الأقراص المسلط عليها الضوء من الجهة العليا بيضاوية الشكل، بينما المُضاءة من أسفل تبدو مثل التجاوييف. ويكشف ذلك فرضية أخرى للنظام البصري هى: أن الضوء يسطع من أعلى. يمكن التأكد من ذلك بتدوير الصفحة كلياً، وستتبدل أماكن الأشكال على الفور.

خدع التظليل - صور الدوائر

تبدو الأقراص المسلط عليها الضوء من الجهة العليا بيضاوية الشكل، بينما المُضاءة من أسفل تبدو مثل التجاوييف

من المثير للدهشة، احتفاظ الدماغ بفرضية أن الضوء يسطع من جهة أعلى الرأس، حتى عندما تدير رأسك بقدار 180 درجة. فمثلا أطلب من صديق أن يمسك هذه الورقة من جهة اليمين بالنسبة لك، ثم أنحنى إلى أسفل وانظر إلى الورقة خلفك. ستجد أنه يحدث التحول مرة أخرى، كما لو أن الشمس تشرق من الارض وتلتصق برأسك. حيث تُوجه الاشارات من مركز التوازن في الجسم – الجهازالدهليزي vestibular system – بواسطة موضع حصوات صغيرة داخل الأذن تُسمى (تحصي الأذن otoliths)، وتمر على المراكز البصرية لتصحح وضع الصورة التي تراها وتجعلها في وضع رأسي، وهكذا تستمر الرؤية بذلك الوضع الرأسى للصورة، ولكن لا يحدث ذلك بالنسبة لموقع الضوء.

 

النتيجة: الرؤية يحكمها العديد من وحدات معالجة المعلومات المتوازية في الدماغ، بالرغم من عدم انسجامها معاً. وكذلك تتصل بعض الوحدات بالنظام الدهليزي، إلا أن تلك التي تعالج الاشكال المظللة لا تتصل به. وقد يكون السبب في تصحيح وضع الصورة ما يسمى ب(إحداثيَّات العالم world-centered coordinates)، والتي قد تكون مرهقة حسابياً وتستغرق وقتاً طويلاً. اعتقد الأسلاف أن الدماغ لا يتأثر بذلك الافتراض البسيط، فأبقوا رؤوسهم عموماً في وضع مستقيم. وهكذا ربى الأجداد الاطفال حتى مرحلة النضج في كثير من الاحيان بدون ممارسة أى ضغط في الاختيار؛ مما أدى إلى انتاج تصحيح في النظام الدهليزي.

صورة لمفترس يختبئ في الأحراش

أيضاً من المنطقي المقدرة على تجميع اجزاء الضوء المشابه لبعضها في اللون. فمثلاً يُرى أسد يختفي خلف أوراق خضراء وكأنه مجرد شظايا من الذهب، لكن الدماغ البصرية تقوم بتجميع الأجزاء في نموذج واحد على شكل أسد.

خدع التظليل - صور للدوائر 2

إذا نظرت للرسم أعلاه، ستجد أنه يمكنك على الفور التمييز عقلياً بين مجموعة الأشكال البيضاوية والمجوفة.

خدع التظليل - صور الدوائر 3

بينما في هذا الرسم، حيث الدوائر لها قطبية الإنارة نفسها كما في الشكل السابق، لكن لا يمكن التمييز بين الأشكال. مما يشير إلى أهمية عمق ملاحظة الاشارة التي تظهر مبكراً أثناء المعالجة البصرية.

كما اكتشف علماء البصريات منذ عقود، أن بعض السمات الأولية يتم استنتاجها مبكراً أثناء المعالجة البصرية (pop out) الواضحة، وأنه يمكن تجميعها فقط بهذه الطريقة.

على سبيل المثال، يمكن لدماغك تمييز مجموعة من النقاط الحمراء على خلفية بلون أخضر، لكن لا يمكنه أن يمييز ابتسامات متفرقة على وجوه مُتجهِّمة. بالتالي فإن اللون هو السمة الأولية التي تم استنتاجها مبكراً وليس الابتسامة.

حقيقة أنه يمكن تصنيف الأشكال البيضاوية يعني ضمناً أن معلومات التظليل مثل الألوان يتم معرفتها أولاً في عملية المعالجة البصرية. وتم التحقق من هذا التوقع في السنوات الأخيرة، بتسجيل النشاط في الخلايا العصبية للقرود، واجراء تجارب تصوير الدماغ في البشر. النتيجة: تنشط خلايا معينة في القشرة البصرية للدماغ عندما يرى المراقب الأشكال البيضاوية، وتستجيب خلايا أخرى عند رؤية الأشكال المجوفة فقط.

صورة للغزلان

– بطبيعة الحال، وعلى مر ملايين السنين، عُرف التطور، وتم الاستفادة من مبادئ التظليل التي استكشفها الباحثون في الآونة الأخيرة. الغزلان لها بطون بيضاء وظهور قاتمة اللون- ظل معكوس countershading- تحايد تأثير أشعة الشمس عليها من أعلى. نتيجة لذلك، يقل ظهور الغزلان وتكون غير واضحة، كما يجعلها تبدو أنحف وبالتالى أقل شهية لحيوان مفترس.

يسروع - خدع التظليل في الدماغ

كذلك اليسروع لديه أيضاً ظل معكوس، لذلك يبدو أكثر شبهاً بالأوراق المسطحة التي يلتهمها.

هناك نوع واحد من اليسروع لديه ظل معكوس “عكسي”، الأمر الذي لم يكن له معني حتى أدرك العلماء أن الحشرات عادة تتدلى رأساً على عقب أثناء تواجدها على الاغصان.

– أيضاً هناك نوع واحد من الأخطبوط يمكنه “عكس” ظله المعكوس، فمثلاً: إذا قمت بتعليق أخطبوط رأساً على عقب، فإنه يفرز خلايا منتجة لصبغة (حاملات الصباغ chromatophores ) في الجلد، والتي يسيطر عليها النظام الدهليزي، على عكس المناطق الأغمق والأفتح لديه.

– لاحظ (تشارلز داروين Charles Darwin) مثالاً بارزاً على وجود التظليل في الطبيعة. على سبيل المثال أشكال بقع العين البارزة على ذيل طائر الدراج العملاق.

وكذلك يُخضب محجر العين بالألوان من اليسار إلى اليمين، وينتصب ريش الذيل، أثناء عرض التزاوج. وتكون البقع باهتة أعلى الرأس، وداكنة أسفلها؛ لذلك تبدو بارزة مثل كرة معدنية لامعة، وكأنها تتوهج كالحلى.

– إذاً يمكن لبعض الدوائر البسيطة المظللة الكشف عن الافتراضات الأساسية لأنظمتنا البصرية، حتى أنه يمكنها معرفة كيف لعبت هذه المبادئ دوراً في تشكيل التكيفات التطورية، كما تُظهر أيضاً قوة الخدع البصرية في مساعدتنا على فهم طبيعة الادراك الحسي.

مصادر:

1 – http://www.scientificamerican.com/article/seeing-is-believing-aug-08/

2- https://zscalarts.files.wordpress.com/2014/01/seeing-is-believing_scientific-american.pdf

 ترجمة: إسراء بدوي