هل نظرية الاوتار الفائقة علم؟ جدل بين العلماء والفلاسفة قد يعيد تعريف المنهج العلمي ويعيد فهمنا للكون. الفيزيائيين وعلماء الكونيات ناقشوا هذا الموضوع في العقد الماضي، لكن الآن المجتمع ينتظر المساعدة من الفلسفة.

نظرية الاوتار الفائقة

اجتمع بعض من الفيزيائيين المتناحرين فيما بينهم مع فلاسفة العلم في ورشة عمل غير اعتيادية بهدف حل مشكلة اتهام فروع الفيزياء النظرية بانفصالها عن العلم التجريبي. وهذا يضع نزاهة الفيزياء النظرية في خطر، لان المنهج العلمي قوامه هي التجربة. وهذا قد يؤثر على سمعة العلم بين الناس.

عُقدت ورشة العلم هذه في جامعة لودفيغ ماكسيميليان (Ludwig Maximilian University) في ميونيخ في ألمانيا أيام 7،8،9 ديسمبر من عام 2015 كنتيجة لمقال في مجلة نيتشر (Nature) نُشر في العام الماضي ، حيث ان عالم الكونيات جورج إليس من جامعة كيب تاون (University of Cape Town) بجنوب افريقيا ورائد الفضاء جوزيف سيلك من جامعة جون هوبكنز في بالتيمور بميريلاند عبّروا عن اسفهم وقالوا ان هذا انحراف مقلق في الفيزياء النظرية.
لقد أكدوا في مقالهم انه هناك صعوبات في تطبيق النظريات الاساسية على الكون المرصود، وبعض العلماء يرون أنه اذا كانت النظرية أنيقة وتفسر سلوك الكون بشكل جيد فإنه لا يلزم أن يتم إختبارها تجريبيا.

القابلية للاختبار من أول المواضيع التي تمت مناقشتها في ورشة العمل هذه، لكي تُعتبر النظرية العلمية صالحة يجب أن يكون هناك طريقة أو تجربة يمكننا من خلالها الحكم على النظرية موضع الإختبار بالصحة أو بالخطأ، وهذا المبدأ وضعه فيلسوف العلم كارل بوبر في عام 1930 . ولقد أشارا في مقالهما ان هناك مواضيع محددة في الفيزياء النظرية ضلّت عن مبدأ كارل بوبر الإرشادي هذا.

وقد استشهدا بنظرية الاوتار الفائقة كمثال، تستبدل نظرية الاوتار الفائقة الجسيمات الأولية بأوتار رفيعة جدا ومتناهية في الصغر وذلك للتوفيق بين النظريات التي تبدو غير متوافقة فيما بينها والتي تصف الجاذبية وعالم الكم. الاوتار صغيرة جدا ولن يتم كشفها بالتكنولوجيا الحالية، ويرى البعض ان هذه النظرية جديرة بالمتابعة سواء كانت التجارب العملية قادرة على قياس تأثيراتها أو لا لأنها ببساطة الحل المناسب للكثير من المشاكل.

ووضح سيلك و إليس في مقالهما بأن هناك نظريات اخرى تخلت عن مبدأ كارل بوبر في القابلية للاختبار مثل نظرية الاكوان المتعددة.

ديفيد جروس الفيزيائي النظري بجامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا والذي له اسهامات في نظرية الاوتار الفائقة والحائز على جائزة نوبل على عمله على القوة النووية القوية ميّز في بداية النقاش بين نظريتي الاكوان المتعددة والاوتار الفائقة ، حيث صنف الاوتار الفائقة كنظرية قابلة للاختبار من حيث المبدأ وبالتالي فهي نظرية علمية بإمتياز لان الاوتار يُحتمل ان تكون قابلة للرصد، لكن مفاهيم نظرية الاكوان المتعددة مقلقة جدا لان الاكوان الاخرى ربما تكون غير قابلة للرصد من كوننا هنا ، حتى من حيث المبدأ. وقال ان مجرد القول بأن الاوتار الفائقة ليست نظرية علمية لانها غير قابلة للاختبار حاليا يُعدّ قولا سخيفا.

وكان من بين الحضور كارلو روفيللي (Carlo Rovelli) الفيزيائي النظري بجامعة ايكس مرسليا (Aix-Marseille University) في فرنسا، أوضح أنه يتفق تماما مع جروس، لكن الهدف الرئيسي لورقة إليس وسيلك كانت ملاحظات الفيلسوف ريتشارد داويد (Richard Dawid) من جامعة لودفيغ ماكسيميليان في كتابه “نظرية الاوتار الفائقة والمنهج العلمي” ، دوايد قال في كتابه ان منظري الاوتار الفائقة استخدموا إحصاء بايزين (Bayesian statistics) والذي يحسب إحتمالية حدوث تنبؤ معين في الحقيقة على أساس المعرفة المسبقة، ويزيد حساب هذا الاحتمال بمجرد الحصول على معرفة اكثر، الفيزيائيين قاموا بإستخدام عوامل نظرية بشكل كلي، مثل الاتساق، والبدائل ذات المصداقية لتعديل الحسابات، بدلا من الاعتماد على البيانات الفعلية.

مناقشة ساخنة

في ورشة العمل قام ديفيد جروس والذي اشار لغياب البدائل في نظرية الاوتار الفائقة مما جعلها تبدو صحيحة بالتطاحن مع روفيللي والذي عمل لسنين على بديل سماه حلقة الكم جاذبية (loop quantum gravity)، عارض روفيللي بشدة الافتراض بانه لا توجد بدائل صالحة.

وفي الوقت نفسه رفض إليس فكرة أن العوامل النظرية يمكنها ان تحسن من الحالات الفاسدة في النظرية وقال انه يجب ان تكون التحسينات الجديدة في النظرية قائمة على أدلة تجريبية وليست نظرية.

وقالت سابين هوسينفلدر (Sabine Hossenfelder) عالمة الفيزياء في معهد النورديك للفيزياء النظرية في ستوكهولم (Stockholm) أن شعبية نظرية الاوتار الفائقة قد ساهمت في الإنطباع انها هي اللعبة الوحيدة في الفيزياء. ومن المحتمل أنها أخذت هذه الشهرة لأسباب اجتماعية، على سبيل المثال فالباحثين الشباب يتحولون لدراستها لأن آفاق العمل أفضل مما كانت عليه في المجالات الأقل شهرة.

أشار مؤرخ العلوم هيلج كراف (Helge Kragh) من جامعة آرهوس (Aarhus University) في الدنمارك من منظور تاريخي بأن القول بحاجة العلم لوسائل جديدة طرحه أحدهم من قبل، ولكن محاولة استبدال قابلية الاختبار التجريبية ببعض المعايير الأخرى كانت دائما تفشل. ولكن على الأقل فالمشكلة تقتصر على عدد قليل من مجالات الفيزياء. “نظرية الأوتار والأكوان المتعددة ليست سوى جزء صغير جدا مما يفعله معظم علماء الفيزياء”.

 

وهذا مريح لروفيللي، الذي شدد على ضرورة وجود تمييز واضح بين النظريات العلمية الراسخة من خلال التجارب وتلك التي تُعد مضاربة. إنه من السيء جدا عندما يوقفك الناس في الشارع ويسألونك “هل تعلم أن هذا العالم مكون من الاوتار وأن هناك عوالم موازية؟”


في نهاية ورشة العمل، لا يبدو أن الفيزيايين المتناحرين وصلوا إلى اتفاق. داويد الذي شارك في تنظيم الحدث مع سيلك، إليس وغيرهم يقول أنه لا يتوقع من الناس أن تغير مواقفها بشأن النظرية بطريقة جوهرية لكنه يأمل في عرض انواع أخرى من الأفكار والتي قد تؤدي إلى تقارب طفيف. يشير إليس أن طريقة أكثر مغامرة في النقاش، مثل الدراسة الصيفية لمدة أسبوعين، قد تكون أكثر نجاحا في إنتاج توافق في الآراء.

المصدر :

http://www.scientificamerican.com/article/is-string-theory-science/