كيف تحفظ الأشياء بشكل أفضل؟ الذاكرة المتكاملة تتطلب أكثر من مجرد تجميع أجزائها سوية. الأشخاص المصابين بعمى التعرف الشبيه (simultagnosia) لديهم مشكلة في تجاعيد الدماغ والتي تكون مسؤولة عن ربط الجزء العلوي من الفص الجداري (parietal lobe) مع الجزء السفلي. وبسبب الأضرار التي لحقت بالتجاعيد يكون هنالك التئام داخل الفص الجداري، وبذلك لا يمكن للمصابين بهذا المرض أن ينظروا للخصائص المختلفة لنشاط الكائنات. تقول عالمة الأعصاب ميلينا آنكافر (Melina Uncapher) من جامعة كاليفورنيا أن “إذا كان لديك التئام في الفص الجبهي وكنت تنظر نحو سيارة حمراء تتحرك في الشارع، فأنت لا ترى اللون والحركة للسيارة معاً. يمكنك فقط النظر الى اللون أو الحركة”. وقد كشفت دراسة حديثة قامت بها آنسافر أن هذه التجاعيد تقوم بلعب دور محوري في ربط فروع منفصلة من حدث أو شيء في ذاكرتنا بشكل كامل.

فقد قامت آنسافر وزملائها بمجموعة اختبارات الذاكرة على 20 متطوع. فقد قدموا لهم سلسلة من 100 كلمة لكي يتذكروها، وتم مسح أدمغتهم بجهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). وقدم الباحثون الكلمات مقسمة تماما في أربع أجزاء مربعة في شاشة حاسوب صغير. وكانت العبارات إما سوداء أو أحد الألوان الأربعة: أحمر، أخضر، أزرق، وردي. وكانت الوان الكلمات تحمل مدلول على أن الكلمات تطلق على أشياء حية أم لا، في حين الكلمات السوداء تندرج ضمن الأشياء المتعلقة بصندوق الأحذية. وتقول آنكافر “الموقع يكون تلقائي الحضور، في حين أن اللون لا يكون ملفت للانتباه. فإذا كنت تلقي بعض الكلمات باللون الأسود، يجب أن يتبعها المتطوع بتذكر اللون الذي كانت فيه”.

وبعد القيام بفحص الدماغ، قام الباحثون  باختبار المتطوعون للكلمات مختلفة، وطلب منهم تذكر لونها ومكانها، ومن ثم قاموا بمقارنة هذا مع مسح الرنين المغناطيسي الوظيفي الأولي للمتطوعين. وكما كان متوقع، فقد ظهرت مناطق الدماغ المرتبطة بتحديد اللون أو الموقع نشاط متزايد عند المتطوعون الذين حفظوا اللون أو الموقع بشكل محدد. ولكن عندما يتذكر كافة المزايا (توحيد الذاكرة للون والموقع معاً) جاء الالتئام داخل الفص الجداري لكي يأخذ دوره. وقالت آنكافر “عندما تنظر إلى نشاط التنبؤي للذاكرة بعد مدة، فهذه المنطقة تنشط بشكل تلقائي. واذا كنت تدرك العناصر المختلفة بشكل موحد لكونك تعاني منها، فأنت سوف تتذكرهم معاً”.

وبطبيعة الحال تكون الذاكرة متوسطة بالقرب من مركز الحصين (hippocampus)، وهي منطقة متخفية في الفص الصدغي (temporal lobe)، وبالتالي يصعب تصويرها. كما أنها لم تظهر زيادة في النشاط في هذا الاختبار وكانت في أدنى مستوياتها، وتنسب آنكافر ذلك إلى عدم وجود إشارات متميزة لتلك المنطقة إضافة إلى وجود الكثير من التشويش. كما أن الخبراء لم يفحصوا المتطوعين لحظة حفظ الكلمات في الذاكرة، هذا وفق الورقة البحثية التي نشرت في (Neuron)، وتقول “كان يمكن أن يكون شيئاً عظيماً لو تم الفحص حين استرجاع المعلومات، فيمكننا أن ننظر إلى أوجه التشابه. فهذه الدراسة ضخمة، لكن في هذا المجال فقط”.

هذا البحث يقدم أدلة دامغة على أن هذا المجال الغامض في الدماغ له دور مهم في تمكين خزن المعلومات بشكل مترابط، أي الذكريات الشاملة. وهو يعطي مؤشر على ما كان عرفه الطلاب. وتقول آنكافر “إن ما تحفظه بصورة غيرة متكاملة، لا يمكن أن يصور على أنه متكامل ويخرج كذلك. لا يمكن أن نحصل على شيء من الذاكرة لم نكن قد وضعناه فيها. إذا لم تحفظ لون أو موقع شيء ما فأنت لن تتذكره“. إذاً كيف تحفظ الأشياء بشكل أفضل؟  ربما لم تكن منتبهاً على هذا الأمر، لكنك في المرة القادمة سوف تنتبه.

المصدر:

David Biello, “Total Recall: Memory Requires More than the Sum of Its Parts“, Scientific American MIND, November 8, 2006