بقلم : د.يواكيم .ل . روجر

 

ترجمة: فاطمة القريشي

_____________________
_ دع الأطفال يشقون طريقهم.

_ دع الأطفال يلعبون.

من وقت لأخر يوجه علم النفس الاجتماعي اتهاماً لنفسه بان نتائجه واضحة, لذلك تعد محاولة الباحثين لاكتشاف هذه النتائج محاولات غير ذات شان. على أي حال, فان اغلب ما نعتبره واضح ألان كان غير واضح قبل الدراسة, وهذا ما ينساه الناس, وبالتالي يقعون ضحية الإدراك البعدي وهذا بدوره (الإدراك الادراك البعدي) قد أصبح واضح أكثر منذ الدراسة الرائدة لباروخ فيسشوف عام 1975 وهي: أن الأرض مستديرة وهذا معلوم ألآن, لكن هذا الأمر تطلب صراعا بين العلماء والفاتيكان ليستقر الامر على ما هو عليه الان.

وألان تأمل سؤال بسيط وهو: هل تتزايد أم تتناقص الثقة في الغرباء إثناء التطور والنمو في مرحلة الطفولة؟ الجواب هو ستتزايد بالتأكيد, وذلك لان الأطفال بطبيعتهم لا يثقون في الغرباء عندما يكونون صغاراً, ولكنهم في نهاية المطاف يدركون بأن الكثير من الناس (إن لم يكن كلهم) جديرين بالثقة.. لكن مهلاً, فأن الجواب الحقيقي هو إن الأطفال تدريجيا يصبحون أكثر تشكيكا. فالأطفال في بداية أعمارهم لا يعرفون معنى الغدر واغلبهم لم يجربوه من قبل, وعندما يكبرون قليلا يدركون بان اغلب الناس (إن لم يكن كلهم) بالأساس نفعيين, فيدرك الأطفال بذلك خطر الإستغلال مما يجعلهم اقل ثقة.

أي الآراء اصح؟ وهل هناك واقع ملموس لكل منهم؟ الرأي العلمي لابد وان يستند على برهان تجريبي وأدله قابلة للتكرار لا يمكن أن تأتي إلا من دراسات منظمة, حيث طُبقت ثلاث دراسات من قبل فريق من طلاب الدراسات العليا وهم (ايفانس, اثينستيدت وكروجر عام 2013) لعدة سنوات في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية لمدينه جراتس وضواحيها في النمسا, فوُصفت اثنين من هذه الدراسات الثلاث في مقال, اما الدراسة الثالثة فهي موجزة حصرا بهذا المقال. فقد تم تهيئ لعبة ما من الاقتصاد السلوكي تسمى لعبة الثقة وذلك لغرض دراسة الثقة عند الأطفال. فعند اللعب مع الناشئين يمنح احد اللاعبين 10$ ويخير مابين الاحتفاظ بها او إعطائها إلى لاعب ثاني وفي حالة إعطائها للاعب الثاني سيضاعف المبلغ إلى ثلاثة إضعافه, ومن ثم يختار اللاعب الثاني بين الاحتفاظ بكل المبلغ او مناصفته مع اللاعب الأول. ستكون النتيجة مقبولة اجتماعيا, حيث يثق اللاعب الأول باللاعب الثاني لمقاسمة المكاسب وفي الحقيقة هذا ما يقوم به اللاعب الثاني أيضا, وبهذا تكون معدلات الثقة والمعاملة متفاوتة بدرجة كبيرة ومتوسطة المعدل عند الناشئين.

قمنا بتصميم لعبة ثقة للأطفال مستخدمين حقائب لعب مفاجئة, فكان الأطفال يأخذون دور اللاعب الأول بينما كان اللاعب الثاني يُمثل بصورة, وكان تقدير البيانات مرتفع وواضح (كقرع الطبول), حيث تتزايد الثقة بنسبة أكثر من 60% عند الأطفال الكبار مما هي عليه في الأطفال الصغار حوالي 25%, وألان أنت تعرف بأنه ليمكنك التردد بالادعاء أن هذا كان واضحا طوال الوقت.

تأمل السؤال الثاني: هل هناك اختلافات متعلقة بالعمر بين الإثارات البسيطة؟ إذا كان الأمر هكذا, فربما سيكون للأطفال الأكبر سنا حيث إنهم أكثر ميلا لإعطاء حقائبهم للآخرين وببساطة قد يكون سبب هذا ليكونوا لطفاء, وباستخدام طريقة وضعها لنا كوكس في عام 2004, حيث قمنا بتعديل لعبة الثقة واخبرنا الأطفال بأن اللاعب المستفيد لا يمكنه مشاركة الإرباح حتى وان أرادوا ذلك, فوجدنا انخفاض في معدلات العطاء (المشاركة) بنسبة 20% تقريبا مما كانت عليه في الثلاث دراسات وكان للعمر تأثير بسيط, وكل معدلات الثقة ومتغيراتها موضحه في المخطط (مرفق في رابط المقال الاصلي) , حيث وجدنا أيضا أن هناك ارتباط ضعيف بين الثقة والإيثار بمتوسط 14, مما يشير إلى أن الثقة ببساطه هي امتداد لخيار اجتماعي نفعي, فباعتقادنا أن قرارك بالثقة ما هو إلا مهمة معرفيه ملحه على الأغلب, والتي تتطلب استخدامك لبصيرة شخص أخر وتقريرك إن كان هذا الشخص سيحترم معيار التبادل أم سيخون من يثق به, فالنظرية النفعية مهارة تدل على الوعي, بينما يتظاهر الأطفال الصغار بما هو مفترض بعدم ثقتهم بالغرباء.

بعد ملاحظة عدم نقصان الثقة قمنا باستبعاد تفسيرين آخرين لمؤثرات السن الأساسية, أولهما اكتشفنا بان ما يهم حقا هو عمر الطفل الذي يثق وليس عمر الطفل الموثوق به, فان تفاوت أعمار المشاركين لم يكن لها تأثيرا. أما التفسير الثاني: وجدنا بان الإمكانية المحددة لإعاقة رضى الأطفال الصغار لا يمكنها تفسير مستوياتهم المنخفضة للثقة, فكان التأثير العمري للثقة قويا عندما عَلم الأطفال بأنهم أذما وثقوا سيكافئون تلقائيا (بالفوائد). وفي الدراسة الثالثة والغير منشورة وجدنا بان جنس الأطفال الواثقين لم يؤثر في النتائج أيضا, إن الهدف النهائي من هذه الدراسة هو الكشف عن تأثير الفرضيات المحتملة, ففي الدراستين الاولى  والثانية كان الأطفال دائما يلعبون لعبة الإيثار بعد لعبة الثقة, بينما في الدراسة الثالثة استخدما كلا السياقين ووجدنا إن هذا لا يحدث فرقا.

دعم أسلوب الكشف عن التباسات متنوعة وبدائل نظرية إيماننا بالانفراد والوحدة النظرية لمفهوم الثقة. وأخيرا حان لعلماء النفس والاقتصاديون الاتفاق على شيء واحد إلا وهو: إن سلوك كفاءة السوق و الرفاه الشخصي معتمد اعتماد كبير على منهج صحي بالثقة,حيث لا يستطيع أي احد النجاح إذا كان يثق بالجميع ولا يمكنه النجاح إذا لم يثق بأي شخص, فكونك قادرا على معرفة متى بإمكانك أن تخاطر بثقتك هو تحدي صعب ومهمة تطويرية حاسمة.

 

الرابط : http://www.psychologytoday.com/blog/one-among-many/201306/trust-in-children