هل الشمال في الاعلى حقاً ؟!

رغد قاسم.. “نورث = North” هي الكلمة الانكليزية عن الشمال، وهي كلمة من أصل الماني تعني الجهة المعاكسة لشروق الشمس؟ وكذا في الهنغارية يكافئ الشمال معنى الليل.. فالشمال أصلاً لا يعني الأعلى، بل يعني اليسار بالضبط كما يستخدمهُ العرب في بعض كلامهم، ففي العربية تكون يدكَ اليسرى هي يدك الشمال.

إذن في حقيقة الأمر، فإن كلمة شمال هي ذاتها كلمة يسار، ولكن تحولها إلى المعنى الذي يدل اليوم على الجهة العليا، ناتج في الأساس من الأفكار الوطنية، التي يتبعها راسمي الخرائط، على إعتبار أنّ كل وطني يرغب برؤية بلده في الأعلى، وهو ما حدثَ حينَ رسم البابليون خريطة العالم قبل 4000 الاف سنة، بهيئة دائرة تُحيط بها المياه، رسموا بابل في أعلى العالم! بينما رسموا عدوتهم اللدود سوسة (بلاد فارس) في الجنوب! رغمَ أن خرائط اليوم ترسمهما جنباً إلى جنب، فبابل تقع إلى يسار سوسة! وكذلكَ رسم اليابانيون القدماء قصر الإمبراطور في الاعلى، وفي مركز العالم في الوقت ذاته.

خارطة العالم البابلية

خارطة يابانية قديمة للعالم

هذهِ هي المسألة كلها، فالخرائط حكايات لا حقائق، وتمثلُ وجهة نظر أصحابها قبل كل شيء. هيكاتوس الملطي المؤرخ اليوناني الشهير رسمها على الطريقة البابلية، قرصاً لكن هذهِ المرة روما هي مركز العالم وتُحيطها المياه.

خارطة العالم لهيكاتوس الملطي

أما الادريسي فقد رسم الأرض بشكل دائري أيضاً، لكن هذهِ المرة وضع آسيا في الأعلى، إنما أعتبر الأعلى هو الجنوب لا الشمال! –وهو تقليد استمر لفترة طويلة عند الصينيين في رسمهم خرائطهم- وطبعاً كان الحرم المكي مركز العالم في الخارطة العربية القديمة، بما يتناسب مع المتطلبات الدينية للعصر.

خارطة العالم للادريسي

بينما الخريطة الشهيرة في كاتدرائية هيرتفورد في إنجلترا، والتي رُسمت في العام 1300 بواسطة قس مجهول، فقد عبرت تماماً عن رأي ذلكَ القس ونظرتهُ للعالم، إذ رسم الخارطة والقدس (أورشليم) في مركز العالم، ورسمها بحيث يبدو جسد السيد المسيح وأورشليم في قلبهِ، وهو في حالة الصلب كأنهُ يحمل العالم على يديهِ، وإن كانَ لم يُخالف الإدريسي، وابقى على آسيا أعلى الخريطة واوربا عند قدميّ المسيح، وأفريقيا على يساره.

خارطة للعالم في كاتدرائية كاتدرائية هيرتفورد

لم يصبح الشمال في أعلى الخرائط إلا في القرن السادس عشر حين أصبحت أوربا مركزاً لإنتاج الخرائط، وصارت قوة عظمى، بسبب الاستكشافات والحروب، فمثلاً في القرن السابع الميلادي رسم ايزدور الاشبيلي خريطة العالم على الطريقة البابلية بهيئة قرص كذلك، ولم يخالف التقاليد في جعل آسيا أعلى الخريطة.