من بين المجاميع الخارجة من أفريقيا يستطيع العلماء تحديد التفرعات الخارجة والهجرات من دراسة المجموعات الفردانية في الحمض النووي للذكور للكروموسوم واي أو مجاميع الإناث للميتوكوندريا. ذكرنا المجموعات الأولى القريبة من حدث الخروج من أفريقيا BT وتفرعاتها التي تعد افتراضية حيث لا أثر لها اليوم لكن وجودها مثبت من خلال هرمية وراثة الطفرات، وإحدى تلك التفرعات هي DE والتي تناولنا أحد فرعيها في مقال سابق عن المجموعة D التي تنتشر بشكل غريب في آسيا ليبقى الطرف الآخر وهو المجموعة E أو الصبغي Eأو E-M96 المجموعة الأفريقية الانتشار الى حد كبير مع وجود فروع غرب آسيوية وأوروبية منها.

أنفصلت المجموعة E عن المجموعة الشقيقة D – التي من الواضح أنها اتخذت مسارها شرقاً – في فترة ما قبل 60 الى 70 الف سنة، بعد بضعة آلاف من السنوات من التاريخ الذي يعتقد أن البشر قد خرجوا فيه من أفريقيا وهو أيضاً غير محدد بدقة وقد يكون وقع قبل حقبة بين 69 الف الى 75 الف سنة. وهكذا فإن كثيراً من التواريخ حول البدايات السحيقة لتلك الفروع ترجع لتلك الحقبة الممتدة لحوالي 20 ألف سنة.

دار نقاش طويل بين علماء الجينات حول أصل هذه المجموعة وهل هي مجموعة عائدة إلى أفريقيا أم مجموعة أفريقية في الأصل ثم خرجت من أفريقيا. وقد ناقشنا في المقال السابق عن المجموعة DE بعضاً من الحيثيات حول ذلك، لكن بشكل عام لا تحدث الحقائق حول ذلك النقاش الكثير من التغيير في واقع ومصير المجاميع التي يحمل ذكورها تلك المجموعة الفردانية. لو أردنا تصور نمط حياة هؤلاء البشر في ذلك الحين أو اشكالهم أو طبيعة أجسامهم فربما المثال الأقرب هو شعب أندامان وسنتنليز وبعض الشعوب الافريقية بغض النظر عن البقعة التي عاشوا فيها في أفريقيا أو خارجها.

مما يميز هذه المجموعة هو أنها احدى التفرعات من المجاميع الأساسية الخارجة من أفريقيا لذا فإن الإشارة لها كمجموعة واحدة لا يعد دقيقاً كما هو الحال في المجاميع اللاحقة التي تنطبق على مجاميع سكانية أو أقاليم جغرافية أو عوائل لغوية مثلما رأينا مع التفرع من المجموعة C في شرق آسيا وفي العالم الجديد.

الانتشار

اليوم ربما تعد المجموعة الفردانية E او الصبغي إي هي ما يوحد القارة الأفريقية من حيث كونها الأكثر انتشاراً في جميع بقاع القارة بغض النظر عن مفهومنا للأعراق والأعراق المتواجدة حالياً في القارة لاسيما في الفوارق بين السكان ما دون الصحراء الكبرى، أو سكان شرق أفريقيا أو شمال أفريقيا[1]، مع وجود مجاميع تحمل المجموعة الفردانية J في شرق أفريقيا وشمالها وأخرى تحمل المجاميع A وB في الأجزاء الجنوبية من القارة.

الصبغي E ياء - المجموعة الفردانية E

خارطة انتشار المجموعة الفردانية E

تعرف المجموعة E بشكل عام بالاسم E-M96 نسبة الى طفرة تميزها عن السلف الافتراضي DE والمجموعة الأخت D وتعرف الطفرة بالإسم M96. وتتفرغ المجموعة الرئيسية E-M96 إلى مجموعتين فرعيتين الأكثر شيوعاً وانتشاراً منهما هي المجموعة E-P147 والتي تنتشر في كافة أنحاء أفريقيا ما دون الصحراء الكبرى وتحديداً في غرب أفريقيا، كما توجد فروع منها في آسيا وأفريقيا؛ أما المجموعة الثانية فهي E-M75 وهي الفرع الأقل انتشاراً من الأخری وتمتد في أماكن عديدة في شرق وغرب ووسط أفريقيا وجنوبها. وتتواجد كل من المجموعتين في الولايات المتحدة والامريكتين بشكل عام في الأفارقة الأمريكيين نتيجة تجارة العبيد.

تتفرع من المجموعة E-P147 فروع أخرى تعرف أيضاً بطفرات تميزها لتغطي نطاق واسع من نتائج فحوص الحمض النووي للمجموعة الفردانية للذكور في شمال افريقيا، لاسيما من المجموعة التي تفرعت من شرق أفريقيا في فترة فد تصل الى 40 الف سنة وتعرف بـ E-M215 والتي تتفرع منها مجاميع تنتشر في الشرق الأوسط أي في الجزيرة العربية[2] والشام وايران، ومجاميع أخرى في جنوب أوروبا فضلاً عن شمال أفريقيا. وبشكل عام لا يمكن العثور على المجموعة الفردانية E في أقاليم تتجاوز ايران إلا نادراً حيث وجدت دراسة وجود نسبة في شعب الهوي في الصين[3].

أي أنها بشكل عام قد لا تتواجد بشكل هجرات قديمة في جنوب أو شرق أو شمال آسيا أو في شمال أوروبا حيث تذكر إحدى الدراسات أن المجموعة E-M96 لم تصل أوروبا الا في حقب متأخرة ضمن العشرة الاف سنة الماضية[4]. حاولت الدراسة التي ذكرت ذلك ربط تحمل اللاكتوز وصفة الطول بمجاميع فردانية معينة لدى الذكور الأوروبيين حيث عزى الباحثون المزيد من الدور للجينات في صفة الطول في الوقت الذي تكون فيه ظروف التغذية جيدة، فيما اقصى الباحثون احتمالية تطور صفة تحمل اللاكتوز بمزارعي الشرق الأدنى وهو المصطلح الذي يعزى للمجاميع القادمة الى أوروبا في العشرة الاف سنة الأخيرة والتي يستدل عليها من المجموعة الفردانية E-M96 وتفرعات من J وI.

ولبعض الفروع من المجموعة التي وصلت الى الشرق الأوسط تفرعات أكثر لها نقطة تمركز اليوم في البلقان[5] ووجد البعض منها في مناطق تصل الى بريطانيا لاسيما المجموعة E-V13 مما يعتقد أنه يعزى للجنود الرومان الذين تواجدوا في بريطانيا سابقاً[6].

 

توسع البانتو

تعد ظاهرة توسع الشعوب المتكلمة بلغات البانتو في جنوب الصحراء الكبرى احدى الظواهر التي صار من الممكن اثباتها ودراستها عبر كل من المجال اللغوي ومجال الجينات لكن بشكل أساسي من الدليل اللغوي. يتوقع أن مجموعة أفريقية معينة تنحدر من مكان ما في وسط أفريقيا قد شرعت بالتوسع على حساب مجاميع أخرى كانت تغطي مساحة واسعة من جنوبي القارة ما دون الصحراء الكبرى قبل حوالي 3000 الى 5000 سنة من الآن. وترتبط هذه المجموعة إلى حد كبير بالفرع من المجموعة الفردانية E المعروف بـ E1b1a والمهيمن اليوم على ذلك الجزء من القارة الأفريقية.

خارطة توسع البانتو

خارطة انتشار البانتو

يبلغ تعداد متحدثي لغات عائلة البانتو اليوم 220 مليون نسمة وينتشرون من جنوب أفريقيا وحتى جنوب السودان ومن مناطق شرق أفريقيا في موزمبيق وتنزانيا وحتى سواحل المحيط الأطلسي في الكاميرون وانغولا في الوقت الذي يتداخلون فيه مع مجموعات أخرى من اللغات أو من المجموعات البشرية التي يمتلك ذكورها مجموعات فردانية أخرى[7]. ومن التوزيع المتوفر للمجاميع الفردانية الأقدم تواجداً في المنطقة مثل المجموعة الفردانية A والمجموعة B يعتقد أن تلك المجاميع قد انحسرت وتراجعت أمام مجموعة أكثر قوة ونفوذاً من خلال التفوق العددي والنشاط الاقتصادي الذي يعزوه بعض الباحثين الى اقتران مجاميع البانتو بالرعي في الوقت الذي تتجه المجاميع الأقدم الى الصيد والجمع. بالإضافة الى ذلك فإن اشكالاً بسيطة من التعدين والصناعات الخزفية كانت قد انتقلت من البانتو القاطنين في شرق افريقيا الى البانتو المنتشرين جنوباً مما ميز تلك المجاميع بشكل عام.[8]

أثيرت الشكوك حول فرضية توسع البانتو فيما مضى حيث لم يكن من الممكن الإشارة إليها كظاهرة مثبتة عبر الدليل اللغوي لوحده لاسيما وأن ذلك غير قابل للتطابق في أماكن كثيرة من العالم وأن اثبات الاستمرارية السكانية لا يمكن أن يستند الى الدليل اللغوي الآني مع عدم إمكانية ان ذات اللغة كانت منطوقة في فترات أقدم بنفس الانتشار واسئلة وشكوك أخرى منها أيضاً شبه انعدام الدليل الآثاري[9]. غير أن الفرضية تعززت وصار من الممكن الإشارة للظاهرة كأمر حدث تاريخياً وليس كشيء افتراضي عبر الدليل الجيني الذي وجد فيه أن المسافات (أو الفوارق) بين لغات البانتو مقترنة بذات الفوارق والمسافات بين الجينات سواء الحمض النووي للميتوكوندريا او للكروموسوم واي[10].

في الختام، اذا كنت قد أجريت فحصاً للحمض النووي وكانت النتيجة هي احدى تفرعات E، فإن الإجابة ستكون عامة جداً كما اسلفنا، قد تكون من فرع أفريقي وقد تكون من فرع في الشرق الأدنى أو من فرع من الشعوب الإيرانية او من جنوبي أوروبا. فكما نعيد في مقالات الفحوص الجينية في العلوم الحقيقية أن تلك المجاميع والتفرعات أقدم بكثير وأكثر اختلافاً في طبيعة توزيعها الزمني والمكاني عن مفاهيمنا للهوية سواء كانت تلك المفاهيم قائمة على اللغة او المجاميع العرقية أو حتى اللون والهيئة.

المصادر

[1] Fadhlaoui-Zid, Karima, et al. “Sousse: extreme genetic heterogeneity in North Africa.” Journal of human genetics 60.1 (2015): 41-49.

[2] Abu-Amero, Khaled K., et al. “Saudi Arabian Y-Chromosome diversity and its relationship with nearby regions.” BMC genetics 10.1 (2009): 1-9.

[3] Wang, Chuan‐Chao, et al. “The massive assimilation of indigenous East Asian populations in the origin of Muslim Hui people inferred from paternal Y chromosome.” American Journal of Physical Anthropology 169.2 (2019): 341-347.

[4] Grasgruber, Pavel, et al. “The role of nutrition and genetics as key determinants of the positive height trend.” Economics & Human Biology 15 (2014): 81-100.

[5] Regueiro, Maria, et al. “High levels of Paleolithic Y-chromosome lineages characterize Serbia.” Gene 498.1 (2012): 59-67.

[6] Bird, Steve. “Haplogroup E3b1a2 as a possible indicator of settlement in Roman Britain by soldiers of Balkan origin.” Journal of Genetic Genealogy 3.2 (2007): 26-46.

[7] Montano, Valeria, et al. “The Bantu expansion revisited: a new analysis of Y chromosome variation in Central Western Africa.” Molecular ecology 20.13 (2011): 2693-2708.

[8] Coelho, Margarida, et al. “On the edge of Bantu expansions: mtDNA, Y chromosome and lactase persistence genetic variation in southwestern Angola.” BMC evolutionary biology 9.1 (2009): 1-18.

[9] Oliver, Roland. “The problem of the Bantu expansion.” The Journal of African History 7.3 (1966): 361-376.

[10] De Filippo, Cesare, et al. “Bringing together linguistic and genetic evidence to test the Bantu expansion.” Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences 279.1741 (2012): 3256-3263.