تُعد فيديوهات الرياضيين في مجال الرياضة وبناء الأجسام والقوة وحتى بعض الرياضات الأخرى من المواد الأكثر رواجاً في الأنترنت والأكثر حصولاً على المشاهدات، وهي تتضمن المفيد والضار من النصائح ولا يُمكن الحكم على مقدميها بنفس الدرجة لكن بصورة عامة نحتاج الى الانتباه الى أمور معينة قبل مشاهدة فيديو أو قراءة مقال لأحد الرياضيين أو المواقع الرياضية التي لا تقدم المعلومات عن خلفية علمية طبية. يُمكن أن نضع السمات والنصائح الآتية حول نصائح الرياضيين:

أولاً: مجال معقد جداً يخوض فيه أشخاص غير مختصين

إذا أصبت بالصداع فهناك علاجٌ لك، واذا عانيت من ألم في البطن فهناك من سيعمل على تشخيص حالتك، حتى لو أصبت بالسرطان فإن هناك نسبة كبيرة في يومنا هذا للتعافي من قبل الأطباء والطب الحديث. نعم من قبل الأطباء، لكن هل سمعت بأحدٍ تناول حبة دواء ثم صار نحيفاً في الأسبوع التالي؟ هل سمعت عن دواء يجعلك ذو جسد قوي عضلي بين عشية وضحاها؟ ما لم يكن ذلك في الإشاعات الرائجة في الأوساط الرياضية حول التأثيرات السحرية للمكملات فعلى الأرجح ليس هناك دواءٌ سحريٌ متوفر للسمنة حتى لحظة كتابة هذا المقال على الأقل وليس هناك دواءٌ آمن يزيد من حجم العضلات ويقلل من الشحوم ليجعلك تبدو كنجوم بناء الأجسام. لماذا؟ لأن الموضوع هو أحد أكثر المواضيع تعقيداً.

مواضيع كالسمنة، زيادة القوة العضلية، زيادة حجم العضلات (hypertrophy) أو زيادة القدرة على التحمل هي جميعها مواضيع مهمة جداً للرياضيين لكن في الوقت نفسه هي ليست مواضيع ذات وضوح كبير في الطب وذلك لارتباطها بالعديد من العوامل وليس بجهاز واحد في الجسم، لنأتِ للبناء العضلي، فهو يرتبط بالتمثيل الغذائي، بإفرازات الهورمون الذكري وهرمون النمو، التغذية، الصفات الوراثية وطبيعة الجسم  والنوم. أما السمنة فالقائمة قد تكون مشابهة أو قد تزيد عن ذلك وهكذا الحال مع سرعة الركض أو القدرة على التحمل أو زيادة القوة العضلية.

“لماذا يجب أن تستمعوا لي؟”

مع استعراض للمنجزات الرياضية أو لشكل الجسم يستعرض الرياضي مسيرته ويعنون تلك الفقرة بـ “لماذا يجب أن تستمعوا لي” يا ترى هل يجب أن نستمع لك بجميع التفاصيل وكأنك أصبحت قاموساً بيولوجياً لجسم الانسان؟ أم أن نستمع للمختصين من أطباء وصيادلة وبيولوجيين؟

يعتمد الرياضيون هنا على مغالطة في تلقي الناس لما يقولون ونظرة الناس إليهم، إذ طالما أنهم وصلوا لهذه المرحلة من المهارات في رياضة معينة أو من الشكل المثالي للجسد فإنهم مؤهلون لإصدار الفتاوى بكل ما يتعلق بالجسد، حتى لو تتطلب ذلك فهماً شديد الدقة وعلى مستوى الخلية الواحدة لجسم الإنسان. قد يتسائل شخصٌ هنا، بما أن الرياضي قد توصل الى هذه النتيجة فلماذا سيكون عاجزاً عن نقلها لي أيضاً؟ لماذا سأحتاج الى طبيب او بيولوجي او شخص مختص ليخبرني بما سيخبرني به هذا الرياضي؟ وهذا يقودنا الى النقاط الأخرى.

خلط الجيد مع السئ والمفيد مع غير المفيد

هناك خطوط عريضة في الرياضة لا تخفى على أحد ويُمكن الاستماع للنصائح حولها من الرياضي او المختص بالطب على حدٍ سواء. وأحياناً يتوجب سماعها من الرياضي فقط مثل طريقة القيام بالتمرين بشكل صحيح، طريقة الركض الصحيحة، طريقة السباحة الصحيحة، طريقة اداء تمرين رفع الأثقال بشكل آمن وصحيح ومستقيم يسلط الجهد المطلوب على العضلة. فضلاً عن رياضات تعتمد بشكل كامل على ارشادات المدرب سواء التقنيات المعقدة كالفنون القتالية أو الرياضات التي تتطلب خططاً وستراتيجيات ككرة القدم أو السلة.

لكن عندما يبدأ المدرب أو المختص الرياضي بالكلام عن الأدوية، المكملات، الأيض والهضم، ما يجب أن تفعله عندما تمرض، أنظمة التغذية الغريبة، العلاج البديل والأخطر من ذلك كله: الهورمونات والمنشطات. هنا عليك أن تنتبه جيداً وأن تضع خطاً تحت ما يقول الرياضي وأن يكون الشك هو أول ما تقدمه تجاه تلك النصائح.

لا يحق للرياضي أن يصف الأدوية كما لا يحق للكثير من المختصين بمجالات بيولوجية، هذا الأمر من تخصص الأطباء حصراً، فما بالنا بأخطر أنواع ما يتعاطاه الرياضيون من هورمونات أو منشطات. العلاجات البديلة تنتشر في أوساط الرياضيين، وهم أيضاً سوق جيد للمواد غير النافعة أو الضارة التي تباع لأنها “طبيعية” فقط.

باختصار ستجد ما هو جيد ومفيد وستجد ما هو خطر ومدعاة للشك، فاعرف ماذا تأخذ من نصائح ومن أين تأخذ النصائح.

الكثير من الإشاعات والنصائح النمطية والعلوم الزائفة

أحدهم سيخبرك بأنه يتناول 220 غرام من البروتين يومياً، كيف ستحتسب أنت نسبة البروتين اليومية لك؟ هل تعرف وزن هذا الشخص؟ هل قام باجراء الفحوصات المطلوبة؟ هل اطلعت على المشاكل التي تسببها حمية كهذه على المدى البعيد في الكلية أو نسبة الكولسترول في الدم؟ لا تستخف حتى بنصحية كهذه وتتقبل أن تتلاقها من شخص غير مختص[1].

كثيرٌ من هؤلاء سينصحونك بتناول أكثر من 3000 سعرة وهو ما يفوق معدل استهلاكك اليومي للسعرات الحرارية حتى مع التمارين الرياضية، يقدمون ذلك نتيجة لنظرة نمطية فقط دون النظر الى وزنك المثالي وحركتك اليومية وحاجتك للسعرات الحرارية وطبيعة التمارين الرياضية التي تقوم بها.

قامت الدنيا ولم تقعد عندما ظهر الفريق الأمريكي للسباحة وهو يحمل علامات للحجامة في الاولمبياد، حتى صار البعض يعزو نجاح السباح الأمريكي مايكل فيليبس للحجامة وهو الذي أحرز بطولاته السابقة كلها دون حجامة. وفي الحقيقة إن الحجامة لا تأثير لها إلا بشكل بجميع ما يتداوله هؤلاء[2] بخلاف الذين ما زالوا يعتقدون بوجود الدم الفاسد وفق طب جالينوس المنقرض حتى  جعلوها مفتاحاً لعلاج عدد لا يحصى من الحالات تصل الى معالجة السرطان!

التحذير من خلط البروتينات مع الكاربوهيدرات هو مثال آخر نقدمه لنصائح الرياضيين وقد كتبنا عنه سابقاً في العلوم الحقيقية، حيث يحذر هؤلاء من خطورة خلط البروتينات مع الكاربوهيدرات على زيادة الوزن بشكل مضحك وذلك عبر تخمر هذه المواد في المعدة سوية وتحول المعدة الى بيئة قاعدية ومن ثم زيادة الوزن.

بطبيعة الحال لا ينظر الرياضي أو أصحاب النصائح الصحية لهذه الأمور والاعتبارات ولا ينظرون للحالات المختلفة ويفتقرون للنظرة التشكيكية إلا بطريقة واحدة، “التشكيك لجذب الانتباه”.

التشكيك لجذب الإنتباه

تحت الطبقة غير المختصة من الرياضيين هناك طبقة أخرى من المعتقدات الشعبية حول جسم الانسان وهي تمثل طبقة أكثر جهلاً وتخلفاً وضرراً بنصائحها، فقد تتسبب النصائح الشعبية من شخص يمتلك الكثير من الدهون بأضرار في العمود الفقري لشخص سمع نصيحة الأول في القيام بـ 400 تكرار في اليوم لعضلات البطن بشكل جعل ظهره يحتك بشكل خاطئ وضار بالأرض وبشكل مستمر.

هنا سيلعب الرياضي دور البطل، ستجد مئات الفيديوهات التي يلعب فيها الرياضي الناصح دور المشكك وهو يدحض المستوى الأول من الخرافات وبذلك ينال المزيد من المكانة، سيتعدى بعضهم دوره لينقل بعض الحقائق الرصينة من أبحاث لم يقم بها هو ولم يستشهد بها ويذكرها وربما لم يفهمها كما ينبغي لكنه يكتسب بها المزيد من المشاهدات التي تجذب له المال والشهرة. ولا نستثني من ذلك السلوك إلا قلة قليلة من الذين كان التخصص لديهم هو المادة الأساسية وليس الكاميرات الباهضة ودعايات المكملات والملابس الرياضية.

القليل من الدراسات

هناك قلة من مشاهير الرياضيين في الأنترنت ممن يقدمون النصائح ويعتمدون على الدراسات حول الرشاقة وصحة الجسد والتغذية وتطوير اداء الجسم (مع تحفظنا الشديد على دور هؤلاء في هذه المجالات)، فأغلب الموجودين يتكلمون بثقة كبيرة جداً لكنها لا تستند الى أي شئ سوى “تجاربهم” الشخصية. بالمقابل فإن هذه المجالات التي يتكلم عنها الرياضيون لم تعد بمنأى عن العلم التجريبي الذي يتكلم بثقة أقل بكثير مما يتكلم به هؤلاء. هناك دراسات اليوم حول كافة الجوانب الصحية لأنظمة الحمية المختلفة، ودراسات على التمارين والرياضات المختلفة والاداء الرياضي من القوة الى السرعة الى التحمل الى حجم العضلات. كثير مما ستسمعه ستجده بشكل مؤكد أكثر وواضح أكثر في الدراسات ودون الحاجة لنصائح قائمة على التجارب ومبدأ الشيخ والتلميذ.

لكن ماذا لو اعتمد هؤلاء الرياضيون على الدراسات؟ وهي حالة واردة أيضاً. لن يكون الأمر سيئاً، لكن يبقى الرياضي مقيداً في قراءته للدراسة بمجالات متعددة فهو لا يجب أن يتعدى الأمر في نصائحه القائمة على الدراسات نحو أشياء لن يكون من الكافي أن تكون قد سمعت بها فقط، لا يكفي ان تسمع بالاحماض الامينية المختلفة ودور كل منها لكي تصبح خبيراً بالتغذية، ولا يكفي أن تقرأ دراسة واحدة تخبرك أن الحرمان من الطعام ليومين سيكون جيداً لعدد معين الحالات لكي تصرح بفيديو يشاهده مليون شخص بأن قطع الطعام لأيام جيد للصحة.

التدليس، المنجزات غير الحقيقية والتباين بين الأشخاص

خفض سقف الطموح وخفض أيضاً من نظرتك لإنجاز الشخص الذي يتكلم أمامك، فهناك احتمالات عديدة لقيامه بالأمر بشكل لا تستطيع القيام به مثل:

1-      الاعتماد على المواد غير القانونية والخطرة:

وفقاً لموقع وزارة العدل الأمريكية وبالاشارة الى احدى الدراسات فإن أكثر من مليون أمريكي أو 0.5% من البالغين قالوا أنهم استخدموا الستيرويدات. ووصل الأمر الى مراهقين في المرحلة المتوسطة (من المرحلة الثامنة الى العاشرة) يقومون باستخدام هذه المواد وبنسبة غير قليلة من فئة المراهقين. ما يُهمنا هنا، أن كثير من هؤلاء لا يصرحون بدور تلك المواد الخطرة في تقدمهم في بناء الأجسام والحصول على الجسم المثالي الرشيق والعضلي ، بل يعزوا هؤلاء الأشخاص ذلك إلى نجاحهم ومثابرتهم ويضعونك في خيبة أمل فلا يكون أمامك سبيلٌ سوى أن تتبع ما يقولون من نصائح قد لا تشكل الطريق الحقيقي الخطر الذي قاموا باتباعه[3].

2-      الاعتماد على طرق خطرة وغير صحية

بغض النظر عن الوسائل الواضحة الخطورة فهناك ما هو خطر لأنه يُعرض الجسم للكثير من الاجهاد أو للنقص في التغذية. يظهر طبيب عربي (باسم يوسف) ببروفايله في الفيسبوك مثلاً وهو يستعرض جسده الرشيق والصحي ليقول في الوقت نفسه بأنه أنهى حمية الماء لثلاثة أيام وهو يشعر بصحة جيدة جداً بعد أن أنهى تلك الحمية، كما يذكر في منشوره الطويل دور حميته النباتية في حصوله على ذلك الجسد.
لن نشكك هنا ونقترح بأن الطبيب حصل على جسده نتيجة استخدام الستيرويدات، لكن هل من الصحيح أن تخلق هذا النوع من الاقتران بين جسدك الصحي وبين حمية الماء؟ هل تعلم بأنها قد تؤدي لخسارة الكتلة العضلية لتفكيكها من قبل الجسم نتيجة التضور جوعاً؟ ماذا عن الهبوط في الضغط والمخاطر الأخرى[4]؟ ستخسر وزناً بالتأكيد لكن مقابل ماذا؟ مع ذلك ننوه أن خطورة الأمر ليست بنفس الدرجة فهناك حميات تتخذ هذه التسمية وتقدم المواد الغذائية المطلوبة بشكل ما معه وليس الاعتماد على الماء فحسب.

من الأمثلة ايضاً على النصائح الخطرة والمعتمدة من قبل طائفة كبيرة من الرياضيين هي بدلات فقدان الوزن المصنوعة من البلاستيك والتي ينصح بارتداءها من قبل بعض المدربين مع الركض في الجو الحر ولفترات طويلة مما يؤدي الى مستوى خطير من الجفاف. فقدان الوزن الناتج من هذه العملية سيكون صادماً لكنه زائف ومؤقت وسيتم استعادته كلياً حالما يستعيد الجسم ما يحتاجه من الماء. على النقيض من المناهج العلمية لفقدان الوزن التي تنصح غالباً بشرب كمية كافية من الماء.

3-      التباين بين الصفات الجسدية في الأفراد

لا يُشترط أن تكون قادراً على القيام بما سيقوم به الأشخاص الذين يظهرون في الفيديو، هناك اختلافات بيولوجية بين الأفراد وبين الأعراق أيضاً[5]، ما تحتاج الى المنشطات للقيام به على أكمل وجه، يمكن لغيرك أن يمتلك ذات الهورمونات المحفزة للقدرة الجسدية في ذلك الجانب دون منشطات. هناك أشخاص يحاولون كسب الوزن وأشخاص يحاولون خسارة الوزن، هناك تصنيفات عامة عديدة للجسم ليست معتمدة الى حد كبير علمياً لتنوعها وعدم الحسم بسهولة فيها لكنها موجودة بشكل واضح، مثل تصنيف انواع الجسم (SOMATOTYPES) للطبيب والفسيولوجي الأمريكي ويليام شيلدون (William H. Sheldon)[6].  ولا يعني ذلك تثبيط جهودك للقيام برياضة معينة وأنك لن تبلغ ما تريد في هذه الرياضة، بل هو فقط يعني أنك قد تحتاج للمزيد من الجهود.

الموت أيضاً وارد باتباع  نصائح الرياضيين

قد يصل الأمر باتباع نصائح الرياضيين ومكملاتهم الى الموت حتى. وهذا ما حدث لغينت ويكفيلد (Ghent Wakefield) نجم المصارعة الاستعراضية الذي ترتفع الشكوك حول وفاته نتيجة جرعة زائدة من الانسولين. أصيب ويكفيلد وترك التمارين الرياضية لفترة وبعد تعافيه جزئياً من الاصابة عاد للتمارين بشكل مكثف مع استخدامه للستيرويدات لكي يستعيد هيئة جسده ولياقته بشكل سريع، وعادة ما يقوم الرياضيون باستخدام حقن الانسولين مع الستيرويدات أو مع تعاطيهم لحقن هورمون النمو بسبب مقاومة الانسولين التي تسببها الجرع الزائدة من هذه الهورمونات[7]. وبطبيعة الحال فإن هؤلاء ولكونهم على غير دراية بمخاطر الانسولين فهم يعانون من حالات مماثلة تصل الى الاغماء أو الوفاة. والكثير من هذه الحالات ليس موثقاً ونحن نسمع عنها في الشرق الأوسط حيث يضعف التوثيق والاحصائيات، لكن حالة ويكفيلد نبهت الناس لما يجري نظراً لشهرته وللصدى الذي احدثته وفاته[8].

راجع المقال: علي البهادلي

المصادر:

[1] Low-Carb, High-Protein Diets: Risks (Ketosis) and Benefits, webmd.com, 3/13/2018

[2] Cupping Therapy, Webmd.com

[3] A Guide for Understanding Steroids and Related Substances, U.S Department of Justice, March 2004

[4] Water Fasting May Worsen Several Medical Conditions, healthline.com

[5] Rohrmann, Sabine, et al. “Serum estrogen, but not testosterone, levels differ between black and white men in a nationally representative sample of Americans.” The Journal of Clinical Endocrinology & Metabolism 92.7 (2007): 2519-2525.

[6] THE 3 SOMATOTYPES, University of Houston, Center for wellness without borders

[7] Daniel van Raalte, Michaela Diamant, “Steroid diabetes – Other types of diabetes mellitus”, Diapedia, The Living Textbook of Diabetes, reviewed at: 3/13/2018

[8] JACK CROSBIE, “35-Year-Old Bodybuilder’s Sudden Death Raises Questions About Insulin Use”, menshealth.com, NOVEMBER 21, 2017