حقيقة أم زيف: هل الاستماع إلى موزارت يجعل الأطفال أذكى؟ عند سماعنا لمصطلح “تأثير موزارت”، نتخيّل امرأة حاملا واضعة سماعات على بطنها تسمع جنينها موسيقى كلاسيكية بهدف زيادة مستوى ذكاءه. لكن ما مدى صحة هذا الاعتقاد؟ كان مقال (Musical and Spatial Task Performance) نشر سنة 1993 في دورية نايتشر هو أوّل من قدّم ظاهرة “تأثير موزارت” للعامة. إذ قامت عالمة النّفس فرانسس روشير بدراسة شارك فيها 36 طالبا جامعيّا حيث استمع بعضهم إلى 10 دقائق من سوناتا موزارت على سلّم ري كبير (sonata in D-major) بينما لم يستمع آخرون إلى شيء واكتفوا بالصمت، قبل إجراء اختبارات لتقييم ذكائهم المكانيّ (Spatial Intelligence). في إحدى الاختبارات، تمّ سؤال المختبرين عن كيف يكون مظهر ورقة تمّ طيّها و قطعها بعد أن يتمّ فتحها. في هذا الاختبار بالذات، كانت نتائج الطلاب الذين استمعوا أولا لموسيقى موزارت أفضل من الآخرين بمعدّل 8 إلى 9 نقاط. لكن تمّ فهم وتأويل تلك النتائج بشكل مغاير من قبل عامة الناس. لم تفهم روتشر كيف تحوّل مقالها الذي يتحدث عن تأثير بسيط في الذكاء المكانيّ حدث لبضعة طلبة جامعيين ليصبح شبه حقيقة تخصّ الذكاء بمختلف أنواعه عند الرضع والأجنة. وهو ما يكشف إلى حدّ ما رغبة شديدة شبه يائسة عند الآباء بأن يجعلوا أبناءهم أكثر ذكاء. إضافة إلى اشتهار روتشر التي أصبح كلامها يقتبس على الأقراص المضغوطة الموسيقية، وظهور عديد المنتجات الجديدة المرتبطة التي تستغلّ تأثير موزارت، أمر زال ميلر -حاكم ولاية جورجيا الأمريكية- سنة 1998 بإعطاء أمهات الأطفال حديثي الولادة أقراصا مضغوطة للموسيقى الكلاسيكية في جميع أنحاء الولاية. وكانت رياض الأطفال بفلوريدا مطالبة بتشغيل موسيقى سنفونية للأطفال. أثناء بحثها في مدى تأثّر وسائل الإعلام بمقال روتشر مقارنة مع مقالات علمية أخرى نشرت في دورية نايتشر في تلك الفترة، وجدت دراسة سنة 2004 من جامعة ستانفورد أنّ أهم 50 صحيفة أمريكية ذكرت المقال 8.3 مرّات أكثر من ثاني أشهر مقال من تلك الفترة والذي ساهم عالم الفلك الشهير كارل ساجان في كتابته. ويرى الخبراء في ذلك تجلّيا لمعتقد سابق ظهر تحت اسم حتمية الرضيع (Infant Determinism)، حيث كان يعتقد أنّ هناك فترة حسّاسة محدّدة أثناء نمو الطفل هي المسؤولة عن مآله ومستقبله لبقية حياته. وهي بالتالي الفترة المناسبة لتعليم الطفل ولزيادة نسبة ذكاءه مثلا. إضافة إلى المعتقدات التي تؤكّد القوى النّافعة للموسيقى والتي لا تزال محلّ جدل. في منتصف القرن العشرين، اشتهر الطبيب الفرنسيّ آلفرد طوماتيس باستعماله العلاج الموسيقيّ مع أطفال مصابين بعسر القراءة (Dyslexia)، اضطراب نقص الانتباه مع فرط النّشاط (Attention-deficit Disorder) وحتّى التّوحد (Autism). فقد كان يعتقد أنّ الموسيقى لها تأثيرات مختلفة على الشخص بشرط أن لا تكون شديدة العاطفية أو مفرطة الإيقاع. فهي قادرة على التخلص من الضغط النفسي وتعديل المزاج. كما كان يعتقد أنّ الموسيقى قادرة على تحسين ذكائنا. سنة 1999 قام خبير علم النفس كريستوفر شابريس بتحليل 16 دراسة متعلّقة بتأثير موزارت لتأكد من مدى تـأثيره. ووجد أنّ الاستماع إلى موزارت يزيد من نسبة الذكاء بمعدل نقطة أو نصف، وذلك في اختبار الورقة المطوية فقط. ويعتقد أنّ التحسّن في الأداء يمكن تفسيره بكلّ بساطة بالتباين بين الظروف المختلفة للاختبار التي يمر بها الشخص. سنة 2007، نشرت الوزارة الفيديرالية للتربية والبحث بألمانيا دراسة أعلنت فيها أنّ ظاهرة تأثير موزارت غير موجودة. إذ لم تجد أدلة كافية على أنّ الأطفال الذين يستمعون إلى الموسيقى الكلاسيكية ستكون لهم تحسينات في قدراتهم المعرفية. روتشر نفسها التي تعمل الآن كأستاذ مساعد في علم النّفس بجامعة ويسكنسن تعتقد أنّ الأمر مجرّد خرافة. وتقترح أنّ الطريقة الأفضل لزيادة ذكاء الأطفال هي بوضع آلات موسيقية بين أياديهم وتعليمهم كيفية عزفها، عوض الاستماع السلبي للموسيقى. وتدعم كلامها بدراسة من سنة 1997 قامت بها جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلس التي وجدت أنّ من مجموع 25000 طالبا، فإنّ الذين كانت لهم هوايات موسيقية يتفوّقون أكثر في اختبار الكفاءة المدرسية (SAT) وفي اختبارات مهارة القراءة مقارنة بالطلبة الذين لا يعزفون آلات موسيقية. ورغم رفض المجتمع العلمي للفكرة الرّائجة، إلا أنّ هناك شركات لاتزال تستغل رغبة الآباء في جعل أبناهم أكثر ذكاء بطريقة سهلة، من خلال مجرد الاستماع لموسيقى. و يرى شابريس أنّ الخطر الأكبر لا يكمن في هذا النوع من التسويق التجاري، بل في رغبة الآباء في اختزال واجباتهم الأبوية التي فرضها التطور. فالتواصل الاجتماعي مع أبنائهم أكثر فاعلية في جعلهم أذكى، من الاستماع إلى موسيقى رجل نمساويّ توفي منذ قرون. المصدر: http://goo.gl/KBdEI6