السخرية هي الشكل الأدنى من الطرافة لكنها الشكل الأعلى من الذكاء … أوسكار وايلد.

لكن لا يشارك اوسكار وايلد الجميع بهذا الرأي. خبراء التواصل ومستشاري الزواج على حد سواء ينصحوننا بالبقاء بعيدين عن هذا الشكل من التعبير تحديداً. السبب بسيط: التكهم قد يمثل لدغة سامة من الازدراء للآخرين، والتي قد تؤذيهم وتضر بالعلاقات بين الناس. وبحكم تلك الطبيعة فإنها قد تؤدي الى الصراع.

التهكم ينطوي على بناء او كشف التناقضات بين المعاني المقصودة. انه الشكل الأكثر شيوعاً من أشكال السخرية اللفظية – والتي تسمح للناس ان يقولوا بالضبط ما لا يعنون. نحن نستخدمه في العادة للتعبير بخفة دم عن الرفض والاحتقار. على سبيل المثال، قد يقول رب العمل  “بات، لا تجهد نفسك كثيراً في العمل!”، عندما يشاهد مساعده يتصفح النت تاركاً عمله.

ومع ذلك علماء السلوك لي هانگ (Li Huang) من مدرسة انسيد للاعمال (INSEAD)، آدم گالنسكي (Adam D. Galinsky) من جامعة كولومبيا (Columbia University) وانا وجدنا ان  التهكم ربما يقدم لنا مكافأة نفسية غير متوقعة: هوالمزيد من الإبداع. في الحقيقة، ان استعمال التهكم ربما يحفز على الإبداع عند كلاً من مصدر ومستلم ذلك التكهم. بدلاً من تجنب التصريحات التهكمية بشكل كامل، فان أبحاثنا اشارت الى ان استعماله بحذر وبشكل معتدل وذكي يمكن ان يثير الإبداع.

قول ما لا تعني

الدراسات المبكرة والتي بحثت في  كيفية تفسير الناس للتعليقات التهكمية،  كشفت ان الأغلب يَرَوْن تلك التعليقات في غاية الأهمية بالمقارنة مع الكلام المباشر. في احدى الدراسات، نشرت في ١٩٩٧، شارك فيها ٣٢ شخص قاموا بقراءة عدة سيناريوهات، على سبيل المثال، شخص يقوم بعمل يفترض انه سلبي مثل التدخين، وشخص ثاني يعلق على سلوك الشخص الاول، اما حرفياً بالقول (“ارى انك لا تهتم لصحة رئتيك”) او بشكل تهكمي (” ارى أنك تهتم لصحة رئتيك”). بشكل ثابت، اعتبر المشاركون ان استخدام التهكم كان اكثر ادانة لهذا الفعل مقارنة مع استعمال التصريح المباشر.

في عام ٢٠٠٢ جامعة ويسترن أونتاريو، شجع باحثون ٦٦ طالب على قراءة سيناريو بينما يقومون بتصور وجهة نظر شخص معين  داخل القصة، مثلاً وجهة نظر شخص يقوم بتوجيه انتقاد لآخر او وجهة نظر الشخص الذي يتعرض لهذا النقد. رغم انه كان هنالك بعض الخلاف على ان تلك التعليقات ربما قد تؤثر على العلاقة بين المتكلم والمستمع، وجهات النظر لم تتغير عن فهم  نوايا المتكلم، مثلاً السخرية او الرغبة في اثارة الغضب.

ممكن ان يسيء تفسير التكهم بسهولة، خصوصاً عندما تكون مرسلة إلكترونياً، طبقاً لدراسة قام بها جايسون باركر (Jason Parker)  وزي ون نگ (Zhi-Wen Ng)  وزملائهم عام ٢٠٠٥ في جامعة الينوي (University of Illinois). أعطوا المشاركين في تلك الدراسة قائمة لتصريحات نصفها تهكمية والأخرى جادة. بعض المشاركين قاموا بإرسال تلك التصريحات عبر البريد الالكتروني واخرون عبر التسجيل الصوتي. المشاركون الذين استلموا الرسائل عبر تسجيل صوتي اكتشفوا التكهم بنسبة ٧٣٪‏ من الوقت، اما أولئك الذين استلموا الرسائل عبر البريد الالكتروني اكتشفوا التكهم في تلك الرسائل بنسبة ٥٦٪‏ من الوقت.

توقع مرسلوا الرسائل الكترونيا ان ٧٨٪‏ من المشاركين سيلتقطون السخرية الكامنة في رسائلهم. هذا هو، لقد بالغوا بشكل سيّء في تقدير قدراتهم على إيصال  فحوى تلك الرسائل عبر البريد الالكتروني. وايضاً كان  مستلمي تلك الرسائل التهكمية مفرطي الثقة بأنفسهم. حيث خمنوا انهم قادرين على فهم لهجة الرسائل الالكترونية بشكل صحيح بنسبة تصل الى ٩٠٪‏ من الوقت. لكنهم كانوا افضل بكثير في قياس مقدرتهم في فهم وتفسير الرسائل الصوتية.

إنها السخرية

في عام ٢٠١٥ زملائي وانا اكتشفنا الوجه الإيجابي الموجود في الصورة السلبية للتهكم. في احد الدراسات، سألنا ٥٦ مشارك ان يختاروا من النصوص  النص التهكمي، الصادق او المحايد وبعدها الاشتراك في حديث محاكاة مع اخر لا يعرف بخصوص ذلك النص.

حالما بدأ مشاركونا بالحوار، طلبنا منهم القيام بمهمات لاختبار إبداعهم. على سبيل المثال، طلبنا منهم التفكير في كلمة لها علاقة بثلاث كلمات نعطيها لهم ( مثلاً، عادات، مدورة، تنس جميعها ترتبط بكلمة منضدة). ايضاً عرضنا عليهم الاشتراك في استطلاع قصير يُبين شعورهم اثناء الحديث.

ليس مفاجئاً، المشاركين الذين تعرضوا للتهكم تكلموا عن الصراع الشخصي الداخلي بشكل اكثر مقارنة مع المجاميع الاخرى. ما يثير الاهتمام اكثر، أولئك الازواج الذين اشتركوا في احاديث تهكمية ادوا بشكل افضل في مهمات الإبداع. هذا التأثير ظهر عند المرسل والمستلم لكن بالنسبة للمستلم هذا التأثير ظهر فقط عندما يلتقط ان الحديث الدائر بينهم مجرد حوار تهكمي.

لماذا تعزز السخرية اللفظية الأداء الإبداعي عند الشخص ؟ التحدي في التهكم هو ان الرسالة تبدو جادة لكنها لا يجب ان تؤخذ حرفياً. احد الطرق للتغلب على ذلك يأتي من التحكم بأسلوب او نبرة الصوت- كما هو الحال عندما نبالغ بالكلام إشارة الى فكاهية الامر. علينا ان نفكر بشكل غير مألوف لصناعة وفك شفرة التعليقات الساخرة. هذا ربما يعني ان التهكم يؤدي بِنَا الى تفكير اكثر وضوحاً وأكثر ابداعاً.

ايضاً التفكير المجرد يساعد. في تجربة سابقة، طلبنا من ١١٤ مشارك ان يؤدوا مجموعة متشابهة من الأدوار والمهمات (اما ان يقوموا بالاستماع او يصنعوا تعليقات ساخرة، بعدها يقومون بتحدي ابداع). لكن هذه المرة قمنا بتقييم تفكير المشاركين من خلال اختبار يقومون فيه بربط كلمة مع فعل تجريدي او مادي ملموس (على سبيل المثال، التصويت ، المشاركون في الفعل المادي يستطيعون تأشير ورقة الاقتراع اما المشاركون في الفعل التجريدي يستطيعون التأثير على نتائج الانتخابات). لقد وجدنا ان صناعة او فك شفرة التعليقات الساخرة يحدث بشكل اسهل عندما يفكر الناس بشكل تجريدي، تلك الحالة ايضاً تحفز التفكير الإبداعي.

لم تنفي اي من نتائج الدراسة الحقيقة القائلة ان السخرية ممكن ان تضر العلاقات الاجتماعية. إذن كيف نستطيع ان نستغل فوائدها في تحفيز الإبداع بعيداً عن إشعال الصراعات ؟ هذا الامر يتعلق بالثقة. ايضاً اظهرت دراستنا في عام ٢٠١٥، ان التهكم وفق لهجة ومضمون معين يكون اقل استفزازاً عندما يكون صادر من أشخاص نثق بهم مقارنة مع صدروه من اخرين لا نثق بهم. بالطبع، ان تغيير اللهجة والمحتوى يصنع الفرق ايضاً. حتى الثقة ربما لا تكون كافية لحماية الصداقات عندما تكون اللهجة قاسية والمحتوى جارح.

نظراً للمخاطر، من الأفضل ان تبقي أحاديثك الساخرة مع محدودة مع الذين تعرفهم ويعرفونهم بشكل جيد، حتى لا تسبب الاذى للآخرين. لكن في المناسبات عندما تكون مستمتعاً بسرعة البديهية، ربما تستفاد من ذلك لتعزيز تفكيرك الإبداعي. لاستعارة اقتباس اخر من وايلد ” ان الروح الناقدة هي التي تكون خلاقة”.

 

المصدر:

http://www.scientificamerican.com/article/sarcasm-spurs-creative-thinking/