أشترك في القائمة البريدية

اشترك في القائمة البريدية: 

 

العلاج النفسي والدين: العلم والعلم الزائف والمخاطر

بواسطة | أغسطس 4, 2025 | علاج نفسي, علوم زائفة | 0 تعليقات

أول الممارسات الزائفة في العلاج النفسي والتي تنفرد بمناهج علاجية كاملة أيضاً هي تغليف التعاليم الدينية بغلاف نفسي مما يجعلها تبدو وكأنها علماً. أحد تلك الأنواع هو ما استحدث في ايران بعنوان العلاج السلوكي العاطفي الديني[1] الذي يحاول أن يبقى محايداً بغض النظر عن الدين والذي قد لا يمكن الحكم عليه بصفته بوابة لتقديم الممارسات الدينية مما يوصف في البحث على الأقل.

قد يجادل الكثيرون بأن أمراً كالصلاة هو أمر مفيد وأنه قد يستمد فائدته من التأمل حتى. لكن هناك فرق كبير بين إقرار وجود فائدة للصلاة أو غيرها من الممارسات الدينية وبين جعل الدين والوعظ الديني جزء من العلاج النفسي ولأسباب واعتبارات كثيرة تجعل من خلط الدين مع العلاج النفسي أمراً خطيراً وضاراً. في البدء، يجب الإقرار أن العلاج النفسي وكما تم تأسيسه على يد ارون بيك وكارل روجرز وحتى سيغموند فرويد هو ممارسة علمية وتستمد شرعيتها وتعليمها وتطبيقاتها من العلم. وربما لا يمانع العلاج النفسي من تبني بعض الممارسات كالتأمل نظراً لبساطتها ولحياديتها فالتأمل أو اليقظة الذهنية لا يتبعان اليوم لدين بذاته، لكن لو جاء الأمر للصلاة الإسلامية أو المسيحية ولو فرضنا جدلاً أن هناك تأكيد علمي شديد على فائدتها، فهل يمكن أن يتدخل المعالج النفسي بنفس الطريقة للنهي عن ممارسة دينية لو وجد هناك دليل ضدها؟

إن هذه القضية هي قضية شائكة تنبع من علاقة الدين بالعلم بشكل عام ومن حيث منهجية الدين القائمة على مبادئ الإيمان واليقين ومنهج العلم القائم على الشك وعلى قابلية التخطئة بشكل دقيق. وبذلك يكون إقحام الدين من الأساس في البحث العلمي المتعلق بالعلاج النفسي أمراً إشكالياً من قبل الجهات الدينية قبل أي جهات أخرى. تخيل بحثاً يحاول إثبات فائدة صيام رمضان نفسياً ويتوصل إلى بعض الأضرار فيه، وهذا مثال فقط وليس حقيقة علمية، كيف ستكون ردود الأفعال تجاه البحث والباحث؟ بالمقابل فإن هناك الكثير من الباحثين الذين قالوا بفوائد ممارسات دينية من أديان عديدة. هل يقبل ذات الباحثين بأبحاث معاكسة؟

يمكن للمعالج النفسي بالمقابل ووفق منهجه العلمي أن يكون منفتحاً على ممارسات العميل الدينية ودينه ونظرته للعالم. نشرت رابطة الإرشاد النفسي البريطانية مقالاً يتحدث فيه أحد المعالجين عن إمكانية جعل جلسات العلاج النفسي جلسات مفتوحة يمكن للمعالجين فيها مناقشة القضايا الروحية للعملاء. [2] لا يمكن أيضاً وفق الكثير من الأطر المهنية للعلاج النفسي في العالم أن يقوم المعالج بنهي عملاءه عن ممارساتهم الدينية. يتعارض ذلك مع جوهر العلاقة التي قدمها كارل روجرز وتبنتها مدارس العلاج النفسي من بعده. لكن ماذا لو دخل الدين في العلاج النفسي؟

من المخاطر الكبرى في اقحام الدين في العلاج النفسي هي تحول جلسات العلاج إلى جلسات إرشاد ديني. تذكر قصص كثيرة في العالم العربي مراجعة شخص ما لطبيب نفسي يقدم علاجاً بالكلام وانتهاء الجلسة بتحولها إلى جلسة وعظ ديني يسائل فيها الطبيب العميل عن صلاته وصومه.

الخلافات الدينية والمذهبية هي أمر آخر خطير مهما صغرت تلك الخلافات. لو نظرنا إلى الخلافات بين السنة والشيعة والكاثوليك والبروتستانت من وجهة نظر محايدة لأنتبهنا أن الفروقات بين تلك المذاهب صغيرة جداً. مع ذلك، لاحظ الصراعات التي نجم عنها مقتل الآلاف وربما الملايين عبر التاريخ. الحساسيات بين الأديان كبيرة جداً وتعد بذاتها مصدر تهديد للعلاقة العلاجية ولعملية العلاج النفسي فيما لو تبنى المعالج منهجية دينية. مهما بلغ التقارب الديني فإن احتمالية وجود الحساسيات بسبب فوارق صغيرة في العبادات أو الأشخاص المقدسون في الدين هو إحتمال كبير جداً.

فقدان الحدود بين المعالج والعميل وتحول العلاقة إلى ارشاد ديني يمكن أن يجرد العلاقة العلاجية من أي صيغة ويحولها إلى شكل نمطي من علاقات السلطة الدينية مثل علاقة المصلي مع الإمام أو التلميذ مع الشيخ. لا إشكال أو نقد لتلك العلاقات، لكن هل تدفع مالاً ووقتاً للعلاج النفسي لتنتهي في علاقة كهذه؟

يمكن للدين أن يواجه بعض الإشكاليات لو دخل في صلب عملية العلاج النفسي لكن ليس إن تخلى عن بعض الخطوط الحمراء، من وجهة نظر الدين. كيف سيواجه منهج معين للعلاج النفسي، يتخذ من الدين وسيلة لالهامه، عميلاً يتعاطى الكحول أو المخدرات؟ وكيف سيواجه شخصاً مثلياً؟ كيف سيواجه شخصاً يتحدث عن أمور تعتبر جرائم من وجهة نظر الدين رغم كونها ليست جرائماً من وجهة نظر القوانين المدنية؟ لو استطاع شخصٌ ما، معالج أو طبيب نفسي، أن يتخطى تلك الحواجز وأن يتبنى علاقة أصيلة (راجع كارل روجرز حول العلاقة العلاجية في كتاب العلاج النفسي) فلن تكون هناك مشكلة.

العلاج النفسي والدين في الغرب

إن الحديث عن الدين والعلاج النفسي لا ينحصر بالشرق الأوسط وأديانه فهناك الكثير من الممارسات والمعتقدات التي اقحمت اشكالاً زائفة من العلاج حول العالم دون استئذان وهي تحقق نجاحاً تجارياً بغض النظر عن رأي العلم فيها. أحد تلك الأصناف الزائفة المتنكرة أحياناً بثوب العلاج النفسي هو العلاج المتعلق بالحياة السابقة (Past life therapy). تنبع هذه الممارسة من الهندوسية والأديان والمعتقدات التي تتبنى تناسخ الأرواح. أقل ما يمكن قوله عن ممارسة كهذه هو أنها ضارة ومضللة حيث أنها تستند إلى مبدأ خرافي تماماً ولا يمكن أن تأتي بنفع للشخص من أي استكشاف لذلك الجانب لأنه ببساطة وهمي. يمكن لممارسة كهذه أن تُدخل المريض في دوامة من اللامنطق وأن تبعده أكثر عن الحلول.

يقدم بعض المعالجين أنفسهم تحت عنوان المعالج الروحاني (spiritual therapist) في العالم الغربي. وقد لا تستغرب أن تجد ما تسمع به من خرافات في العالم العربي من سحر وشعوذة وغيره في مراكز بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا. تتماهى تلك المنطقة من “العلاج” مع ما يُعرف بمعالجي الروحانية وهم معالجون اعتياديون خضعوا للتدريب والدراسة العلمية لكنهم يبدون انفتاحاً أكبر على مواضيع الروحانية مما يعطي راحة أكبر للعملاء في محادثتهم بمواضيع كهذه. يمكن ملاحظة الفارق بين معالج منفتح على الروحانية ومعالج روحاني من طبيعة التخصصات التي يناقشونها. يذكر المعالج الروحاني تفاصيلاً مثل كونه معالج يونغي (نسبة إلى كارل يونغ).

يمكن بشكل عام أن ترفع عتبة القلق من العلم الزائف المتعلق بالروحانية حالما تسمع اسم كارل يونغ. يمكنك قراءة المقال في العلوم الحقيقية “كارل يونغ: الأكاذيب، الخرافة، والعلم الزائف[3]. لكن باختصار فإن كارل يونغ قدم مبادئ لم تؤسس للعلوم الزائفة في عهده فحسب بل استخدمت من بعده مستفيدة من الضبابية حول شخصية كارل يونغ وما قدمه. قد يبدو من الغريب أن نتكلم عن كارل يونغ في سياق الحديث عن الدين. وفي الحقيقة إن جانب كبير من مسيرة كارل يونغ لم تكن علمية بل كانت أشبه بعملية تأسيس لطائفة وكان العلاج النفسي بمفهومه الخاص جزءاً منها مع جانب كبير من الحديث عن رموز مبهمة وأحلام وقضايا ميتافيزيقية كالأرواح والالهة والتناسخ. محاولات يونغ وأتباعه بعرض ذلك بطريقة علمية لم تزد الطين إلا بلة لتحوله إلى علم زائف.

في النهاية تداخل الروحانية والدين مع العلاج النفسي أمر شائك وتحدي كبير للعلاج النفسي. ولعل الجانب الأخير الذي يجب الحديث عنه من تلك التحديات هو أن الكثير من الممارسات التي يقدمها العلاج النفسي قد تتعارض مع بدائل وحلول أخرى تقدمها بعض الأديان وبالتالي فإن سعي أحدهم للحصول على المساعدة النفسية من جهة غير دينية قد يشكل تحدياً للسلطة الدينية حتى وإن كان بشكل غير مباشر.

المصادر

[1] Rajaei, Ali Reza. “Religious cognitive–emotional therapy: A new form of psychotherapy.” Iranian journal of psychiatry 5.3 (2010): 81.

[2] William West, “Addressing spiritual and religious issues in counselling and psychotherapy Thresholds, Winter 2012.”, BACP, 2012

[3] عمر المريواني، كارل يونغ: الأكاذيب، الخرافة، والعلم الزائف، العلوم الحقيقية، 28 ديسمبر 2023