مد الرجل يده في حقيبته وأخرج لي قطعة مطاطية مليئة بأضواء الليد الحمراء وقام بشدها على رأسها. ذكر الرجل العديد من النتائج الواعدة التي يأمل الحصول عليها لصحته. كان ذلك الشخص أحد معارفي الذين لطالما كانوا يتداولون وصفات مختلفة للعلم الزائف. لكن لا يكفي الحكم على الشخص لتقييم حقيقة زعم معين مثل العلاج بالإضاءة الحمراء رغم انعدام المنطق البيولوجي بشكل ظاهر أمام الأمر. يقول المثل في العراق “يفوتك من الكذاب صدق كثير” فلنر ماذا وراء العلاج بالأضواء الحمراء؟

تشمل المزاعم حول ما يمكن أن يعالجه الضوء الأحمر أموراً كثيرة لا رابط بينها حتى مثل القلق والاكتئاب ومعالجة الألم وتحسين النوم، التهاب المفاصل، والمشاكل الجلدية مثل الصدفية واحمرار البشرة وفرط التصبغ. هذا بالإضافة الى المزاعم حول التأثيرات المضادة للشيخوخة.

المعضلة الأولى في الأضواء الحمراء هي ماهية الضوء المسلط وفعاليته. نعرف جيداً أن هناك أطوال موجية مختلفة نستطيع أن نرى الضوء ضمنها. هناك أيضاً نطاق غير مرئي يشمل الأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء. هناك صفة أخرى للضوء وهي اتساق الموجات والتي تميز ضوء مثل الليزر عن ضوء اعتيادي. فأي الأضواء الحمراء هي المفيدة بالضبط لو كانت هناك فائدة؟ هل هو ضوء ليد أحمر فقط أم ضوء ليزر أحمر أم الموجات تحت الحمراء؟ ماذا عن الخصائص الأخرى للضوء؟

في الواقع إن هناك قلة من التجارب حول العلاج بالضوء بشكل عام. يضاف ذلك الى تعدد أنواع الضوء التي يفترض أن تتم دراستها لإثبات جدواها العلاجية. كما نعلم فإن تعرض الجلد للشمس دون تغطيته بالملابس يمنع أضرار محتملة[1]. والتعرض الزائد للشمس في نفس الوقت له أضرار محتملة [2]. وبشكل أكثر قوة وتأثير، فإن هناك استخدامات طبية كثيرة لليزر مثل دوره في معالجة السرطان [3]. والليزر بطبيعة الحال يمكن أن يستخدم بحسب الطول الموجي والاتساق وخصائص أخرى لتوليد ما يعطي آثار ضارة. وبالحديث عن الأطوال الموجية، فإن الأشعة تحت الحمراء لها أيضاً تأثيرات مفيدة وأخرى ضارة.[4] ضوء الشمس ذاته والذي يمد الكوكب بالحياة يضم في طيفه اشعة مختلفة منها فوق البنفسجية الضارة بشكل عام. لكن أين موقع ضوء المصباح أو ضوء الليد في كل ذلك وفي الدراسات؟

دراسات حول الضوء الأحمر

ناقشت دراسات وتجارب قليلة أثر ما أسمته بالليزر منخفض المستوى والذي قد يتضمن ضوءاً متسقاً مثل الليزر أو ضوء غير متسق مثل الليد (LED). مثلا جمعت دراسة كل من الضوء الأحمر والاشعة تحت الحمراء لتدرس آثارهما الخلوية[5]. وخلصت الدراسة الى تأثيرات كثيرة على المستوى الخلوي فقط دون أي شيء يتعدى ذلك. من التأثيرات التي طرحتها الدراسة ما يفهم بمستوى أعلى من المستوى الخلوي على أنه مفيد ومنها ما يفهم على أنه ضار.

الباحثة الاستونية تينا كارو (Tiina Karu) تخصصت تقريباً في الأبحاث المتعلقة بأثر الضوء الأحمر المقارب للطول الموجي تحت الأحمر وما يعرف بالتعديل الضوئي الحيوي (photobiomodulation). غير أن دراسات كارو لطالما كانت على المستوى الخلوي أيضاً مثل الدراسة التي تثبت زيادة التصاق الخلايا عبر بروتين يعرف بالسيتوكوروم سي اوكسيداز أثر المعالجة الضوئية [6]. هل تعلم كم من الحقائق يمكن أن تفسر عبر تصريح كهذا؟ أحياناً ليس هناك الكثير مما يمكن أن يعطي معنى على مستوى فهمنا للصحة وأحياناً فإن ملاحظة العلماء لشيء على المستوى الخلوي مثل دراسة كارو هذه لا تؤثر على صحتنا بشكل ملحوظ حتى. في دراسة أخرى توصلت كارو بأن الضوء (بذات النطاق المذكور سابقاً) يساهم في تحفيز معدل توليف الحمض النووي الريبوزي والحمض النووي منقوص الاوكسجين[7]. هل فهمت شيئاً؟ هل ستشتري منتج يزيد من معدل توليف الحمض النووي مستقبلا؟ سنأتي للمشكلة من تصريحات كهذه.

هناك بعض الدراسات التي ناقشت أثر ضوء الليد الأحمر على شيء نفهمه. معظم الدراسات تلك كانت حول التشيخ الضوئي [8] [9]، وهو تغير في خصائص الجلد نتيجة للتعرض الضار للضوء. هناك أيضاً أبحاث حول أثار العلاج بالضوء الأحمر على الكولاجين أو حب الشباب وحالات كثيرة جمعتها دراسة نشرتها بنار اوجي (Pinar Avci) وزملاءها[10]. وكان جل ما ناقشته الدراسة مرتبطاً بفوائد الليزر منخفض المستوى على الجلد. أما أضواء الليد أثر فقد كانت هناك تجربة واحدة حول حروق الشمس وأخرى حول تنظيم الكولاجين فضلاً عما ذكرناه من تشيخ الجلد. لكن بشكل عام ما جودة هذه الدراسات؟

كينريك سميث (Kendric C. Smith) أستاذ لبيولوجيا الاشعاع في جامعة ستنافورد له رأي آخر حول اقحام الليد في هذه الأدوار العلاجية بل حتى الليزر[11]. مقالة سميث تتصدر بعدد استشهاداتها النتائج في محرك بحث جوجل للأبحاث حين نبحث عن العلاج بالليد. يقول سميث أن كثيراً من تلك الدراسات حول الليزر منخفض المستوى والليد ما كانت لتنشر ولا يجب أن تنشر لو كان لدى من كتبوها أو من دققوها أدنى اطلاع على كيمياء الضوء. تلك الدراسات لا تذكر شيئاً من خصائص الضوء سوى الطول الموجي. العلاج بأي اشعاع وفقاً لسميث يرتبط بعوامل كثيرة مثل القدرة، الجرعة، منطقة تسليط الاشعاع، الوقت..الخ. فيما لا تذكر بعض تلك الدراسات نوع مصدر الضوء حتى! يوضح سميث أيضاً بأن “الليزر ليس سحرياً” وأن ذكر خصائصه لإعطاء قيمة للدراسة هو أمر أساسي. ويضيف أن التصريح بفوائد صحية معينة يأتي بمعزل عن أي معلومات طبية عن التأثيرات البيولوجية للضوء. كارو التي ذكرناها في المقال والتي هي احدى ابرز الباحثات في المجال كانت مثالاً لتلك الأبحاث السيئة في مقال سميث.

يشكك جوناثان جاري (Jonathan Jarry) من جامعة مكغيل (McGill University) في كندا أيضاً بالأضواء الحمراء بأكثر من طريقة[12]. يذكر جاري مزاعم تينا كارو حول التفعيل الضوئي لأحد البروتينات في الميتوكوندريا والتي تتفعل في الضوء الأحمر. ونعود هنا لذات المشكلة حول نقل تفصيل كهذا من المستوى الخلوي الى المزاعم حول العلاج. يذكر جاري أن هناك 70 الف بروتين في الجسم! من السهل الربط بين أ و ب لكن من الصعب الانتقال بالمستوى الخلوي هذا الى مستوى يحدث فيه تحسن سريري في حالة الشخص. يقول جاري أننا حتى لو افترضنا أن ضوء الليد الأحمر سيكون له دور فلماذا نفترض أن هذا التأثير ليس موجوداً في ضوء الشمس مثلاً؟ لماذا ينحصر الأمر بهذه المنتجات؟ تبقى المشكلة الأساسية هي أن هناك ما لا يحصى من التداخلات والتفاعلات التي تجعل الحقائق في المستوى من أ الى ب في الخلايا مختلفة عن المستويات الأعلى التي نشعر بها ونألفها.

يضيف جاري نقطة ذات صلة بما طرحه كينريك سميث حول خصائص الضوء. يقول أن هناك اختلاف كبير بين العلماء فيما يفترض أن له تأثير على الجسم من خصائص الضوء. أما النقطة الأهم التي يطرحها جوناثان جاري هي أن كثيراً من الأبحاث التي تنشر حول أبحاث التعديل الضوئي الحيوي تمول من قبل مالكي الشركات التي تصنع أجهزة التعديل الضوئي الحيوي.

جوناثان جاري يذكر الدراسة التي أجراها داميان كوفلر (Damien P Kuffler) حول أبحاث التعديل الضوئي الحيوي والتي خلص فيها الى استنتاج مهم وهو أن “معظم الدراسات التي تجرى في المجال تتم على الحيوانات أو على خلايا فقط”[13]. أما حين التجربة على البشر فإن الأثر العلاجي للتعديل الضوئي الحيوي على أمر مثل الأمراض الدماغية تتهاوى من “تعمل بشكل جيد” في التجربة الأولى الى “فاشلة” في التجربة الثالثة[14]. يشير جوناثان جاري الى حقيقة مهمة فيما يتعلق بما يتم فحصه على الفئران وهو أن في الادوية التي يتم اختبارها على الفئران فإن 1 من اصل 10 فقط تتم الموافقة عليه للبشر، فكيف هو الحال مع الأضواء الحمراء؟..

المصادر:

[1] Alfredsson, Lars, et al. “Insufficient sun exposure has become a real public health problem.” International Journal of Environmental Research and Public Health 17.14 (2020): 5014.

[2] Engel, Arnold, Marie-Louise Johnson, and Suzanne G. Haynes. “Health effects of sunlight exposure in the United States: results from the first National Health and Nutrition Examination Survey, 1971-1974.” Archives of dermatology 124.1 (1988): 72-79.

[3] Lasers to Treat Cancer, National Cancer Institute

[4] Barolet, Daniel, François Christiaens, and Michael R. Hamblin. “Infrared and skin: Friend or foe.” Journal of Photochemistry and Photobiology B: Biology 155 (2016): 78-85.

[5] Wong-Riley, Margaret TT, et al. “Photobiomodulation directly benefits primary neurons functionally inactivated by toxins: role of cytochrome c oxidase.” Journal of Biological Chemistry 280.6 (2005): 4761-4771.

[6] Karu, Tiina I., Ludmila V. Pyatibrat, and Galina S. Kalendo. “Photobiological modulation of cell attachment via cytochrome c oxidase.” Photochemical & Photobiological Sciences 3 (2004): 211-216.

[7] Karu, Tiina I., and S. F. Kolyakov. “Exact action spectra for cellular responses relevant to phototherapy.” Photomedicine and Laser Therapy 23.4 (2005): 355-361.

[8] Weiss, Robert A., et al. “Clinical trial of a novel non‐thermal LED array for reversal of photoaging: Clinical, histologic, and surface profilometric results.” Lasers in Surgery and Medicine: The Official Journal of the American Society for Laser Medicine and Surgery 36.2 (2005): 85-91.

[9] Weiss, Robert A., et al. “Clinical experience with light‐emitting diode (LED) photomodulation.” Dermatologic surgery 31 (2005): 1199-1205.

[10] Avci, Pinar, et al. “Low-level laser (light) therapy (LLLT) in skin: stimulating, healing, restoring.” Seminars in cutaneous medicine and surgery. Vol. 32. No. 1. NIH Public Access, 2013.

[11] Smith, Kendric C. “Laser (and LED) therapy is phototherapy.” Photomedicine and Laser Therapy 23.1 (2005): 78-80.

[12] Jonathan Jarry, “The Hype Around Photobiomodulation”, McGill: office for science and society, 20 Jan 2023

[13] Kuffler, Damien P. “Photobiomodulation in promoting wound healing: a review.” Regenerative medicine 11.1 (2016): 107-122.

[14] Hamblin, Michael R. “Shining light on the head: photobiomodulation for brain disorders.” BBA clinical 6 (2016): 113-124.