يشهد التقدم العلمي تباطؤ شديد في العقود الأخيرة وتصبح الأوراق البحثية أقل تحدياً مع الزمن وذلك حسب بحث منشور في مجلة نيتشر هذا العام. يوماً ما وصف نيوتن البناء على الأبحاث السابقة بجملة “الوقوف على أكتاف العمالقة”، لكن لا يبدو أن هذا يحدث اليوم بحسب البحث. استخدم الباحثون قواعد بيانات لعشرات الملايين من براءات الاختراع والأوراق البحثية بالإضافة إلى مقياس تم إعداده في العام 2017[1] يعرف بسي دي اندكس (CD Index) يظهر كيف تؤثر الأوراق البحثية وبراءات الاختراع على الأبحاث الجديدة، أي من سيقوم بالاستشهاد بذلك البحث والاعتماد عليه في البحوث العلمية الجديدة.

يصف الباحثون أمثلة لمجموعة من الأبحاث منها ما يدعو للتحدي ويصنف بمقياس CD ذو قيمة تتراوح بين سالب واحد وواحد. تعد الورقة البحثية ذات القيمة واحد شديدة الارباك وفق ذلك التصنيف. لا يعني الارباك هنا مفهوماً سلبياً، بل على العكس، يعني ذلك أن الورقة البحثية تسبب الكثير من الازعاج أو الارتباك في المجتمع العلمي بمعنى أنها تؤثر على أبعاد كثيرة. أما قيمة سالب واحد فتعني ورقة بحثية أكثر تماسكاً. ماذا يعني ذلك؟ الورقة البحثية المربكة تمثل ذلك البحث الذي لن يميل الناس بالضرورة إلى الاعتماد على الأعمال البحثية التي اعتمد عليها، وكأنها قدمت شيئاً جديداً. أما العمل المتماسك فقد يميل الباحثون القادمون إلى الاعتماد على البحث ذاته أو على الأعمال التي تم الاستشهاد بها فيه. أي أن البحث المتماسك وفق هذا التعريف هو البحث الذي لم يقدم أمراً فريداً جداً بحيث أن الاعتماد على سلفه من الأبحاث يجري في ذات الوقت.

يعرض البحث الأصلي رسماً بيانياً يعكس الانخفاض في درجة الارباك في البحث العلمي بحسب المجالات. ولا فرق بين المجالات التي تظهر في الرسم وهي الكيمياء، الحوسبة والاتصالات، الأدوية والطب، الكهرباء والإلكترونيات، والميكانيك، جميعها تظهر انخفاضاً من 0.4 في مطلع الثمانينات حتى نسبة مقاربة للصفة في وقتنا الحالي. فيما يعرض مجموعة أخرى من المجالات تشمل علوم الحياة والطب، الفيزياء، العلوم الاجتماعية، والتكنولوجيا وتظهر كلها انخفاضاً مضطرداً في الارباك من 0.5 في مطلع الخمسينات للعلوم الاجتماعية والتكنولوجيا وحتى قيم مقاربة للصفة في وقتنا الحالي.

قدم الباحثون أيضاً مؤشر آخر لقياس الارباك في الأبحاث وهو الاستخدام اللغوي. تعرف الأبحاث الأكثر ارباكاً بوجود كلمات جديدة في العنوان على الأغلب، لكن هذا أيضاً بدأ بالانخفاض إلى حد كبير منذ السبعينات للأبحاث ومنذ التسعينات لبراءات الاختراع.

يقترح ذلك أن انخفاض الإبداع هو الأمر الواقع المسبب لملاحظة كهذه. لكن الباحثين لا يعزون ذلك بالضرورة إلى انخفاض جودة العلوم والتكنولوجيا في البحث العلمي. يعزى ذلك ايضاً بحسب البحث إلى زيادة حجم المعرفة وتحديداً التنوع في طبيعة المعرفة العلمية.

كان من الصعب لمئات الآلاف من السنوات أن يصل البشر إلى مفاتيح رئيسية في البحث العلمي تسببت يوماً بقلب وجه الساحة العلمية. وقف الآلاف على أكتاف العمالقة هؤلاء، لكن لم يعد من السهل أن يصبح أحدهم عملاقاً في البحث العلمي. تتفرع العلوم، تتوزع، تتضخم المعرفة البشرية، ينخفض الابداع، ويقل ذلك الارباك الذي تسببه ورقة بحثية ما في المجتمع العلمي.

البحث:

Park, M., Leahey, E. & Funk, R.J. Papers and patents are becoming less disruptive over time. Nature 613, 138–144 (2023). https://doi.org/10.1038/s41586-022-05543-x

[1] Funk, Russell J., and Jason Owen-Smith. “A dynamic network measure of technological change.” Management science 63.3 (2017): 791-817.

نشر هذا المقال ضمن مجلة العلوم الحقيقية العدد 56 وراجعته لغوياً ريام عيسى