عجت المواقع الاخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي العراقية بخبر يشير الى ان ” الحضارة المصرية اصلها عراقي” وتوجتها قناة العربية بتقرير افتتح بعبارة : “المصريون اصلهم عراقي”!.
وهذا النقاش او العراك قديم حول اقدمية الحضارة المصرية ام الحضارات التي نشأت على ارض ما بين النهرين والتي انهارت اخرها قبل 2500 سنة.
ماذا يقول البحث العلمي؟
نشرت مجلة نيتشر nature العلمية بحثاً اجرته جامعة ليفربول البريطانية بعنوان ” تتابع الجينوم الكامل لمصري قديم” حيث وجدت مومياء لذكر بالغ يبلغ طوله حوالي 160 سم وبعمر تقريبي بين الـ 44- 64 عام، في جرة مصنوعة من السيراميك ومدفونة في قبر حجري، وأُخذ من المومياء سن أُجري عليه هذا البحث، يعود الذكر البالغ الى مملكة مصر القديمة التي جرى توحيدها قبل عدة مئات من زمن العينة حيث عاش قبل 4800 سنة – وقت بناء الاهرامات- حيث وجدت العينة في منطقة النويرات جنوب مصر حيث حدد تاريخه بالفحص الاشعاعي الكاربوني الى فترة 2855-2570 ق.م
وتكمن اهمية هذه الدراسة التمكن من استخراج جينوم كامل لذكر بالغ من تلك الحقبة، كون الاستخراجات السابقة لم ترقى لمستوى الجينوم الكامل لسوء الحفظ وتلف المادة الجينية للعينات (اقرأ عن سفيانتي بابو الذي حصل على جائزة نوبل لاستخراجه الحمض النووي القديم)، حيث امتازت هذه العينة بطريقة الحظ التي اسلفنا ذكرها، وكذلك تبين الدراسة تنوع الاصول السلالية لهذا الجينوم حيث تتوزع نسبة كبيرة منها الى السلالات العائدة للعصر الحجري الحديث الشمال افريقي، بينما نسبة 20% تمثل سلالات تعود الى الهلال الخصيب (ضع خطاً تحت كلمة الهلال الخصيب) ومن ضمنها وادي الرافدين والمناطق المحيطة به، وان هذه السلالات تتماثل مع سلالات ظهرت في الاناضول وبلاد الشام في العصر البرونزي والحجري الحديث، وتفيد الدراسة بان الصلة بين مصر والحضارات الشرقية على تشابه التصوير وصناعة الاشياء (مثل رسم الحيوانات والنباتات وانظمة الكتابة) بل يتعدى الى الهجرات البشرية.
التضليل الاعلامي: كعادة الاعلام العربي الذي يعمل بعكس ما ينبغي فبدلاً من التوعية يبث هذا الاعلام الاباطيل او تسطيح الافكار والابحاث فيما يخص الامور العلمية، لم يجزم البحث بأي حقيقة علمية ثابتة لقلة المواد الجينية العائدة للانسان المصري القديم، رغم ان المصريين القدماء كانوا من الاوائل الذين اجريت عليهم عملية استخراج المادة الوراثية، ولكن في هذه الدراسة الجديدة والتي تتضمن استخراج جينوم كامل لإنسان مصري قديم تتبين تنوعات السلالات حيث ينتشر التشابه الجيني لهذا الانسان لسلالات من المغرب وجنوب اسبانيا وبلاد الشام والاناضول وبلاد الرافدين وايران والقوقاز بنسب متفاوتة، بالإضافة الى مصر حيث النسبة الأكبر
ولا اعلم ما هو سبب وضع عبارة “العراق اصل الحضارة المصرية” فهذه العبارة خاطئة بكل المقاييس فلم يكن هناك بلد اسمه العراق قبل 4800 سنة، بل كان اسمه شئ اخر، وكذلك فإن البحث يقول “الهلال الخصيب ومن ضمنها بلاد ما بين النهرين بنسبة 20%، فكيف تحورت هذه الجملة الى “العراق”؟
نضيف لذلك أن التخالط الجيني بين الاقاليم المتجاورة مثل الهلال الخصيب (الذي يشمل بلاد الشام) ومصر هو أمر وارد في كافة أنحاء العالم وهو متبادل. في المقالات التي نشرناها حول المجاميع الجينية الفردانية (مثل المجموعة J أو المجموعة E) فيمكن أن نفهم كيف أن المجاميع البشرية القديمة قد انتقلت بين مصر والشام والعكس لكن هذا لا يعني أن شعباً بأكمله يرجع باصوله لشعب آخر. كما أن نسب تواجد جينات معينة في فرد واحد تكاد لا تمت بصلة لمفاهيم الهوية الحديثة. يمكن العثور على خصائص جينية تنتمي لمختلف انحاء العالم في أي شعب ولا يوجد تفسير علمي اسوء مما تداوله الاعلام بهذا الشكل لاثارة التعليقات لا غير.
البحث كما نشرته مجلة Nature:
مقال منصة 964 والذي يتضمن تحريف وتغيير بالعنوان عكس المضمون الحقيقي للبحث :
راجعه: عمر المريواني