بقلم ايدزار ارنست

كان د. ادريان وايت زميلا لي في قسم الطب المُكمل بجامعة اكستر من 1994 ولغاية 2005، ثم أصبح زميلاً موثوقاً، وبالنهاية تولى منصب نائب رئيس القسم، عندما اكتشفت أنه قد خان ثقتي، لم أجدد التعاقد معه، وبالتالي؛ حصل على وظيفة باحث أقدم في قسم ممارسة الطب العام، وتابع بحثه عن العلاج بالوخز لمدة 10 سنين أخرى. 

وايت كان يهوى العلاج بالوخز، في الحقيقة؛ لم أرى يوماً شخصاً ما مقتنعاً بجدوى هذا العلاج مثله. عندما انضم الى فريقي البحثي، اكتشفت ضعفه من الناحية العلمية، لذلك قضينا اشهراً عديدة في تعليمه المنهجية العلمية، وكيف يفكر مثل العُلماء، في البداية؛ وجد أنه من الصعوبة ان يكون ناقداً للعلاج بالوخز، كنت افترض ان هذه المشكلة تحت السيطرة، فقد كانت جميع الأبحاث التي أجراها تحت إشرافي المباشر. كنت احرص على ان تكون جميع دراساتنا تخضع للفحص والاختبار، بدلاً من أن تروج لما يُسمّى بالطب البديل. وأن تكون مراجعتنا للأدلة العلمية المنشورة ذات تقييم نقدي. بعد ان غادر وايت العمل لدي، تمكن من العمل بدون اشراف. 

لذلك لدينا فترتين منفصلتين وموثقتين بشكل جيد، لباحث يناصر العلاج بالوخز، 10 سنوات يعمل تحت إشرافي وأفراد من فريقي البحثي، و 10 سنوات أخرى يعمل كليا بلا إشراف. 

المنهج

نفذت بحثاً في الدوريات الطبية عن منشورات د. وايت عن العلاج بالوخز،  واخترت تلك التي سجلت بيانات حقيقية جديدة، ينتهي تحليلي هذا باتجاهات تحددها الاستنتاجات التي في أوراق د. وايت البحثية، لذلك استخرجت، وأرخت، وقيمت الاستنتاجات التي تضمنتها المقالات كالاتي: 

أ= إيجابي من وجهة نظر المنحاز إلى العلاج بالوخز.

س= سلبي من وجهة نظر المنحاز إلى العلاج بالوخز.

أ/س= غير واضح انتماءه لأي من الاتجاهين.

ولجعل هذه الطريقة أكثر شفافية (لم اكن متأكداً من دقة تصنيفي)؛ نسخت جميع الاستنتاجات، ووفرت روابط تؤدي إلى الأبحاث الأصلية، ليتمكن أي مهتم بالدخول إليها والتأكد من كلامي. 

النتائج

أدت البحث في الدوريات الطبية الى إيجاد 120 مقالاً بقلم ادريان وايت عن العلاج بالوخز،52 منها مُثبتة الشمول المعياري لتسجيل بيانات حقيقية جديدة، معظمها كانت تجارب سريرية، ومراجعات منهجية، هذه الأوراق العلمية المنشورة موزعة بالتساوي تقريباً على الفترتين ذوات الـ10 سنين، الأبحاث 1-27 نُشرت في الفترة بعد مغادرة وايت للقسم، 28-52 نشرت عندما كان وايت لا يزال يعمل في القسم تحت اشرافي. 

عند الاخذ بالاعتبار، ان المرء لم يتوقع دراسات غير منحازة، او إمكانية وجود أبحاث عن العلاج بالوخز تولّد استنتاجات ايجابية، فإني وجدت الاتي: 

بعد مغادرة وايت للقسم:

  • استنتاجات سلبية= 0
  • استنتاجات لا إيجابية ولا سلبية= 5
  • استنتاجات إيجابية= 22

قبل مغادرة وايت القسم:

  • استنتاجات سلبية= 17
  • استنتاجات لا إيجابية ولا سلبية= 7
  • استنتاجات ايجابية= 0

من هذه المُعطيات، يصبح من السهل حساب النسب لكلا الفترتين السلبي إلى الإيجابي، لتكون النتيجة صفر الى ما لا نهاية.

شكل1: توضح الاستنتاجات السلبية والايجابية في مقالات د. وايت على مر السنين، شملت العينة 6 من الاستنتاجات في أبحاث وايت. 

للاطلاع على القائمة الكاملة للاستنتاجات يمكنك زيارة مدونتي.

شكل (1): الاستنتاجات السلبية (بالأحمر)، والتي نُشرت في الفترة 1996-2005، والاستنتاجات الإيجابية (بالأزرق) التي نشرت في الفترة التي تليها. 

شكل (1): الاستنتاجات السلبية (بالأحمر)، والتي نُشرت في الفترة 1996-2005، والاستنتاجات الإيجابية (بالأزرق) التي نشرت في الفترة التي تليها.

المناقشة

ربما تكون حالة وايت فريدة من نوعها، لأنها تتيح لنا مشاهدة التحيز على مدار عقدين من الزمن، وهذا يُثبت كيف استطاع متحمس مؤمن بفعالية العلاج بالوخز، ان يتعلم وهو تحت الإشراف المباشر المنهجية العلمية، وهذا مكنه من ان ينشر عدد كبير من الأوراق البحثية مُعززة بالأدلة على مر عقد من الزمن، تشكك بقيمة العلاج بالوخز، رغم إيمانه بفعاليتها، لكنه حالما غادر قسمي، وتمكن من العمل دون إشراف، يتبين أنه ترك طريقة التفكير الناقد، وطفق ينشر تلك الأوراق التي معظمها تحمل استنتاجات إيجابية. 

يتطلب هذا التناقض العجيب تفسيرات وافية، الأول؛ عندما كان تحت اشرافي نشر أدلة موثوقة، وعندما عمل لوحده دون إشراف، خلال الفترة الثانية، تملكه الانحياز نحو تأييد العلاج بالوخز، وهذا التفسير يعني أن انحيازه “الأيديولوجي” كان قويّاً وصلباً حيث ظهور هذا الانحياز حالما تُرك يعمل دون مراقبة.

أما التفسير الثاني، يحمل احتمالية أخرى، حيث أن وايت لم يجرؤ على التصريح بحقيقة انحيازه طالما كان يعمل تحت إشرافي، حيث نشر عدة أبحاث تحمل استنتاجات غير متحيّزة، لكنه تجرأ عندما تحرر عن إشرافي.

لنقرر أي التفسيرين صحيح، علينا أن نُحدد فعالية العلاج بالوخز من عدمه، فمن يؤمن بفعالية العلاج بالوخز؛ يميلون إلى التفسير الثاني. أما من لا يعتقدون بفعاليته، يفضلون التفسير الأول.

أوقعتنا محاولة تقرير أي التفسيرين صحيح في حيرة: فهناك العديد من المقالات عن العلاج بالوخز تقترح فعاليته؛ لحالات متعددة. ومن ناحية أخرى هناك عدد هائل من الأوراق البحثية تقترح العكس. تلك المقالات غالباً ما كتبها باحثون من أمثال وايت، والذين تعرضوا للنقد من قبل مُشككين، على انحيازهم نحو العلاج بالوخز. أما الأوراق البحثية فيكتبها مُشككون، يتعرضون للنقد من قِبل المتحيزين للعلاج بالوخز، متهمين إياهم بعدم الفهم.

لإيجاد حل لهذه المُعضلة، علينا أن نعتمد على مراجعات مُقدمة من مؤسسة كوكرين [مؤسسة بحثية أمريكية غير ربحية هدفها تنظيم معلومات الأبحاث العلمية الطبية بشكل منهجي، مما يسهل من اتخاذ القرارات من قبل الأخصائيين في مجال الطب بالإضافة إلى المرضى وصائغي السياسات الصحية]، تلك المراجعات مُصممة بعناية لاختزال التحيّز، حيث يتم اعتبار المروجين للوخز بالإبر من ضمن الكتاب المعتمدين علمياً، مع الأخذ بعين الاعتبار، أكثر الأدلة المتاحة والموثوقة، في تموز 2020 أصدرت مؤسسة كوكرين 52 مراجعة علمية حول العلاج بالوخز، اثنان منها فحسب كانت تحتوي على الاستنتاج الإيجابي المعتمد على اكثر من بحث أولي عالي الرصانة.

وهكذا تترجح كفة التفسير الأول، وإن استنتاجات وايت في دراساته بالفترة الثانية من مسيرته المهنية تفتقر حقاً إلى ما يسندها من نقد؛ لذلك فهي إيجابية مزيفة. لديّ دليل إضافي يدعم هذا الافتراض، في العديد من مقالاته (مثلا: 5،20،27 من القائمة الكاملة) حيث بدا أن وايت قد حوّل اكتشاف سلبي أساسي إلى استنتاج إيجابي. 

زيادة على ذلك، اجرى وايت حين كان يعمل معي، تجربة سلبية سريرية عن العلاج بالوخز للإقلاع عن التدخين، لكنه لاحقاً؛ نشر مراجعة تحمل الاستنتاج الإيجابي في نفس الموضوع، يبدو إن وايت لا يثق بالدراسة التي أجراها بنفسه في نفس الموضوع، لأنه لم يحصل على النتيجة التي كان يرغب بها.

وأخيراً، قد يُقدر التفسير الثاني على أنه انحيازاً قوياً من قِبلي ضد العلاج بالوخز، إلا أنه ليس كذلك، وهذا الادعاء يمكن دحضه بوجود مراجعاتي المنهجية التي تدعم العلاج بالوخز، حين يكون مجمل الأدلة الحسنة موجب.

وفي الختام نؤكد إن هذا التحليل، هو مجرد دراسة حالة، ولذلك لا يمكن تعميم حيثياته، وعلى اية حال، فمن خبرتي الشخصية بعد 25 في الأبحاث المغشوشة، وهذه ظاهرة موجودة وليست خاضعة للاستثناء. 

انشر على الدوام في مدونتي ، قائمة متنامية للباحثين الغشاشين، الذين يفتخرون بشكل مذهل، عدم نشر أي أبحاث تحمل الصفة السلبية، ولقد عمدت الى تسميتها بـ “لوحة شرف الطب البديل” [ساخراً]، بوصول شهر كانون الثاني 2021، احتوت القائمة على 17 اسم فقط، لكن تتوقع ان تنمو القائمة، وتضم أسماء أخرى، حيث يبدو أن تضارب المصالح “الأيديولوجي” له تأثير اقوى في الأبحاث المغشوشة من “المالي”.
من الضروري معرفة أن تأثير التحيّز الأيديولوجي مهيمناً في الأبحاث المغشوشة. يجب أن يحذر المستهلك من تلك الأبحاث المغشوشة القائمة على مصادر غير موثوقة، وعلى الممولين أن يكونوا أكثر حكمة ويوقفوا دعمهم لأولئك الباحثين الذين يتكئون على أبحاث توّلد اكتشافات ذات استنتاجات ايجابية-زائفة.
ومن هذا التحليل نستنتج ان عدم وجود دراسة، خيرٌ من وجود دراسة مغشوشة ومنحازة.
 

 المقال الأصلي:

Edzard Ernst, “A Longitudinal Study of ‘Ideological’ Bias in Research of ‘Alternative Medicine’”, Skeptical Inquirer, From: Volume 45, No. 3, May/June 2021