حينما نفكّر بخصوص أذكى الحيوانات، فأول ما يتبادر إلى أذهاننا عادةً هي الشمبانزيات. حيث تظهر التجارب بأنها تستطيع حفظ تسلسل الأرقام، وتعلّم معاني الكلمات بالإضافة إلى ربط أصواتٍ معيّنة بوجوهٍ محددة. والأهم من ذلك، فقد وجدت دراساتٌ سابقةٌ بأنَّ الشمبانزي والقرود الأخرى هي الحيوانات غير البشرية الوحيدة القادرة على تكوين استدلالاتٍ منطقيّةٍ مجرّدة بناءاً على تلميحاتٍ من بيئاتها.

وبالرغم من ذلك، فإنَّ تجربةً جديدةً قد تجعلنا ندرك بأنَّ صنفاً مختلفاً بالكامل ينتمي إلى هذه المجموعة الحصرية، ألا وهو الببغاء الرمادي الأفريقي.

زعمَ الباحثون في عدّة تجارب سابقة بأنهّم قد اكتشفوا قدرة الببغاوات على تكوين الإستدلالات بناءاً على مهارتها في إنجاز مهمةٍ بسيطةٍ للغاية. حيث عُرض زوجٌ من العلب الصغيرة المغلقة على الحيوانات، أحدهما يحوي على طعامٍ بداخله أما الآخر فهو فارغ. وكان سقف العلبة الفارغة مفتوحاً قليلاً. وبعد ذلك، حينما أُتيحت لهم الفرصة لاختيار أحداهما أو الأخرى، فإنهم قد اختاروا، وبشكلٍ موثوق، العلبة التي تحتوي على الطعام. ومع ذلك، فإنَّ النقاد قد قالوا بأنَّ هذا لا يبيّن بالضرورة أي نوعٍ من التفكير الإستدلالي، لأنَّ بإمكانهم ببساطة تجنّب العلبة الفارغة، بدلاً من إدراك أنَّ خلوّها من الطعام يدل على وجوده في العلبة الأخرى.

ومع ذلك، ففي الدراسة الجديدة التي نُشرت البارحة (نُشرت المقالة الأصلية في الثامن من آب من سنة 2012) في وقائع الجمعية الملكية ب، أعطى باحثون من جامعة فيينا لستّة ببغاواتٍ رماديةٍ مهمّةً أكثر تعقيداً بقليل. حيث قام الباحثون برجّ واحدةٍ من العلب فقط، بدلاً من إظهار علبة فارغة وأخرى ممتلئة لهم، فتمكّنت الببغاوات من سماع صوت خشخشة الجوز في داخل العلبة أو سكون الأخرى.

وعند إتاحة الفرصة لاختيار علبة، فقد قامت الببغاوات، وبشكلٍ مستمر، باختيار العلبة التي تحتوي على الجوز، سواء سمعوا صوت رجّ أيٍّ من العلبتين. ولذلك، فقد كانت الببغاوات قادرة على تحديد أن رجّ العلبة الذي يُحدث صخباً يعني أن “هنالك طعامٌ في الداخل” وأن الرجّ الذي لا يُحدث صخباً يعني أنَّه ” لا يوجد طعامٌ في الداخل، لا بد من وجوده في العلبة الأخرى”.

ولتأكيد أن الببغاوات كانت قادرة بالفعل على تكوين استدلالاتٍ بشأن مكان الطعام، وليس مجرّد اجتناب الصندوق الذي لا يُحدث صخباً، فقد وضع الباحثون تغييراً إضافياً على المهمّة. حيث قاموا بارتداء مكبرات صوتٍ صغيرةٍ على معاصمهم تبعث صوت ضجيج رجّ العُلب بدلاً من استخدام العُلب الحقيقية لإحداث الضوضاء. وفي بعض الأحيان كانوا يقومون برجّ الصندوق بيدهم اليمنى، ولكنهم كانوا يبعثون ضجيج الرجّ من خلال مكبّر صوتٍ على معصمهم الأيسر، وفي أحيانٍ أخرى كانوا يشغلون الصوت من الجانب الصحيح. فكانت الببغاوات تقوم بالاختيار الصحيح فقط على أساسٍ ثابت حينما يكون الصوت متّسقاً مع الرجّ – لذا فإنَّ استنتاجهم لم يكن يستند على تلميحاتٍ بصريّة وسمعيّة فحسب، ولكن من خلال ملاحظة الإرتباط بين هذه التلميحات أيضاً.

ومع أنَّ هذا قد لا يبدو مثيراً للإعجاب لتلك الدرجة، ولكن ليس هنالك أنواعٌ أخرى غير الرئيسيات قادرةٌ على إكمال هذا النوع من المهام بنجاح، والبشر غير قادرين عادةً على فعل هذا إلى أن يصلوا الثلاث سنوات من العمر. حقيقة أنَّ الببغاوات كانت قادرةً على اتخاذ هذا النوع من الأحكام بناءاً على الأصوات المرتبطة بالطعام – وأيضاً المرئيات التي من الممكن منطقياً أن تُنتج تلك الأصوات – تؤكّد على أنها قادرةٌ بالفعل على التفكير الاستدلالي المجرد. يقول كريستيان شلوجيل (Christian Schloegl)، المؤلّف الرئيسي لموقع LiveScience “من المقترح أن الببغاوات الرماديّة لديها بعض الفهم للسببيّة وأن بإمكانها استخدام هذا لغرض التفكير بشأن العالم”.

والأمر الأكثر إثارةً للاهتمام من المنظور التطوّري، هو حقيقة أن الببغاوات ليست قريبةً لتلك الدرجة من الأساسيّات، لذا فمن المحتمل أن قدرتهم على التفكير قد تطوّرت بشكلٍ منفصل. يقول شلوجيل: “إنَّ الأمر الأكثر أهميّةً هو أن الذكاء العالي ليس بشيءٍ قد تطوّر لمرّةٍ واحدة، حيث أنَّ مهارات المقارنة الإدراكيّة قد تطوّرت لبضعة مرّاتٍ بشكلٍ موازٍ في الأنواع بعيدة الصلة فقط، مثل الأساسيّات والطيور”.

المصدر:

Joseph Stromberg, “African Grey Parrots Have the Reasoning Skills of 3-year-olds“, SMITHSONIAN.COM, AUGUST 8, 2012