يشهد القارئ العربي الآن عصرًا ثقافيًّا جديدا وحافلًا بالعلوم الحقيقية، فالصفحات والمواقع العلمية تتسابق في شرح الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية بالطرق المنهجية والدليل العلمي… هذه أخبار جيدة، لكن للأسف، لم تزل المفاهيم المغلوطة تحظى برعاية معظم وسائل الإعلام، بل حتى المناهج المدرسية. في ظل هذا التقدم العلمي غير المسبوق، يحتاج كل من القراء والكتَّاب والمترجمين أن يكونوا انتقائيين فيما يقرأون وما يكتبون وما يترجمون، وهذه المهمة ليست سهلة.

سوء الفهم الشائع بين المختصِّين وغيرهم فيما يتعلق بالأمراض الجسدية والاضطرابات النفسية وأسبابها هو أحد نتائج الموروث العلمي المشوَّه الذي قدمته معظم الكتب والمجلات العلمية العربية في العقود القليلة الفائتة. وهنا يأتي دور المترجم العربي العلمي في اختيار المادَّة التي تستحق الترجمة.. اختيارها من أكثر المراجع مصداقية ومنهجية وحداثة.

في هذا المقال نستعرض لكم أربعة من أهم الكتب الحديثة في مجال الطب عموما والطب النفسي خصوصا، والتي –إن تُرجِمت- ستغيِّر نظرتنا نحو العالم وتغير فهمنا لأنفسنا ولما يحدث لأجسادنا من مشكلات صحية لم يزل بعضها غامضًا.

1. لماذا نمرض؟ (? Why We Get Sick)

في قرابة 300 صفحة، يطرح الطبيب الأميركي وأخصائي الأحياء التطورية (Randolph Nesse) وبروفيسور الأحياء التطورية (George Williams) الكثير من الأسئلة حول طبيعة الأمراض الجسدية والنفسية، محاوليْن الإجابة عليها من أحدث الدراسات العلمية. لا يبدو عنوان الكتاب مألوفًا لدى القارئ العربي الذي اعتاد التضجُّر من أمراضه والبحث عن علاجاتها السحرية عند الاستشاريين ورجال الدين على حدٍّ سواء! في كل صفحة من صفحات هذا الكتاب الثوري ستعرفون سببا لأحد الأمراض، بدءًا بالشهيرة منها (كالأنيميا المنجلية وأنواع العدوى المختلفة) وانتهاءً بالنادرة منها (كالسرطان والضعف الجنسي). طبعًا، ليس المقصود من الكتاب أن ينثر الحقائق المطلقة في كل الزوايا، بل أن يشرح بطريقة بسيطة الأسباب التي يُحتمل أنها مسؤولة عما نصاب به من أمراض. فبينما تحاول الكتب القديمة الإجابة على سؤال (كيف نمرض؟) يحاول هذا الكتاب الإجابة على سؤال (لماذا نمرض في الأصل إذا كان الانتخاب الطبيعي فعَّالًا بما يكفي ليجعلنا نتمتع بصحة دائمة وشباب أبدي؟). مفاجأة! السُّعال والسُّخونة آليَّتان تكيُّفيَّتان وعلاجهما في بعض الحالات قد يزيد المرض سوءا ويطيل مدَّته.

رابط الكتاب

2. الطب التطوري (Evolutionary Medicine)

لم يبق سوى القليلين من المحافظين الذين يرفضون نظرية التطور جملةً وتفصيلا. وبينما يتجادلون حول حقيقتها، تفرز المطابع حول العالم الكثير من الحبر لطباعة الكتب والمقالات التي تتخذ من هذه النظرية قاعدة علمية تبني عليها فهمها لطبيعة العالم.

يتكون هذا الكتاب من مجموعة مقالات علمية تتناول أشهر الأمراض الجسدية والظواهر النفسية مناقِشةً الآليات التطورية الممكنة التي تعمل خلفها. لماذا يصاب حديثوا الولادة باليرقان الولادي؟ ولماذا يقوم بعض الأطباء قليلي الخبرة بمعالجة هذه الحالة التكيُّفية؟! ما هي الأسباب الممكنة للوفيات المفاجئة التي تصيب حديثي الولادة؟ أَلَم الأذن الوسطى المزعج.. كيف نفهمه من منظور تطوري؟ لماذا نتجنَّب سفاح المحارم؟ ولماذا يصاب الكثيرون منا بالحساسية التي تعكِّر صفو الحياة؟

ما يميز هذا الكتاب هو أن كل مقال فيه كُتِب بواسطة مجموعة من الكتَّاب المختصِّين، وهذا من شأنه أن يزيد من تنوُّعه وثروته العلمية. أراهن أن القارئ العربي سيشعر ببعض الارتياح وهو يقرأ صفحات هذا الكتاب الخمسمائة.

رابط الكتاب

3. الطب النفسي التطوري: بداية جديدة (Evolutionary Psychiatry: a New Beginning)

بدايةٌ جديدة حقا! بعد عقودٍ من الجهل بطبيعة الاضطرابات النفسية، يبدو أن الطب النفسي التطوري يحمل الكثير من النور. يظن المُصاب المسكين

أن اكتئابه عقوبة من الله، ويظن الطبيب النفسي غير القارئ أن الاكتئاب هو نتيجة طفولةٍ معذَّبة وأسلوب حياة سيء.. وكلاهما مخطئان. إذا وضعنا نظرية التطور في المعادلة، قد نرى كل شيء بوضوح. فالاكتئاب والقلق والوسواس القهري وحتى الفصام لها جذور تعود إلى أكثر من مليوني عام من التكيُّف. هذا ما تقوله تلافيف أدمغتنا التي ترسَّبت فوق بعضها كمجموعة من الصخور؛ كل جزء يختص بمعالجة مشكلة من مشكلات الحياة، وكل تلفيف يحمل تاريخا عتيقا من الصراع مع الحياة.

في هذا الكتاب تقرأون تحليلا مفصَّلا لأعراض أشهر الاضطرابات النفسية التي تؤرق العالم وأسبابها الغامضة. هل كنتم تظنون أن للوسواس القهري علاقة بالمناعة؟ بل هل فكرتم يوما في العلاقة بين الفصام والأقلِّيَّات الدينية؟

رابط الكتاب

4. جذور الاضطرابات النفسية (Textbook of Evolutionary Psychiatry and Psychosomatic Medicine: The Origins of Psychopathology)

يحتاج الذين قرأوا كتاب (David Buss) الشهير (علم النفس التطوري) أن يقرأوا هذا الكتاب لتكتمل صورة النفس البشرية في ثقافتهم. يمكن أن نشبِّه كتاب (Buss) بفسيولوجيا النفس؛ أي الآليات الطبيعية التي تعمل بها أنفسنا، وهذا الكتاب بباثولوجيا النفس؛ أي الآليات غير الطبيعية التي تنتج منها الأمراض النفسية.

في هذا الكتاب، يسكب الطبيب وبروفيسور الطب النفسي (Martin Brune) خلاصة بحثه في الجذور التطورية لأشهر الاضطرابات النفسية، مركِّزًا على جانبها الإكلينيكي (السريري) وأساليب علاجها المختلفة. يناسب هذا الكتاب كلا من القارئ العادي والقارئ المختص، ويشكل أساسا علميا رائعا لفهم الاضطرابات النفسية، كما يقدم فصولا أولية لتلخيص نظريتي الانتخاب الطبيعي والانتخاب الجنسي والنظريات المختلفة المشتقة منهما كاللياقة المتضمنة والانتخاب الوالِدي والغيرية.

يقول المؤلف في البداية أن المنهج العلمي القيِّم الوحيد هو الذي يشير إلى المعرفة والشعور والسلوك بوصفها نتيجةَ نشاطاتٍ تحدث في جهازنا العصبي المركزي. فالواحد منا لا يملك تاريخا شخصيا (Ontogeny) فحسب (وهذا ما ركزت عليه المدارس النفسية التقليدية، المترجم) بل تاريخا نوعيًّا (Phylogeny) تشكَّل بفعل الانتخاب الطبيعي والجنسي بحيث يمكِّنه من التفاعل مع عالمه الداخلي والخارجي (مقدمة الكتاب).

رابط الكتاب

 

أخيرا، أرجو من الزملاء المترجمين إلى العربية أن يترجموا ويبسِّطوا هذه الكتب الثمينة التي قد تجعل حياتنا أفضل وأكثر بساطة.