تطور الانسان غالباً ما يرمز له بصورة تتدرج فيها الكائنات من الشمبانزي وانتهاءاً بالانسان، ولهذه الصورة اشكاليات كثيرة في الفهم ربما هي من الاسباب المهمة للخلل في فهم التطور لدى الكثيرين. هذا ما يتناوله المقال.

مقدمتي الخاصة:

”لو كنا قد تحولنا من قردة إلى قردة اخرى وصولا إلى (الإنسان) الحالي -كما يوضح هذا الرسم- فلماذا القردة مازالت موجودة لحد الآن، ألا ينبغي أن تكون قد اختفت؟! ”

”التطور خاطئ و يجب أن تستيقظوا من أوهام هذه الخرافة، فهي تقول أننا تطورنا من قرود و كما نرى فالقرود موجودة حتى الآن أين هي هذه الكائنات الموجودة بيننا وبين القرود؟ لماذا لا توجد هي الأخرى؟! ”

هاتان العبارتان في الأعلى، قد تكونان أشهر مغالطتان منتشرتان في العالم العربي حول نظرية التطور البيولوجي، و دائما ما يتم تكرارهما  وأحيانا إنتاج صور ساخرة يعتقد صاحبها أنه فهم النظرية على حقيقة تفسيراتها ووجد تناقض صارخا دامغا فيها، لكن في واقع الأمر – و كما سنوضح ذلك عبر هذا المقال – فإن الخرافة هي أن تعيش في وهم نسفك لنظرية بقيمة نظرية التطور البيولوجي.

Evolution2

مقدمة:

هذا الرسم متجذر في ذاكرتنا. لنا الإنطباع على أننا دائما نراه…الأمر لا يتوقف هنا، إنه يحتوي على خطورة تتمتل في كون جميع الأفكار الذي ينقلها هي أفكار خاطئة.

في وسائل الإعلام القديمة، في الصحافة و على الأنترنيت، تم استعمال إحدى الصور بكثرة، من أجل تقديم عملية تطور الإنسان. هذه الصورة تبين (من اليسار إلى اليمين) قرد منحني يتحول مع الوقت، مرحلة بعد مرحلة، و في كل مرحلة متقدمة هناك كائن أكثر إنتصابا، و أكثر إمتلاكا لطابع الإنساني، ثم ينتهي الأمر إلى إنسان عاقل Homo sapiens، هو الأكثر إنتصابا بينهم.

هذه الصورة – المألوفة جدا علينا – هي مليئة بالعديد من الأفكار الضمنيّة الغير صريحة، و تقود إلى تضليل الشخص العامي، و تتجلى خطورتها: أولا في نقلها لأفكار مغلوطة عن مبادئ نظرية التطور وثانيا في عدم تعقيدها وبالتالي سهولة فهمها و تذكرها. (انطلاقاً من هذا المقال توقفت العلوم الحقيقية عن استخدام الصورة التقليدية لنظرية التطور بشكل قطعي رغم التحفظ السابق على استخدامها).

دعونا نأخد, جميع الأخطاء المنقولة عبر هذه الصورة, واحد تلو الأخر.

التحول من القرد إلى الإنسان

المغالطة الأولى، الرسم يوحي بأن سلف الإنسان المعاصر كان شيمبانزي! الأكثر من ذلك أن هذا القرد يشبه شيمبانزي حالي. وهذا يذهب بنا إلى القول بأنا سلفنا الذي كان في الماضي هو قرد لازال يوجد لحد اليوم. ونرى هنا سخافة هذا الإستدلال. مع الإشارة إلى أن هذه الصورة تعزز رؤية الأشخاص الذين لازالوا يعتقدون أن الإنسان المعاصر أصله (تحول من) قرد، وهي  سخافة أخرى.

هذا ما نعلمه بخصوص تاريخنا التطوري:

نحن نعلم أننا نملك – عموما – سلفا مشتركا مع القردة العليا (البونوبو والشمبانزي والغوريلا والأورانغوتان) و خصوصا مع القردة العليا الإفريقية (البونوبو والشمبانزي والغوريلا)، و من المقدر أن هذا السلف المشترك المتأخر، عاش قبل 7 أو 8 مليون سنة من الآن، في القارة الإفريقية (الأكثر إحتمالا). هذا السلف المتأخر تطور في خطين : الخط الأول نحو القردة العليا الإفريقية (البونوبو والشمبانزي والغوريلا)، و الثاني نحو الإنسان. و بالتالي لا يوجد نهائيا في أي حالة من الحالتين ما يقول أن الإنسان قد إنحدر من الشيمبانزي.

 

يقول ” فرونسوا مارشال ” ” François Marchal ”

(UMR 6578 – Unité d’Anthropologie Bioculturelle – CNRS / Université de la Méditerranée / EFS) :

” دون أدنى شك، سلف الإنسان كان قردا، ”قرد” هي الكلمة العامية المتداولة لوصف كل الرئيسيات، أو ربما أكثر ضيقا الرئيسيات العليا. في كلتا الحالتين، الإنسان و أسلافه كانوا رئيسيات و رئيسيات عليا و بالتالي هي قردة. نحن ننحدر في واقع الأمر من قردة، و الكل ينتمي إلى خط القردة، و نحن – زمنيا – هم أخر قرد في هذا الخط التطوري”

خلال تطوره، إنتصب الإنسان لكي يستطيع المشي

 

المغالطة الثانية، يستنتج المتلقي لما في الصورة، أن قردا (الذي يشبه عمليا Knuckle-walking) يتدرج في الإستقامة و الإنتصاب حتى ينتهي إلى انسان مثالي (الإنتصاب التام)  ينتمي إلى ثنائيات الحركة – bipedalism بالإضافة كذلك إلى إمتلاكه التام لطباع الإنساني. هنا الرسم يوحي لنا بشيئين مختلفين غير مثبتين على الإطلاق:

* أن هناك تطورا منطقي لكيفية الحركة، حيث بدأت بتطبيق ميزة رباعيات الحركة – Quadrupedalism و انتهت بامتلاكها لميزة ثنائيات الحركة – bipedalism

* أسلاف الإنسان قد مشوا على أربع.

هذا ما نعلم بخصوص أسلافنا:

قبل أي كلام، لا يوجد شكل واحد لجميع ثنائيات الحركة – bipedalism و لكن هنا أشكال حسب الحيوانات، فمثلا، دجاجة، بونوبو أو إنسان لا يتمشون بنفس الطريقة ، و لكن نستطيع تصنيفها كلها كثنائيات الحركة: مؤقتة – occasional bipedal (كالشيمبانزي) أو الدائمة – permanent bipedal (كالبشر).

إذا ركزنا على أشباه البشر ( Hominina )، أسلافنا استعملت واحدة من ثنائيات الحركة – bipedalism، هي نفسها لأي واحد منهم وذلك بسبب مرفولوجيتهم. و بالتالي فأجدادنا لم يعدلوا و ينتصبوا بالتوالي بغية المشي، أي لا يوجد هناك إختلاف في شكل ميزة ثنائيات الحركة بين الأخر و الأخر كما تركنا نعتقد هذه الصورة المغالطة.

نحن نعرف العديد من الأحافير القديمة التي تبين لنا، أن أسلافنا كانوا – بالفعل – على الأقل و إلى حد ما من ثنائيات الحركة: ” Toumaï  ” (7 مليون سنة من الآن) و ” Orrorin ” (6 مليون سنة من الآن) و ” Ardi ” (4 مليون سنة من الآن) و ”Lucy ” (3 مليون سنة من الآن)… لكن يجب الإشارة إلى أن شكل ميزة ثنائيات الحركة المستعمل لهذه القرد العليا (Hominidae )(التي تنتمي إليها أشباه البشر سالفة الذكر و الإنسان العاقل) خصوصا الأقدم منها، لا يزال محل نقاش بين العلماء.

و بالنسبة للسلف المشترك المتأخر، لا نملك في هذه اللحظة اي معلومة تجيبنا عن سؤال: كيف كان؟ و كذلك معلومات أقل حول نظام حركته.

 

تقول ” يفيت ديلواسون ” ” Yvette Deloison  ” (Docteur d’Etat ès Sciences) :

”  تتمة للدراسات التشريحية المقارنة للإنسان الحالي و أحافير أشباه الإنسان و كذلك القردة العليا، توصلت إلى خلاصة مفادها: أنه قبل عشر سنوات من الآن كان السلف المشترك بين الرئيسيات حيوانا يتمشا معتدلا على قدميه الإثنتين، و بالتالي فهو من ثنائيات الحركة)…

هذا الكائن الذي إعتمدت عليه “Proto Hominoïdes bipes” أعطى مع الوقت العديد من الخطوط التطورية التي بقي فيها أشباه البشر على ميزة ثنائية الحركة و الأخرون في الخط التطوري نفسه أصبحوا قردة متسلقين للأشجار. دراستي المفصلة كانت قد نشرت في سنة 2004 في كتاب…

إلى جانب العديد من المطبوعات باللغة الفرنسية، قمت بطرح فرضيتي حول أصل الرئيسيات ذات ميزة ثنائية الحركة في الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط شفهيا بل أيضا تم طرحها في كتاب نشر في مدينة نيويورك…. و ما يعزز أطروحتي هو الدعم الخارجي للعالم الطبي التشريحي و البيطري… ”

الحيوان تطور حتى يصبح مثاليا متكاملا…إنسان معاصر!

المغالطة الثالثة، الرسم يوضح مسارا وحيدا فقط لتطور البشري، كل سلف يمتلك له سليله المنحدر منه، الواحد تلو الأخر…و هكذا استمرارا حتى الوصول إلى الإنسان المعاصر، هذا يتركنا نفترض أن الإنسان الحالي كان هدفا و غاية مسبقة لعملية التطور بالإضافة إلى كوننا النهاية، و هذا ما يتناقض – إجمالا – مع العديد من الأحافير المعثر عليها.

هذا ما نعلم:

منذ 7 إلى 8 مليون سنة، لا يوجد فقط خط واحد تصاعدي، الذي يذهب مباشرة من سلفنا المشترك المتأخر مع القردة العليا، إلى الإنسان المعاصر. أشباه البشر تكاثرت و بعض الخطوط منها ، فقدت بسبب عدم إنجاب أحفاد يستمرون في إستكمال عملية توريث صفاتهم، (كحالة الإنسان البدائي أو فلوريس هومو).

حقيقة تطورنا، يمكننا تمثيلها بشجرة كثيفة الفروع؛ منها من هو إستطاع الإستمرار و منها من لم يستطيع فتوقف. كما أن العديد من الأنواع التي تنتمي إلى جنس الهومو لم تكن فقط موجودة ،بل أيضا يوجد منها – في الماضي – من إختفى من الحياة. الإنسان المعاصر هو بالأحرى أحد الناجين المنتمين للخط التطوري كالقردة العليا، المهددة بدورها بالإنقراض.

بدون نهاية لعملية التطور، لا يزال الإنسان يتطور كباقي الأنواع الأخرى الموجودة على سطح الأرض، و لا شخص يستطيع التنبأ بما يمكنه أو لا يمكنه الحصول خلال العشرة ألاف سنة القادمة.

يقول ” جون لوك فوازان ” ” Jean-Luc Voisin ”

(دكتوراه في علم المتحجرات البشرية في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي) :

الرسم يعكس لنا: أن الناس لديهم اليوم ناتج نهائي لعملية التطور وهو الانسان وذلك سيعني بالنسبة لهم ان الكائنات الحية تعود الى مراحل مختلفة من التطور وان الانسان هو المرحلة المثالية (وكأن التطور يتضمن نهاية او صورة مثالية نهائية). نجاح هذه الصورة راجع ثارة لسهولتها و ثارة أخرى إلى الأفكار المأخودة عنها دون أي حكم ناقذ و التي تنقل و و ترسخ في أدمغتنا على أنها بديهيات, و هي في حقيقة الأمر على العكس تماما.

من جانب أخر، هذه الصورة هي أيضا دليل واضح على صعوبة إنتاج مواد تعليمية مبسطة، خصوصا تلك التي يستقبلها الأطفال. في الواقع أكثر الجمهور الذي يستقبل هذه الصور هو جاهل (في المجال المهتم بما تم تبسيطه)، زيادة على ذلك، كان من الضروري التبسيط. لكن التبسيط دون فعل أي خطأ أو دون تقديم أي تفسيرات خاطئة، هو حقا امر صعب جدا. لذلك يجب أن لا يتم توزيع أي وثيقة هدفها تعليمي دون التفسيرات التي من المعقول أن تصاحبها… للأسف مهما كان الموضوع المتناول لن نستطيع تبسيطه أقل مما يتحمل دون الوقوع في أخطاء، أو على الأقل أخطاء كبيرة. و عليه فيجب الحذر من من الملفات الأكثر تبسيطا، لأن العالم معقد و لا نستطيع تلخيصها في بعض الخطوط أو بعض من جرات القلم، كما سيكون من الضروري دائما بذل مجهودات لكي نفهم العالم المحيط بنا. مهما كان المجال، سواء علمي أو غير علمي. ويجب خاصة الحذر من التأويلات و التفسيرات المبسطة التي تنشأ أحيانا بغية هدف غير تعليمي و لكن بهدف التلاعب بالعقول. ويبقى الخلقيون في مجال العلم ، من بين كل الجهات الاخرى هم الأكثر قوة في هذا المجهوذ التضليلي.”

المصدر: http://www.hominides.com/html/theories/evolution-de-l-homme-representation-dessin.php

المهدي الحمدوشي