ترجمة : المجتبى الوائلي

كشفت دراسة جديدة بقيادة باحث من جامعة ستامفورد قسم الطب أن الثديات بأمكانها أختيار جنس ذريتها لأجل التغلب على الظروف البيئية الصعبة و أنتاج عدد أكبر من الأحفاد .

في تحليل لسجلات تكاثر الثديات ل90 عام في حديقة حيوانات سان دييغو,الباحثون كانوا قادرين لأول مرة على أثبات ما كان نظرية أساسية في علم الأحياء التطوري:أن الثديات تعتمد على نوع من آلية فسيولوجية غير معروفة للتلاعب بنوع الجنس لذريتها كجزء من قدرة أستراتيجية عالية للتكيف.

“هذا الأكتشاف يعتبر كإيجاد الكأس المقدسة بالنسبة لعلم الأحياء التطورية الحديثة — بيانات تظهر بشكل قاطع أن الإناث عندما تختار جنس ذريتها,فهم يفعلون ذلك بطريقة إستراتيجية للحصول على عدد أكبر من الأحفاد لاحقا.” كما قال جوزيف غارنر,و هو دكتور و أستاذ مساعد في الطب المقارن و أحد كبار القائمين بالدراسة,التي نشرت في العاشر من تموز في (بلوس وان) , النتائج تم تطبيقها على 198 نوعا مختلفا.

العلماء جمعوا أنساب 3 أجيال لأكثر من 2.300 نوع من الحيوانات فوجدوا أن الأجداد من الذكور و الإناث كانوا قادرين على القيام بخيار أستراتيجي لمواليدهم, فإذا كانوا المواليد على جودة عالية فهذا سيزيد من أعداد أحفادهم مستقبلا.”و يعتقد بأن عملية الأختيار يتم التحكم بها الى حد كبير من قبل الإناث.” قال غارنر.

“بأمكانك التفكير بهذا الأمر على أنه (سلطة الأنثى) في مملكة الحيوان.” كما قال غارنر. “نحن نحب أن نفكر بأن التكاثر هي عملية تنافسية بين الذكور للفوز بالإناث,و الأنثى تقوم بأختيار الفائزين فقط.لكن في الواقع الإناث قد أستثمرت أكثر من ذلك بكثير من الذكور,فهم يقومون بقرارات أستراتيجية عالية حول عملية التكاثر و إعتمادها على البيئة, نوع ظروفهم و مواصفات شريكهم, الأنثى لديها القدرة على أختيار الحيوان المنوي بطريقة ما لتحديد الجنس الذي من شأنه أن يخدم مصالحها  أكثر من غيره:الحيوانات المنوية هي في الحقيقة مجرد بيادق يتم التلاعب بها على مر العصور.”

الدراسة تستند الى نظرية كلاسيكية أقترحت لأول مرة في ورقة بحث عام 1973 من قبل العالمان روبيرت تريفيرس و دان ويلارد , مؤوسسي مجال علم الأحياء الأجتماعي التطوري.لقد تحدوا المفهوم التقليدي الشائع الذي يقول أن تحديد الجنس في الثديات هو عملية عشوائية, و تتم بمشاركة الآباء لتكون أحتمالية أختيار جنس معين هي بنسبة 50-50% ,بدلا من ذلك أفترضا أن الثديات هي مخلوقات أنانية, تقوم بالتلاعب بعملية أختيار جنس ذريتها لتزيد من نجاح عملية تكاثرها مستقبلا, و بالتالي يكون الآباء في حالة جيدة من ناحية الصحة و الحجم و الهيمنة أو صفات أخرى غير هذه,و بأمكانها أن تستثمر عدد أكبر من الأبناء,التي تورث قوة أكبر يمكنها أن تساعدهم على المنافسة في سوق التزاوج و زيادة فرصهم لإنتاج أكبر عدد من المواليد,و على العكس,فإن الأمهات في ظروف سيئة سيعملون على أنتاج عدد أكبر من الإناث ,الذين يكونون محدودين فسيولوجيا من الناحية الأنتاجية, فرضيات أخرى تعطي تنبؤات مماثلة — أن الإناث التي تختار شركائها خاصة مع “جينات جيدة” (على سبيل المثال للجاذبية) يجب أن ينتجون ما يسمى ب(أبناء مثيرين جنسيا),كما قال غارنر.

الفرضية تم تعزيزها في عام 1984 في ورقة بحث(الحيوانات المنوية في الطبيعة) قام بها تي.أتش.كولتون-بروك من جامعة كامبيردج,الذي وجد أن من بين الغزلان البرية الحمراء,الأمهات المهيمنة تنتج أبناء أكثر بكثير من نظيراتها من الإناث التابعة في القطيع.

“ورقة البحث هذه قد مثلت قفزة هائلة الى الأمام,موفرة الأقتراح الأول أن الفكرة قد تنجح عند الثديات .”كما قال غارنر,و أضاف أيضا.”لكن لأنها كانت قد أعتمدت على بيانات لجيلين فقط ,فإنه لا يمكنها أن تظهر أن الإناث التي أنتجت هذا العدد الكبير من الأبناء قد أكتسبت عدد كبير من الأحفاد من هؤلاء الأبناء.في الواقع ضل هذا التوقع هو المفتاح الرئيسي للفرضية التي لم تختبر,لأن الحصول على ثلاثة أجيال كان صعب جدا في البرية” قال غارنر.

حتى الآن غارنر و زملائه كانوا قادرين على دفع هذه الأبحاث من خلال إعادة بناء سلالة لثلاثة أجيال من أنواع مختلفة من الحيوانات, و بعد أن تحولوا لحديقة حيوانات سان دييغو, مستعينين بمساعدة المشرف على رعاية الحيوانات جريج فيتشينو في إحصاء سجلات لأكثر من 3,800 حيوان ل678 نوع,المشروع تطلب عمل كثيف,متطلبا سنوات من العمل لإعادة بناء سلالات و تواريخ التربية للحيوانات.” كما قال غارنر.

الباحثون أنتهوا من مجموعة من الأجداد الإناث عددها 1,627 و مجموعة من الأجداد الذكور عددها 703 الذين كان لديهم سجل كامل لثلاثة أجيال. مجموعة من الثديات الرئيسية مثلت,بما في ذلك القرود,و الحيوانات آكلة اللحوم مثل الأسود و الدببة و الذئاب,حيوانات مشقوقة الظلف مثل الأبقار و الغزلان و الجاموس,حيوانات رعي فردية الأصابع مثل الخيول و وحيد القرن.

الباحثون وجدوا أن الإناث عندما تنتج في الغالب أبناء,و هؤلاء الأبناء أنتجوا ضعف العدد الذي أنتجه آباءهم ب2.7 من الأطفال لكل فرد من الأمهات التي تنتج أعدادا متساوية من الذكور و الأناث.

“السؤال هو,في كل الأنواع,من بين الإناث اللاتي لديهن أكبر عدد من الذرية,هل هذه الذرية ستكون أفضل من ناحية القدرة على أنتاج عدد أكبر من الأبناء من آبائها؟,الجواب هو,نعم.” قال غارنر.”الإناث هم الذين يختارون و هم ميكيافيليين جدا بالنسبة هذا الموضوع,إنهم يفعلون ذلك لمصلحتهم الخاصة فقط”.

الشيء نفسه ينطبق على الأجداد الذكور,الباحثون بينوا أن الأجداد الذكور عندما ينتجون أبناءا في الغالب,هؤلاء الأبناء سيمتلكون عددا من الذرية أكثر بنسبة 2.4 لكل فرد.و قال غارنر “الأجداد الذكور التي تحوي ذريتهم على عدد أكبر من الذكور يكون معدل نجاحهم أكبر,لكن هذا يمكن أن يحدد تماما من قبل الإناث.”,كما أنها يمكنها أن تحدد نسبة أنتاج جنس ما أعتمادا على نوعية (جودة) شريكها.

و شبه مناورة الزواج هذه بنوع من لعبة قمار .”أنا أراهن على كم من الأحفاد سأنتج, إذا لم انتج شيئا سوى ذرية من الإناث ,سأقوم برهان آمن — سأقوم بأنتاج المتوسط فقط.”

الذرية من الذكور, من ناحية أخرى, هي”مخاطرة كبيرة, و الرهان عليها مكافئته كبيرة.” إذا كان الحيوان قد أنتج أبنا ذو خصوبة و جودة عالية,سيكون قد ربح الرهان و ضمن أمتلاكه ذرية كبيرة في المستقبل.

“فكر في الأسود”. قال غارنر. “معظم الأسود الذكور لا تتكاثر,قد يكون هناك 10 الى 15 أنثى و ذكر واحد الذي يمثل الأب بالنسبة للجميع. الشيء نفسه ينطبق على قردة البابون.هنالك ذكر ألفا واحد فقط ,إذا كنت ذكرا و في هذه المكانة فأنت قد فزت بالجائزة الكبرى من الناحية الجينية لأنك ستنتج العشرات و ربما المئات من الأبناء.أما إذا كنت ذكرا عاديا,لم ينتج أي ذرية,و معدل أنتاجه هو صفر,فهو أمر مؤسف. لذلك الذكور هي مخاطرة كبيرة, مكافئة رهانها عالية. الذين يأخذون هذا الرهان هم فقط الذين يستطيعون التلاعب به؟”.

لكن كيف؟ في الحقيقة,هل الأباء يتحكمون في جنس ذريتهم؟ غارنر قال أن الآلية ليست معروفة حقا,على الرغم من أن إحدى النظريات تقول أن الأناث تستطيع التحكم الحيوانات المنوية “الذكرية” و “الأنثوية”, التي لها أشكال مختلفة. كما أنها تتحرك من خلال سائل مخاطي في المسالك التناسلية,فتنتقي الحيوان المنوي الذي تريده عبر تبطيئه أو تسريعه.

و هناك بعض الأمثلة الملحوظة في عالم الحشرات للتلاعب في نسبة الجنسين,على سبيل المثال,ذباب الروث الأصفر,الذين يمارسون لعبة تزاوج معقدة, فيجمعون حيوانات منوية من شركاء مختلفين ثم ينتقون الأفضل منها و المناسبة لظروفهم البيئية (الروث) لكل كمية من البيض قامت بوضعها. كما قال.

غارنر قال أنه بالأمكان أن يكون هنالك بعض أوجه الشبه في البشر أيضا,مع بعض الدراسات التي تقترح أنهم (البشر) قد يكونون قادرين على ضبط نسب جنس ذريتهم أستجابة لمنبهات أجتماعية.على سبيل المثال, في المجتمعات التي تسمح بتعدد الزوجات,الزوجة الأرفع مستوى ستكون حظوظها في أنجاب ولد أعلى من الزوجة الأقل مستوى (الأبن هو الذي يملك القوة الأقتصادية في الأسرة) و دراسة ل400 ملياردير في الولايات المتحدة الأمريكية. نشرت في عام 203 , كشفت أنهم معرضين لأنجاب الأولاد بنسبة أكبر من أنجاب البنات — من المفترض, كما أفترض العلماء أن ذلك بسبب أن الأبناء هم الذين سيمتلكون أرث العائلة مستقبلا.

الدراسة المفضلة بالنسبة لغارنر هي تلك التي نشرت في عام 1988.أن الأمهات اللاتي يعانين من حالة أضطراب كلام كانت نسبة أنجابهن للأولاد هي 3 الى واحد بالنسبة للبنات, من الناحية النظرية أن الصبي الذي يعاني من أضطراب كلام ستكون أمكانية حصوله على رفيقة أسهل من أمكانية فتاة تعاني من نفس الأضطراب, و الذي نجاحه سيكون أكثر أعتمادا على الكلام و المهارات الأجتماعية. قال غارنر.

و قال غارنر أن دراستهم تؤكد لإمكانيات البحوث الهائلة لبيانات حديقة الحيوانات.” الأغراء قد يكون أن نفترض أن أسر الحيوانات في حديقة الحيوان تمتلك مشاكل كامنة”.كما قال. على سبيل المثال, الحيوانات في حديقة الحيوان تخضع لتربية مدارة (إدارية), مع فرص أقل لإمكانية إختيارها للشركاء, فضلا عن ذلك,الإنانث في البرية تعتمد على المنبهات البيئية لتحدد هل إنها ستنتج ذرية من الذكور أو الإناث, لكن هذه المنبهات قد تكون مضللة بين الحيوانات داخل الأسر.

“قد تعتقد أن كل هذه الظروف قد تخفي النتائج, لذلك فإن حقيقة أن الإناث لا تزال تملك القدرة على التلاعب في نسب جنس ذريتها لإنتاج ذرية تزيد من فرص بقائها على الرغم من بيئة حديقة الحيوان يجعل البيانات أكثر إقناعا”. قال غارنر. في الحقيقة فإن الدراسة تثير القلق الفئات السكانية (المجاميع) الأسيرة قد تكون مهددة ,حيث أن النجاح الغير متكافئ لأفراد معينين يعني أن التنوع الجيني لأؤلئك السكان يفقد بشكل أسرع من المتوقع ,كما لاحظ الباحثين. عدم وجود تنوع جيني يمكن أن يؤدي لتشجيع ظهور مشاكل صحية مرتبطة بالزواجات الداخلية و طفيليات و أمراض و حالة من الضعف العام لتلك المجموعة.

و قد أستنتجوا, أن فهم أفضل لظاهرة التلاعب في نسبة جنس الذرية للحيوانات الأسيرة يمكن أن تساعدنا للقيام بتدخلات من شأنها أن تساعد في الحفاظ على الأنواع.

المساهم الأول بالدراسة هو الدكتور كوليت ثوغيرسون, دكتوراه,في خدمة الأسماك و الحياة البرية.

المصدر:
http://www.sciencedaily.com/releases/2013/07/130710182941.htm