هل يجب أن تأكل 2000 سعرة حرارية أو أقل؟ هل عليك أن تشرب 8 أقداح يومياً؟ هل يجب أن تمارس الرياضة 4-5 أيام في الأسبوع؟ لكن الأهم، هل وزنك المثالي هو طولك مطروح منه 100؟ من وضع افتراضات كهذه؟ وكيف ستكون مقاسات جسمك على افتراض أنك تمارس رفع الأثقال وتحاول تغيير تركيبة جسدك قليلاً لتنال كتلة عضلية أكثر بطريقة صحية؟ في الحقيقة إن تلك المقاييس النمطية والتعويل على رقم الميزان فقط للوصول إلى مفهوم الرشاقة أو الجسم ذو الكتلة العضلية الأعلى قد يكون مضللاً. أساساً ما هو المقياس الموضوعي للرشاقة؟ هذا ما سنناقشه في المقال التالي.

تاريخياً وقبل البدء باستخدام الستيرويدات الابتنائية، كان من الصعب أن نجد الجسم النموذجي المعاصر. ربما يمكن مشاهدة التماثيل اليونانية كمثال من الأمثلة القليلة عن شبيه لما نتصوره اليوم. فإذا كنت تتعاطى الستيرويدات الابتنائية أو الهرمونات أو ما يسميه البعض تزويراً “المكملات”، أو كنت تفكر في ذلك فلن تحتاج لقراءة هذا المقال. يجب أن يفهم أي شخص أن تعاطي الستيرويدات الابتنائية يضع الشخص ضمن مجموعة أخرى تماماً وصنف آخر من الأجسام. كما قد لا تحتاج إلى التحرر من الميزان في حال عدم ممارستك لأي رياضة ستسهم في زيادة الكتلة العضلية.

يتحدث هذا المقال عن البناء الطبيعي للعضلات. في مقال سابق أجرينا مقارنة أوضحنا فيها مع الصور كيف يبدو الرياضيون بهيئة طبيعية دون استخدام الهرمونات. كما شرحنا سابقاً كيف تحدث زيادة التستوستيرون طبيعياً، وهو اللاعب الرئيسي في البناء العضلي. حيث يؤثر التستوستيرون بطبيعة الحال على مقاييس الجسم. سنحاول هنا أن نفهم الحدود الطبيعية للرشاقة أو الجسم المثالي بعيداً عما يبدو كرقم صعب وشديد التقييد وهو الرقم الظاهر في الميزان.

قبل أن نبدأ مع مقاييس للعضلات أو لنسبة الدهون أو للمقاييس الدقيقة لأجزاء الجسم يجب الكلام عن العظام. لا يوجد عظم خفيف وآخر ثقيل سواء عند الرجال أو النساء، الأوروبيون، الصينيون، العرب، الافارقة، أو أي جماعة أخرى سوى بفروقات بسيطة معقولة. يجب ابعاد هذه النقطة في البداية.

التشكيك بنسب ومقاييس الجسم المثالي

ترجع مؤشرات الجسم المثالي للرجال والنساء في الأساس إلى المقاييس الجنسية قبل أي شيء آخر. كتاب علم النفس التطوري لديفيد باس يذكر النسبة المثالية بين الورك والخصر لدى النساء والمستخرجة من دراسات تتعلق بالتفضيلات الجنسية وهي 0.7. في مقاييس أخرى فإن هذه النسبة تصل إلى 0.85[2]. لكن لماذا تعد هذه النسب مهمة؟ وهل لها أي مصداق علمي؟

نسب الجمال ليس لها منطق علمي باستثناء ما يقدمه علم النفس التطوري من ارتباطات بين الصفات الإنجابية للنساء وبين خصائص الجسد. وهكذا الحال مع الرجال كأن يرتبط الأمر بالقوة الجسدية أو أي خصلة أخرى قد تعد مفيدة. لكن نسب الجمال في نفس الوقت نسبية جداً حيث نقرأ في كتاب علم النفس التطوري مثلاً كيف أن شعوب الصحراء تفضل النساء بمعدلات بدانة أعلى. كما نجد فوارق في أشكال النساء بين تماثيل العصر الحجري، لوحات عصر النهضة، أو عارضات الأزياء اليوم. لعل الأمر يختلف قليلاً بالنسبة للرجال حيث أن خصائص الرجال المفضلة تكاد تكون ثابتة رغم وجود فروقات إقليمية وثقافية. شعب الميكان (Mekan) في أفريقيا مثلاً يفضل الرجل ذو الكرش ويشجع اكتساب الرجل للوزن.

في الثقافة العربية لا نجد لوحات تصور لنا الذائقة العامة تجاه هيئة الجسد، لكن نقرأ أبياتاً في استحسان السمنة للنساء. يقول المتوكل الليثي[3]:

إذا تمشي تأود جانباها وكاد الخصر ينخزل انخزالا

تنوء بها روادفها إذا ما وشاحها على المتن جالا

بالتأكيد فإن الإشارة للتباين الثقافي في قياسات الجسم ونسبه والتباين التاريخي لا يدعوان لنبذ قيم الجمال الحالية. بل ربما نستفيد من تلك المعايير إن وجدت لوضع قيم أخرى تختلف عن رقم الميزان لوحده. لذا فقد اتجهنا لبعض المصادر التي تعد بمثابة المراجع لقيم الجمال الحديثة وخصوصاً فيما يتعلق بالبناء العضلي للرجل مثل موقع مينز هيلث (Men’s Health). يذكر مقال للموقع[4] بعض تلك النسب فمثلاً وبحسب دراسة حول التفضيلات الجنسية للنساء فإن النساء ينجذبن لمن تبلغ نسبة الكتف إلى الخصر لديهم 1.6. يعني ذلك حاصل قسمة محيط الأكتاف إلى محيط الخصر. أما نسبة الصدر إلى الخصر في الرجل فهي 1.4 بحسب أحد الكتاب عن معايير الجمال تلك.

نسبة الورك إلى الخصر بالمعايير الجمالية للرجال هي 0.8[5] بحسب البعض. وهي أيضاً قد تكون قيمة ذات دلالة صحية حيث يعد تراكم الدهون في منتصف الجسم أمراً سيئاً غير أن المؤشر الصحي يقترح ما هو أعلى من ذلك بقليل وأكثر واقعية: 0.95 فما دون[6].

قياسات أجسام الجنود الأمريكان في الستينات

أحد الأماكن المفيدة للبحث عن مفهوم طبيعة الرشاقة والعضلات قد يكون في الجيوش. في الستينات، لم تكن الستيرويدات شائعة كما هي اليوم  رغم بدء استخدامها في ذلك الحين ببناء الأجسام. أجرى الجيش الأمريكي حينها قياسات على ستة آلاف من الجنود الذين قبلوا وفق شروط للرشاقة كما كانوا ضمن فئات عمرية يافعة. ما زالت البيانات منشورة على الإنترنت ويمكن الوصول إليها عبر الرابط[7].

سننتقي بعض المقاييس التي تساعدنا في فهم واقعية النسب المقدمة من موقع مينز هيلث وغيره عن الجمال. يبلغ محيط أكتاف أكثر من 50% من الجنود المشاركين أقل من 113 سنتمتراً. 10% من الرجال فقط لديهم محيط أكتاف يزيد على 120 سنتمتراً. بالنسبة لمحيط الصدر فإن نصف الرجال يتراوح محيط الصدر لديهم بين 80 و 93 سنتمترا وهناك 10% فقط ممن يزيد محيط الصدر لديهم عن 100 سنتمتر. الخصر: 50% من 66 إلى 78 سنتمتراً، وأعلى 10% هم بين 90 و 105 سنتيمتر. الورك: 50% من 82 الى 93 سنتمتراً وأعلى 10% يزيد المحيط لديهم عن 102 سنتيمتر. أما الافخاذ فإن نصف الرجال يبلغ محيط فخذهم أقل من 55 سنتمتراً وأعلى 10% يزيدون عن 61 سنتمتراً. أما الرقبة وهي مهمة في قياس نسبة الدهون فإن القياسات لها 37 و40 على التوالي للنسب 50% و90% من الرجال في العينة. عضلة الذراع في حالة التقليص: 32 و35 سنتمتراً على التوالي. وأخيراً فإن الكتلة هي 72 كيلوغرام الى 92 كيلوغرام للنسب 50 و90% من العينة.

تلتقي هذه الأرقام بنسب معينة مثلا نسبة محيط الصدر إلى كتلة الجسم، لذا فمن غير المفيد ربما النظر لها دون سياق، لكن من الممكن حساب النسبة الخاصة بك بسهولة الآن. كما يمكن من الأرقام أعلاه أخذ فكرة عن قياسات أجسام أشخاص بحالة بدنية صحية جداً وهم فئة شابة تم قبولهم كجنود في جيش مثل الجيش الأمريكي. تذكر الدراسة أيضاً نطاقاُ واسعاً من النسب غير أن النسب كما يبدو لا تلتقي مع معايير الجمال الحديثة والمتطرفة أعلاه وهو ما أكدناه من مصدر آخر كما سيأتي في المقطع القادم.

قياسات الجسم للجيش الامريكي

صورة للقياسات من الدراسة التي اجريت على الجنود في الجيش الامريكي في الستينات

النسب والأبعاد الواقعية للعضلات وأجزاء الجسم

أثناء إعداد هذا المقال أخذنا نظرة على عينة من قرابة 2000 شخص استخدمت كبيانات تدريبية من مؤسسة امازون لتقييم أبعاد الجسم من خلال الصور.[8] وفي الوقت الذي نجد فيه موقع مينز هيلث يتحدث عن نسب للجمال، مثل 0.8 للنسبة بين الخصر والورك، أو 1.4 للنسبة بين الصدر والخصر وفق مصدر آخر، فإن الواقع مختلف عن تلك النسب.

في الواقع ووفق العينة من امازون كان هناك 300 شخص فقط من الذكور والإناث ممن كانت نسبة الصدر إلى الخصر لديهم أعلى من 1.2. ولم يكن هناك أي شخص من الـ 2000 شخص المشاركين ممن له نسبة 1.4 التي قد لا تتحقق إلا على لاعبي بناء الأجسام بمساعدة الستيرويدات الابتنائية. كان هناك 11 شخصاً فقط ممن لهم نسبة تزيد على 1.3. أما نسبة الورك إلى الخصر فلم يكن هناك أي شخص ممن له نسبة 0.8 وكانت أقل نسبة هي لشخص واحد 0.88.

يظهر التفاوت الكبير بين النسب الطبيعية وبين بناء الأجسام في العداد الذي يقترحه موقع بودي بلدنغ (bodybuilding.com) والذي يقدم أبعاد الجسم المثالية وفقاً لقياس الرسغ. وحيث يعد الرسغ مقياساُ لحجم الجسم فإن الموقع يقترح أرقاماً تتناسب مع لعبة بناء الأجسام ومع الهرمونات وليس مع البيانات المذكورة. مثلاً في بيانات امازون لا يوجد سوى 7 أشخاص ممن يزيد محيط ذراعهم عن 45 سنتيمتر، فيما يقترح موقع بودي بلدنغ أن من يبلغ محيط رسغه 20 سنتيمتراُ فإن المقياس المثالي لمحيط ذراعه هو 49 سنتمتر. من الواضح أن أمر نادر كهذا لا يتحقق إلا بالستيرويدات الابتنائية.

طبياً تعد نسبة الدهون ومؤشر كتلة الجسد مقاييس أخرى جيدة لإعطاء نسبة واقعية للجسم الصحي. موقع كالكوليتر يقدم لنا معادلة مفيدة وعداد بسيط لحساب نسبة الدهون في الجسم وبالاعتماد على بعض القياسات وليس على رقم الميزان فقط. يتضمن العداد قياس الخصر، الرقبة بالإضافة للطول والعمر والوزن مما يضمن نتائج دقيقة. كما يقدم الموقع نسب الدهون المثالية وفقاً لخمسة منهجيات على الأقل. قد يعد هذا المقياس إلى جانب أبعاد الجسم الطبيعية التي ذكرناها في قياسات الجنود الامريكان هو الأكثر واقعية والأقرب للمفهوم الصحي بدلاً من المفاهيم الجمالية النادرة الحدوث دون استخدام الهرمونات.

 كيف تتغير نسبة العضلات والدهون في الجسم؟

ترتفع كتلة الجسم بزيادة حجم التمرين (training volume) [1]غير أن ارتفاع الكتلة هذا يكون في صالح الكتلة العضلية. تجربة أجريت على 34 رجلاً موزعين على ثلاثة مجاميع ذات حجم تمرين مختلف. المجموعة ذات الحجم الأعلى نالت زيادة أعلى في الكتلة العضلية. تلك الزيادة في الكتلة العضلية يترتب عليها بالتأكيد زيادة في الوزن. لم تحصل المجموعة التي نالت حجماً عضلياً أعلى على قدر ملحوظ من القوة مقابل المجاميع الأخرى مع ذلك. وهكذا فإن التأثيرات المفيدة المختلفة لتمارين المقاومة تتركز حول زيادة الكتلة العضلية والتي تسهم في زيادة كتلة الجسم.

مما يتسبب بزيادة الكتلة العضلية أيضاً فيما عدا التمارين هو ارتفاع هرمون التستوستيرون سواء عن طريق الأسباب الطبيعية مثل الدخول بمراحل عمرية معينة، أو لأسباب غير طبيعية مثل تعاطي الحقن. اقرأ: بناء العضلات دون تمارين أو ربح دون ألم (Gain without pain) من العلوم الحقيقية.

ما يجعل الأشخاص الذين يمارسون بناء الأجسام في البدايات يقعون في التخبط هو زيادة الكتلة تلك. ليست كل زيادة في الكتلة هي زيادة مذمومة. يمكن لقراءة الميزان أن تقيدنا بشكل دائم بوزن معين وأن تحول دون اكتسابنا لأي كتلة عضلية. والحل هنا هو بالعودة للنسب الواردة في المقال والتي تتراوح بين المفاهيم الواقعية وبين مفاهيم الجمال المتطرفة.

الحل الأول لمعرفة الزيادة السليمة من الزيادة السيئة في الكتلة هي بمراقبة مقاييس الكتلة العضلية وكتلة الدهون. مما ذكرناه سابقاً.

التحرر من الميزان

إذا ما عرفنا أن هناك زيادة محمودة وزيادة سيئة في الوزن، فيجب أن نعلم أيضاً أن هناك خسارة جيدة وأخرى سيئة للوزن. خسارة العضلات أمر سيء ويمكن ملاحظته في الأشخاص الذين يمتلكون بنية عضلية ضعيفة مقابل الكثير من الشحم المتجمع في وسط الجسم. هذه الحقيقة تنسف الحاجة إلى الميزان وتدعونا إلى الاعتماد على مؤشرات أخرى تعتمد بالدرجة الأساس على شريط القياس.

ما يزيد من تعقيد الأمر هو ممارسة الأصناف المختلفة من التمارين والتي قد تلعب دوراً سلبياً أو ايجابياً في بناء العضلات وهدم الشحوم. قد تؤدي بعض التمارين إلى نسبة أعلى من الهدم العضلي اقرأ مثلاً عن آلام العضلات المتأخرة وكيف تسهم التمارين الرياضية في ضرر العضلات. الضرر هذا يتطلب التركيز بشكل أكبر على التغذية والتغذية هذه قد تسهم في زيادة الوزن بطريقتين عبر جمع الشحوم وبناء الكتلة العضلية. غير أن التوازن الصحي الصائب بين التمارين والتغذية يأتي في النهاية بجسم ذي كتلة عضلية أعلى وبوزن أعلى من مفاهيم الوزن المثالي المحدودة. أما في حال عدم ممارسة الرياضة والتقيد بالحمية فقط فقد يكون النظر إلى الميزان لوحده كافياً.

بالاعتماد على القياسات المختلفة التي ذكرناها بالإضافة إلى عداد كتلة الدهون في الجسم يمكن التحرر من الميزان والوصول إلى صورة أدق وأكثر صحية لنسبة الدهون في أجسامنا.

 المصادر

[1] Schoenfeld, Brad J., et al. “Resistance training volume enhances muscle hypertrophy but not strength in trained men.” Medicine and science in sports and exercise 51.1 (2019): 94.

[2] Bovet, Jeanne, and Michel Raymond. “Preferred women’s waist-to-hip ratio variation over the last 2,500 years.” PLoS One 10.4 (2015): e0123284.

[3] الحبيب الأسود، وزن زائد، صحيفة العرب، 5-03-2023

[4] BETH BISCHOFF AND JOHN BARBAN, The Perfect Body Formula, menshealth.com, JUL 2, 2008

[5] Fan, Jintu, et al. “Visual perception of male body attractiveness.” Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences 272.1560 (2005): 219-226.

[6] Why is the hip-waist ratio important?, Medical News Daily

[7] THE BODY SIZE OF SOLDIERS, U.S. Army Anthropometry-1966

[8] Ruiz, Nataniel, et al. “Human body measurement estimation with adversarial augmentation.” 2022 International Conference on 3D Vision (3DV). IEEE, 2022.

تم نشر هذا المقال ضمن العدد 60 من مجلة العلوم الحقيقية وراجعته لغويا ريام عيسى