ترجمة[1]: وسن ناصر

حتى عهدٍ متأخر، ركزت معظم الدراسات حول التجريد من الإنسانية على كيف أن اعتبار أشخاص أو جماعات من الناس على أنهم “أقل من بشر” يؤدي إلى أفعال لا أخلاقية. ومع ذلك، فقد اقترح بحث في علم النفس إمكانية تجريد أنفسنا من الإنسانية، ضمن حلقة مفرغة نمارس من خلالها سلوكًا معاديًا للمجتمع فنعتبر أنفسنا أقل إنسانية ثم يؤدي ذلك إلى تصرف أكثر معاداة للمجتمع من السابق.

يقول الباحث كايل دوبسون،  طالب الدكتوراه بكلية كيلوج للإدارة في جامعة نورث وسترن “أن إعفاء أنفسنا من القدرة على امتلاك النوايا أو وضع الخطط أو تطبيق السيطرة على النفس قدّ يؤثر على المسؤولية التي نشعر بها وكأننا نتحملها تجاه سلوكنا غير الأخلاقي نحو الآخرين”.

وذكر دوبسون وجود نوعان من التجريد من الإنسانية. التجريد من الإنسانية الحيواني والذي ينطوي على اعتبار أنفسنا والآخرين غير قادرين على القيام بعمليات ذات مستوى أعلى كالسيطرة على النفس، بينما يُعد التجريد من الإنسانية الآلي أقرب إلى الطريقة التي نفكر بها حول الروبوتات والأشياء الأخرى التي لا تمتلك مشاعرًا.

أجرى دوبسون، بالتعاون مع أستاذي علم النفس مريم كوشاكي وآدم وايتز من جامعة نورث وسترن، دراسة حول العلاقة بين تجريد الذات من الإنسانية والسلوك اللاأخلاقي، وذلك من خلال سلسلة من ثمانية دراسات.

في الدراسة الأولى، طلب من 156 مشاركًا كتابة تفاصيل عن وقت قاموا فيه بفعل شيء أخلاقي، أو غير أخلاقي، أو في حالة محايدة، وكيف قضوا أمسياتهم في كل حالة. بعد ذلك، أجاب المشاركون على مجموعة من عشرة أسئلة تتعلق بمقاصد أفعالهم ومدى قدرتهم على إدراك مشاعرهم وتفاعلهم مع المواقف. ووجدت الدراسة أن المشاركين الذين وصفوا أفعالهم غير الأخلاقية شعروا بأن لديهم “قدرات إنسانية” أقل مقارنة بالأفعال التي كانت أخلاقية أو محايدة.

في دراستين تابعتين، أظهر 441 مشاركًا نمط استجابة مشابهًا، سواء عندما اقتصر الفعل على الكذب  أو عندما قرأوا ببساطة قصة من منظور الشخص الأول عن الغش أثناء الامتحان.

بالإضافة إلى ذلك، عندما قرأ 153 مشاركًا قصة عن الغش أو عدم الغش أو مجرد الرسوب في الامتحان، وجد الباحثون أن أولئك الذين كانوا في مجموعة التجربة السلبية رأوا أنفسهم بشرًا بعد الرسوب في امتحان افتراضي، تمامًا مثل أولئك في مجموعة السلوك الأخلاقي. وهذا يشير إلى أن زيادة التجريد من الإنسانية الذاتية التي وُجدت في الدراسات السابقة كانت رد فعل على السلوك اللاأخلاقي، بدلاً من كونها استجابة عاطفية أكثر عمومية لتجربة سيئة.

وبعد التأسيس لإمكانية أن يزيد السلوك اللاأخلاقي من تجريد الذات من الانسانية، أجرى الباحثون مجموعة أخرى من الدراسات المصممة لاختبار فيما إذا كان العكس صحيح ايضًا (أي أن نزع الصفة الإنسانية من الذات يؤدي إلى سلوك لا أخلاقي).

وفي كل الدراسات على السواء، أكمل المشاركون مهمة الكتابة الموضحة أعلاه قبل إجراء المداولات حول اختيارٍ أخلاقي. ووجد أن الأشخاص الذين هم في حالة تجريد الذات من الإنسانية أكثر كذبًا عندما طُلب منهم أن يبلغوا ذاتيًا عن نتائج رمي العملة في الهواء مقابل المال، وأكثر ميلًا لتعيين شركاء لأداء المهمة الأصعب من بين مهمتين متاحتين.

واخيرًا، اختبر الباحثون نموذجهم الكامل لتجريد الذات من الإنسانية على مجموعة من ٤٣٩ طالبًا. في هذا الاختبار، تنبأ المشاركون فيما يبدو لهم رميًا عشوائياً للعملة. ودون علمهم، عُدلت النتائج لمجموعة الحالة الحيادية لتكون تنبؤات المشاركين دائمًا مطابقة لرميات العملة النقدية. بينما في مجموعة حالة احتمالية الغش، عُدلت النتائج لتكون دائمًا غير متناسقة مع رميات العملة متبوعة برسالة مغلوطة تفيد بصحة توقع أفراد المجموعة هذه.

وضع خياران أمام مجموعة حالة الغش: فإما أن ينقروا صندوقًا على الشاشة للتبليغ عن “خلل تقني” أو بأمكانهم أن يجمعوا جائزة قدرها ٢$ بصورة غير شرعية لكل تنبؤ دقيق. ١٣٤ مشاركًا من أصل ٢٩٣ ينتمون لهذه الحالة اختاروا أن يأخذوا الأموال.

بعد الإبلاغ عن مستوياتهم في تجريد أنفسهم من الإنسانية وإكمالهم لمهمة الملء، أكمل المشاركون اختبار جناس (إعادة ترتيب كلمة أو عبارة ما لإنتاج كلمة أو عبارة أخرى تختلف في المعنى)، أتاح هذا الاختبار لمجموعة الغش أن يقدموا تقريرًا خاطئًا حول النتائج. وكما توقع الباحثون، فقد أبلغ الأشخاص الذين اختاروا أخذ اموال لا يستحقونها في الاختبار الأول عن مستوى أعلى لتجريد لأنفسهم من الانسانية، وايضًا كانوا أكثر عرضة للغش في المهمة الأخيرة.

بّين الكتاب أنه وفي حين وجود تباين في قوة التأثيرات، إلا أن نمطًا متسقًا قد ظهر في الدراسات الثمان كلها.

“يوضح بحثنا كل من عواقب السلوك الأخلاقي – تجريد الذات من الإنسانية – ويشرح بأن هذا التجريد من الإنسانية يمكن أن يُسهل السلوك اللاأخلاقي مستقبلًا”.

كذلك تناقض نتائج هذا البحث ما توصلت إليه البحوث السابقة التي تقترح أن تجريد الذات من الإنسانية الناشئ عن نبذ الآخرين اجتماعيًا قد ينبئ عن سلوك أخلاقي تعويضي. ويقدم المؤلفون تفسيرًا واحدًا لهذا الاختلاف، وهو أنه في حين الاستسلام لإغراء الكذب أو الغش لأجل المال يمثل فشلًا في التنظيم الذاتي في المجال الأخلاقي، قد لا يوجد اغراء مماثل لنبذ الآخرين.

[1] المقال الأصلي: How Self-Dehumanization Spirals Into Unethical Behavior