كيف يجعلنا التنوع أكثر ذكاءً؟ أن نكون مع أشخاص يختلفون عنا، فإن ذلك يجعلنا أكثر ابداعاً واجتهاداً في العمل.
موجز
تبين عشرات السنوت من البحوث التي قامت بها المؤسسات العلمية، وعلماء النفس والاجتماع، والاقتصاديون، والديموغرافيين أن الجماعات المتنوعة اجتماعياً- التي لديها تنوع في العنصر والعرق والجنس والتوجه الجنسي- تكون أكثر ابتكاراً من المجموعات المتجانسة. إذ يبدو واضحاً الآن أن مجموعة من الاشخاص ذوي الخبرة الفردية المتنوعة ستكون أفضل في حل المشاكل المعقدة وغير الروتينية من مجموعة متجانسة من الافراد. ولم يكن واضحاً من قبل أن التنوع الاجتماعي يجب أن يعمل بالطريقة ذاتها، حتى بين العلم ذلك. وهذا ليس فقط لأن الاشخاص ذوي الخلفيات المختلفة لديهم معلومات جديدة، بل لأنه مجرد التفاعل معهم يجبر اعضاء المجموعة على الاستعداد بشكل أفضل، وتوقع وجهات نظر بديلة ومختلفة، وأن التوصل إلى توافق في الآراء سيستغرق جهداً كبيراً.
إن أول ما يجب الاعتراف به بشأن التنوع هو، أنه من الممكن أن يكون صعباً. حتى في الولايات المتحدة حيث يتضمن الحوار تقدماً نسبياً، فإنه دون الاشارة لكلمة “التنوع” يمكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث قلق وصدامات.
يختلف قضاة المحكمة العليا بشأن فضائل التنوع والوسائل المستخدمه لتحقيقه. كما تنفق الشركات مليارات الدولارات لجذب وادارة التنوع داخلياً وخارجياً، لكنها مازالت تواجه دعاوي التمييز، وتبقى صفوف القيادة في عالم الاعمال يغلب عليها الطابع الذكوري الابيض.
ما الجيد في التنوع؟
تنوع الخبرات يقدم العديد من الفوائد الواضحة- أنت لن تفكر في صنع سيارة جديدة دون مهندسين ومصممين، وخبراء مراقبة الجودة- لكن ماذا عن التنوع الاجتماعي؟ ما هو الشئ الجيد الذي ينتج عن تنوع العنصر والعرق والجنس، والتوجه الجنسي؟
قد أظهرت الابحاث أن التنوع الاجتماعي داخل المجموعة الواحدة يمكن أن يسبب عدم الراحة وصعوبة التفاعل وانعدام الثقة، وزيادة الصراعات بين الافراد وحدوث اتصالات وتماسك أقل ومزيد من القلق بشأن الازدراء، وغير ذلك من المشاكل.
إذا ما هو الجانب الايجابي؟
الحقيقة أنك تحتاج إلى التنوع، إذا كنت ترغب في إنشاء فريق ومؤسسات قادرة على الابتكار. حيث أن التنوع يعزز الابداع ويشجع على البحث عن معلومات وآراء جديدة؛ مما يؤدي إلى تحسين عملية صنع القرار وحل المشكلات. كما أن التنوع يمكن أن يحسن من الهوامش الربحية للشركات، ويؤدي إلى اكتشافات غير محدودة وابتكارت جديدة. حتى مجرد التعرض للتنوع يكمن أن يغير الطريقة التي تفكر بها، ولا يعد هذا مجرد أمنيات بل استنتاج استخلصه باحثون وعلماء نفس واجتماع واقتصاديون، وديموغرافيين من بحوث استمرت لعشرات السنين.
المعلومات والابتكار
إن المفتاح لفهم التأثير الايجابي للتنوع هو مفهوم التنوع المعلوماتي. فعندما يتم وضع عدد من الاشخاص داخل مجموعة لحل مشكلة ما، فإنه يكون لديهم معلومات وآراء ووجهات نظر مختلفة. ويعد هذا أمر منطقي واضح عندما نتحدث عن تنوع التخصصات والخلفيات الفكرية (فكر مرة أخرى في الفريق متعدد التخصصات لصناعة سيارة). وينطبق المنطق ذاته ايضا على التنوع الاجتماعي، فالاشخاص المختلفون عن بعضهم البعض في العرق و الجنس أو أي اختلافات أخرى، لديهم معلومات وخبرات فريدة للتأثير على مهمتهم. قد يكون لدى المهندسين – ذكور أو إناث- وجهات نظر تختلف عن بعضهم البعض سواء كمهندسين أو فيزيائيين، ويعد هذا امراً جيداً.
كما أظهرت الابحاث في المؤسسات الابتكارية الكبيرة مراراً وتكراراً أن هذا هو الحال. على سبيل المثال:
درس المختصان بالاعمال (كريستيان ديسو Cristian Deszö) من جامعة ماريلاند University of Maryland، و (ديفيد روس David Ross) من جامعة كولومبيا Columbia University قائمة تتكون من 1500 شخص في شركة (ستاندرد آند بورز Standard & Poor’s)- والشركة تعكس سوق الأسهم الأمريكية بشكل عام- لمعرفة أثر التنوع بين الجنسين.
حجم ونوع الجنس في فريق الادارة العليا
درسا حجم ونوع الجنس في فريق الادارة العليا لدى الشركة من عام 1992 حتى عام 2006، ثم فحصا
الأداء المالي للشركة. فوجدا أن تمثيل المرأة في الادارة العليا، أدى إلى زيادة 42 مليون دولار من دخل الشركة في المتوسط. كما قاسا أيضاً مدى الابتكار داخل الشركة من خلال معرفة نسبة نفقات البحث والتطوير للأصول.
فوجدا أنه عندما كانت النساء ضمن صفوف القيادة العليا، أعطت الشركة أولوية للابتكار وشهدت مكاسب مالية أكبر.
التنوع العرقي
كذلك التنوع العرقي يمكنه أن يحقق النتائج ذاتها. في دراسة أجراها (أورلاندو ريتشاردOrlando Richard)، استاذ الادارة في جامعة تكساس University of Texas في دالاس Dallas وزملاؤه عام 2003، حيث قاموا بعمل استطلاع رأي للمديرين التنفذيين في177 مصرف وطني في الولايات المتحدة، ثم جمعوا المعلومات. فوجدوا أنه بالمقارنة بين التنوع العرقي والأداء المالي، ومدى تركيز رؤساء البنوك على التنوع، وجد أن التنوع أدى إلى الابتكار. وكذلك زيادة التنوع العرقي متعلقة بشكل واضح بتعزيز الأداء المالي.
كما يمكن ايضاً الاستدلال على فوائد التنوع خارج الولايات المتحدة. حيث أصدر فريق من الباحثين من معهد أبحاث “كريدي سويس Credit Suisse” عام 2012، تقريراً بشأن فحص 2360 شركة حول العالم من عام 2005 إلى 2011 بشأن العلاقة بين الأداء المالي والتنوع بين الجنسين في مجالس إدارة الشركات. وجد الباحثون، بشكل مؤكد أن الشركات التي تضم واحدة أو أكثر من النساء في مجلس إدارتها حققت متوسط عوائد أعلى، وخفضت المديونية لديها، كما حققت معدل نمو أفضل.
كيف يثير التنوع الفكر؟
تضع دراسة مجموعة البيانات الكبيرة تلك معايير واضحة للتنوع: تظهر فقط أن التنوع يرتبط بأداء أفضل، لكنه لا يؤدي إلى أداء أفضل. فدراسة التنوع العرقي داخل مجموعات صغيرة، أدى إلى استخلاص بعض الاستنتاجات السببية. وجاءت النتائج واضحة مرة أخرى: يساعد التنوع داخل المجموعات على زيادة الابتكار واستخلاص أفكار جديدة.
في عام 2006، درس كل من (مارجريت نيل Margaret Neale) من جامعة ستانفوردStanford University، و(جريغوري نورثكرافت Gregory Northcraft) من جامعة إلينوي في إربانا- شامبين University of Illinois at Urbana-Champaign، و(كاثرين فيليبس Katherine W. Phillips) من جامعة كولومبيا Columbia University، تأثير التنوع العرقي على عملية صنع القرار داخل مجموعات صغيرة حيث تبادل المعلومات شرطاً من شروط النجاح. كان المشاركون في التجربة طلاب في المرحلة الجامعية، يدرسون الأعمال التجارية في جامعة إلينوي.
تجربة علمية حول التنوع
تكونت كل مجموعة من ثلاثة أشخاص، واحدة يتألف جميع أعضائها من البيض، و الأخرى بها إثنين من البيض وشخص أسود. وطلب منهم حل لغز جريمة قتل. تم التأكد من حصول جميع المشاركين على معلومات مشتركة، لكن أيضاً تم اعطاء كل عضو قرائن هامة لا يعرفها سواه. يجب على الجميع تبادل المعلومات التي لديهم أثناء المناقشة؛ لمعرفة من ارتكب جريمة القتل.
النتيجة
تفوقت الجماعات ذات التنوع العرقي إلى حد كبير عن تلك التي لم يكن بها تنوع. إن وجودنا مع من يشبهوننا يقودنا جميعاً الى أن نحتفظ بالمعلومات ذاتها ونتشارك وجهات النظر نفسها. ومن هذا المنطلق فإن العوامل التي أوقفت فاعلية معالجة المعلومات في مجموعات البيض، هى ذاتها ما تعيق عملية الابداع والابتكار.
تجربة أخرى حول تأثير التنوع
وجد باحثون آخرون نتائج مشابهة. ففي عام 2004، تعاون (أنتوني ليسينج أنطونيو Anthony Lising Antonio) – أستاذ في كلية الدراسات العليا في جامعة ستانفورد Stanford Graduate School of Education- مع خمسة من زملائه- من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس University of California, Los Angeles- وغيرهم من المؤسسات؛ لدراسة التأثير العرقي على تكوين الرأي من خلال مناقشات أجريت داخل مجموعات صغيرة. شارك في تلك الدراسة أكثر من 350 طالبً من ثلاث جامعات مختلفة.
طُلب من المشاركين في التجربة مناقشة بعض القضايا الاجتماعية السائدة مثل (عمالة الاطفال أو كيفية تنفيذ عقوبة الاعدام) لمدة 15 دقيقة. فكتب الباحثون آراء مختلفة، وكان على أفراد المجموعات سواء البيض أو السود إيصالها إلى مجموعاتهم. وعندما قدم شخص أسود رأي مخالف إلى مجموعة البيض، كان يُأخذ بشكل جديد غير مألوف؛ مما أدى إلى توسع في التفكير والنظر إلى بدائل أخرى، عما كان سيقدم شخص أبيض هذا الرأي المخالف ذاته.
الاستنتاج
عند سماع رأي معارض لنا من شخص يختلف عنا، فإن ذلك يثير الفكر بشكل أكبر مما يحدث عند سماعه ممن يشبهنا.
بالاضافة لذلك، فإن هذا التأثير لا يقتصر على أساس العرق فقط. على سبيل المثال: طلب العام الماضي كل من: (دينيس لوين لويد Denise Lewin Loyd)- استاذة الادارة في جامعة إلينوي- و(سينثيا وانغCynthia Wang ) – من جامعة ولاية أوكلاهوما Oklahoma State University- و(روبرت لونت Robert B. Lount) – من جامعة ولاية أوهايو Ohio State University- و (كاثرين فيليبس Katherine Phillips) – من جامعة كولومبيا Columbia University- من 186 شخص من الحزب الديقراطي والجمهوري دراسة لغز لجريمة قتل، ومن ثم تقرير الذي يُعتقد بأنه ارتكب الجريمة. وطلب منهم بعد ذلك الاستعداد لعقد اجتماع مع أعضاء المجموعة الأخرى بكتابة مقال لتوضيح وإيصال رأيهم. الاهم من ذلك، أنه في جميع الحالات أُخبر المشاركين أن شركائهم لا يتفقون معهم في الرأي، وأنهم سيحتاجون إلى التوصل لإتفاق مع شخص آخر. كان نصف المشاركين الذين تم إخبارهم بذلك من أحزاب معارضة، والنصف الآخر من الحزب ذاته.
النتيجة:
استعد الديمقراطيون الذين قيل لهم أن زملائهم الديقراطيين معارضون لهم بشكل أقل، عن الذين قيل لهم أن الجمهوريين يختلفون معهم. كما أظهر الجمهوريون السلوك نفسه. عندما يأتي الاختلاف من شخص مختلف عنا اجتماعياً، فإن ذلك يحث على العمل بجد أكثر. حيث يستفزنا التنوع لاتباع سلوك معرفي، بطرق لا تحدثها المجانسة.
لهذه الاسباب، فإن التنوع يؤدي لارتفاع جودة البحوث العلمية. في عام 2014، درس (ريتشارد فريمان Richard Freeman)- أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد ومدير مشروع القوى العاملة للعلوم والهندسة في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية جنباً إلى جنب مع (وي هوانغ Wei Huang) طالب الدكتوراة في الاقتصاد في جامعة هارفارد، الهوية العرقية لمؤلفي 1.5 مليون ورقة علمية كُتبت بين عامي 1985 و2008 باستخدام موقع “تومسون رويترز للعلوم Thomson Reuters’s Web of Science”- قاعدة بيانات شاملة لنشر البحوث. وجدوا أن الاوراق التي كتبها مجموعات مختلفة، بها مزيد من الاستشهادات، ولها عوامل تأثير أعلى من تلك التي كتبها أشخاص ينتمون لمجموعة عرقية واحدة. وجدوا ايضاً أن الأوراق الأكثر تأثيراً ارتبطت بالتنوع الجغرافي واختلاف أماكن المؤلفين، وكذلك وجود عدد أكبر من المراجع ، هو انعكاس لتنوع ثقافي أكبر.
قوة التوقع
التنوع لم يعرض فقط وجهات نظر مختلفة. فإضافة التنوع الاجتماعي لمجموعة افراد، يجعلهم يعتقدون بأنه توجد بينهم اختلافات في وجهات النظر؛ مما يجعلم يغيرون سلوكهم ببساطة. حيث أكد اعضاء مجموعة متجانسة إلى حد ما أنهم سيتفقون مع بعضهم، وسيفهمون وجهات نظر ومعتقدات بعضهم البعض؛ وبالتالي سيتمكنون من التوصل لتوافق في الآراء. لكن عندما لاحظوا أنهم مختلفون اجتماعيا، تغيرت توقعاتهم، واعتقدوا بوجود خلافات في الرأي. وافترضوا انهم بحاجة إلى العمل بجد أكثر للتوصل إلى توافق. يساعد هذا المنطق في التفكير على تفسير الجانب الايجابي والسلبي للتنوع الاجتماعي: الناس تعمل بجد في البيئات المتنوعة سواء اجتماعياً أو معرفياً. قد لا يرغبون بذلك، لكن العمل الجاد يؤدي إلى نتائج أفضل.
تجربة تأثير التنوع حول قضايا الأعتداءات الجنسية
وجد (صموئيل سومرز Samuel Sommers) – استاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة تافتس Tufts University- في دراسة أجرها عام 2008 لعملية صنع القرار في هيئة المحلفين، أن الجماعات المتنوعة والمختلفة عرقياً قد تبادلت مجموعة واسعة من المعلومات أثناء المداولات حول قضايا الاعتداءات الجنسية، بشكل أفضل من الهيئة التي يتكون جميع اعضائها من البيض. حيث قام (سومرز) بالتعاون مع القضاة ومسؤولي هيئة المحلفين، بعمل محاكمات وهمية مع مجموعة من المحلفين الحقيقين في محكمة ميشيغان Michigan courtroom. برغم معرفة المشاركين بان هيئة المحلفين صورية وبأنها تجربة تحت إشراف المحكمة، إلا أنهم لم يعرفوا أن الغرض الحقيقي من البحث كان دراسة تأثير التنوع العرقي على عمليات صنع القرارفي هيئة المحلفين.
تتكون هيئة المحلفين من 6 اشخاص. مجموعة منهم جميع اعضائها من البيض، ومجموعة أخرى أربعة من أعضائها من البيض وإثنين من السود. وكما هو متوقع فإن هيئة المحلفين المتنوعة كانت أفضل من حيث النظر في وقائع القضية، وارتكبت اخطاء أقل، كما عرضوا معلومات مختلفة ذات صلة، وأظهروا مزيداً من الاستعداد لمناقشة دور العرق في القضية. لم تحدث تلك التحسينات بالضرورة لأن هيئة المحلفين السود قد احضرت معلومات جديدة إلى المجموعة، لكن حدثت لأن المحلفيين البيض قاموا بتغير سلوكهم في حضور المحلفين السود. فكانوا بوجود التنوع أكثر اجتهاداً وتفتحاً.
ممارسات المجموعات
بالاطلاع على السيناريو التالي: أنت شخص صيني تكتب جزء من ورقة لعرضها في المؤتمر الأمريكي القادم. يمكنك توقع بعض الخلافات والصعوبات المحتملة في التواصل؛ لأن مساهمتك أمريكية وأنت صيني. لكن وبسبب اختلاف اجتماعي واحد يمكنك التركيز على اختلافات أخرى بينك وبين شخص آخر- رجل أو إمرأة- مثل ثقافته واسلوب تنشئته، وخبراته. اختلافات لايمكنك أن تتوقعها مع مشارك صيني آخر.
كيف يمكنك الاستعداد لهذا الاجتماع؟ – في جميع الاحتمالات سوف تعمل بجد لشرح وجهة نظرك وتتوقع وجود بدائل أكثر عن تلك التي كنت على تعارض معها.
هذه هى الطريقة التي يعمل بها التنوع: التشجيع على الابداع والعمل الجاد، عن طريق دراسة البدائل حتى قبل حدوث أي تفاعل بين الافراد. يمكن اعتبار الجهد المرتبط بالتنوع كما الجهد المرتبط بالرياضة، فأنت تقوم بممارسة الرياضة لكي تنمو عضلاتك، وكذلك التنوع للابتكار والابداع.
وكما يقال في الأثر: يذهب الألم، وتبقى مكاسبه. وبالطريقة نفسها نحن بحاجة إلى التنوع في مختلف الجماعات، والمنظمات، والمجتمع ككل إذا أردنا التغيير والنمو والابتكار.
المصدر
http://www.scientificamerican.com/article/how-diversity-makes-us-smarter/
ترجمة: إسراء بدوي