بقلم: برايان دانينغ – ترجمة: وسن ناصر

أن الاعتقاد بنظريات المؤامرة ضار بالشخص الذي يحمل هذا الاعتقاد. لا تخطأ حول حقيقة كهذه. كلما كانت اصوات ذوي نظرية المؤامرة اعلى وكلما كانوا أكثر فخرًا باعتقادهم، كلما ازداد ضررهم لأنفسهم. قد يكلفهم الامر اصدقاءهم وقد يسبب الامر تصدعًا في الروابط العائلية وقد يؤذيهم مهنيًا وقد يتسبب اعتقادهم هذا بإصابتهم بالقلق والتوترات والتي تؤدي الى اذىً جسماني، كارتفاع ضغط الدم وفقدان القدرة على النوم واضطرابات الأكل ومشاكل نفسية اضافة إلى اضطرابات اخرى لا تعد ولا تحصى ترتبط بالقلق المزمن. تنتشر نظريات المؤامرة كالفيروسات، فهي تقريباً تنتشر دائمًا بتصريحها من المؤمن الاصلي بها الى الأشخاص المصرَّح إليهم. يتحمل المجتمع تكلفة حقيقية بسبب فكرة المؤامرة، وعلى المستوى الشخصي فالتكلفة تؤثر على غالبيتنا بدرجة ما. فكلنا نعرف شخصًا ما ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة وجميعنا تساءلنا مليًا حول كيفية مساعدته للابتعاد عن هذا الشكل من الاضرار بالنفس.

في الواقع، ان هذا السؤال هو أحد أكثر الأسئلة شيوعاً مما يصلني عبر البريد الالكتروني وعلى مدى سنوات من تقديمي للبودكاست سكيبتويد (skeptoid). فقد سقط كل من والدتي وصديقي وزميلي في العمل وقريبي في حفرة أفكار نظرية المؤامرة، كيف يمكنني مساعدتهم للابتعاد عنها؟ كثير منا قد جرب هذا المسار في وقتٍ او آخر، أي محاولة مناقشة شخص مؤمن بنظرية المؤامرة واقامة الحجة حول نقاطٍ معينة، وكذلك في مجال فضح الزيف وإظهار الحقائق. لكن ما مدى نجاحنا في ذلك بشكل عام؟ ليس كثيراً.

يبدو أن هناك سببٍ وجيهٍ لهذا. فمنذ الارتفاع الحاد في الشعبوية على مستوى العالم خلال العقد الذي تركز في المدة المقتربة من العام 2010 – وهي ساحة سياسية تعتبر تربة خصبة حقًا للميول التآمرية – مُنحت رخصة للناس كي يؤكدوا بفخرٍ على نظريات المؤامرة التي يؤمنون بها وعلى نطاقٍ واسع. ونتيجة لذلك، اتجه الاهتمام الأكاديمي بشكلٍ كبير الى ايجاد علاجٍ لهذا السرطان الفكري والثقافي. فقد درسنا طرقًا باحتمالية المواجهة المباشرة مع معتقدٍ ما، كما درسنا طرقًا وقائيةً لمنع نزعة نظرية المؤامرة من التجذر. ومن المؤسف ان المشهد العام لا يبشر بخير. ذلك لأن لكل طريقة من الطرق التي تعمل الى حدٍ ما نجد الكثير من الطرق التي لا تعمل ابدً أو أنها قد تجعل المشكلة اسوء.

ان مهمة مواجهة فكر المؤامرة تعني ان نغير آراءنا حول الامور التي نعتقد بقلوبنا انها حقيقية، وذلك لأن فكر المؤامرة يتخطى تقريبًا كل التراكيب السكانية بشكلٍ متساوٍ، مما يعني انه تشملنا ايضًا. فلا توجد مجموعة ديموغرافية معرضة أكثر او أقل لهذا الامر بشكلٍ ملحوظ. فكلنا نعتقد ان مجموعاتنا التي ننتمي اليها محصنة ضد ثغراتٍ كهذه الا ان البيانات تظهر أننا مخطئين بهذا الشأن. يعرف الباحث الحكيم والمتبصر أننا جميعًا نؤمن بأشياء ليست حقيقية ولذا فعلينا الاستعداد لتجربة اي شيء لتصحيح ذلك.

لذا، ودون مقدمات اضافية، دعونا نغوص في التاريخ. فيما يلي توليفة من أكثر من اثنتي عشرة ورقة اكاديمية تدرس الاساليب الناجحة والفاشلة، وسندرجها بتسلسلٍ عكسي.

الاساليب التي لا تنجح البتة:

  • الوسم: قد يبدو إطلاق مصطلح “نظرية مؤامرة” على فكرة شخصٍ ما، بدل كلمة “فكرة” فقط، أمراً يدعو للشك حول الفكرة، الا أنه ليس كذلك. فهم يعتقدون أنك أحمق تقوم بازدراءهم وسوف يضاعفون الرد عليك.
  • التهيئة العقلانية: إذا بدأت محادثة من خلال تهيئة الشخص لغرض تدبر مستوى عقلانيته، على ان تسأل مثلًا من الشخص “هل تعتبر نفسك شخصًا عقلانيًا؟” (وهو سؤال يجيب عنه الجميع بنعم)، فأن المقابل يميل للتعلق بنظرية المؤامرة التي يؤمن بها بنفس القدر الذي كان عليه قبل الحديث.
  • النقاش المتعاطف: إن لفت الانتباه إلى مخاطر إطلاق فكرة كبش فداء أو وصم أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم الأشرار في المؤامرة – سواء كانوا يهودًا أو الحكومات أو الكنيسة أو الإخوة كوتش – لا يبدو ذي تأثيرٍ في ابعاد الناس عن معتقداتٍ كهذه.
  • التركيز على الوقاية: تبين أن لعملية تدريب الناس على الاحتراس من الانعكاسات الضارة، مثل معتقدات كنظريات المؤامرة، تأثير عكسي جعلهم يرون مزيدًا من نظريات المؤامرة.
  • السخرية: قد يخطر لك ان السخرية من المؤمنين بنظرية المؤامرة قد تودي بيهم الى التشكيك بها. في الواقع، عند اختبار الامر تبين ان ذلك له تأثير ايجابي في تقليل الاعتقاد لكن بدرجةٍ قليلة جدًا.
  • الحوار المنطقي: وبالمثل، اجراء حوارات منطقية مضادة لنظرية المؤامرة ذي تأثيرٍ ايجابي صغيرٍ جدًا. وربما لا يستحق الجهد.

 

الاساليب التي لا تعمل حقًا:

  • التفنيد: عند تناولك نقاط نظرية المؤامرة الواحدة تلو الاخرى والاشارة الى دلائل عدم صحتها، وبالرغم من استخدامك الحقائق التي لا تترك مجالًا لتكون المؤامرة حقيقية إلا ان ذلك لا يملك تأثيرًا ملموسًا. فتعتبر نقاطك مجرد معلومات مضللة وتعمل لتعميق صحة نظرية المؤامرة. في الدارسات، تأثير الاسلوب ايجابي لكنه صغير.
  • تركيز الترويج: ان تثقيف الناس على شق طرقهم واتخاذ قرارات معيشية أفضل يؤدي الى زيادة شعورهم بالسيطرة عليهم والذي بدوره يجعلهم اقل اعتمادًا على الحاجة للشعور بالسيطرة في نظرية المؤامرة. تأثير إيجابي على الحد من الميول التآمرية ولكنه صغير.
  • التهيئة التحليلية: تُهيئ هذه التقنية لتهيئة الناس بمهمة بسيطة، مثل ان حل مشكلة كلامية مصممة لأشراك التفكير التحليلي مباشرة قبل تعريضهم لنظرية المؤامرة. اضفى هذا الاسلوب بعضًا من المقاومة لتبني نظرية المؤامرة افضل بقليل من مجموعة السيطرة التي لم تعهد اليها مهمة مماثلة. على اي حال، ان هذاه الطريقة لا يمكن استخدامها عمليًا في الحياة اليومية
  • تهيئة مقاومة الاقتناع: يتضمن هذا الاسلوب ان يملئ الناس استبيانًا يحتوي اسئلة مثل “عادةً ما لا أغير ما اعتقد به بعد النقاش” لتهيئتهم للتفكير حول سهولة اقناعهم، ومن ثم تعريضهم الى نظرية مؤامرة. اظهر الافراد الذين تمت تهيئتهم بهذه الطريقة بالفعل مقاومة اكبر للاعتقاد بنظرية المؤامرة، ولكن مجددًا من الصعب توظيف هذا الامر عمليًا.

 

الاساليب الأكثر نجاحا

تتطلب كل اساليب الاكثر مكافحة معتقدات نظرية المؤامرة والتي تتمتع باعلى فرص النجاح، ان تجرى قبل ان يسمع الشخص بنظرية المؤامرة ويتبناها. بالطبع في كثيرٍ من الحالات سيكون الاوان قد فات. ولكن إذا كنا نبحث عن ممارسات عامة لتوظيفها، فإن تعليم هذه الأشياء في وقتٍ مبكر يحقق افضل النتائج.

  • التطعّم بالحقائق والمنطق حول نظرية مؤامرة معينة: ان الاشخاص الذين تعلموا مسبقًا بشأن الحقيقة التاريخية وراء نظرية مؤامرة معينة، مثل هبوط ابولو والهولوكوست وتحقيق 11 سبتمبر، هم الاقل احتمالية بالاعتقاد بنظرية المؤامرة عند سماعها لاحقًا. اضافة الى ذلك، يضفي التعليم بكيفية وسبب كون الفرضيات الاخرى غير منطقية مقاومةً اقوى. يعطي القيام باحدى الطريقتين او كليهما قبل تعرض الشخص لنظرية المؤامرة افضل فرص النجاح. والاسلوب معروف ايضًا بالدحض المسبق.
  • اعطاء دروس اساسية في العلوم الزائفة العامة: هي الدروس الاساسية التي نعلمها هنا في Skeptoid. مجموعة ادوات كارل ساغان  للكشف عن الهراء. العيوب الاساسية في نظريات المؤامرة حول شركات الادوية أو الشركات الزراعية. يصبح الأشخاص الذين يجيدون هذه التقنيات الأساسية أقل عرضة بكثير لتصديق نظريات المؤامرة.

ما ورد اعلاه يتركنا مع استنتاج واقعي الى حد ما، وهو، لسوء الحظ، اذا ما سقط احدهم في جحر الارنب، تظهر الابحاث بقليل من الحلول الممكنة المتاحة لك. فعلينا ان نُعّلم هذه المهارات ونحتفي بالشكوكية العلمية والتفكير النقدي وفي سنٍ مبكرة قبل ان ينتشر سم المؤامرة. ومع ذلك، لا شيء من هذا مطلق. اذ تظهر هذه البيانات التوجهات وتوجد استثناءات. لأنني وعلى مدى حياتي المهنية تلقيت رسائل بالبريد الالكتروني مثل: “شكرًا جزيلًا لك على برنامجك فقد كنتُ أؤمن بجميع نظريات المؤامرة، والان فقد فتحتَ عيني واصبحتُ مشككًا”. وبالطبع فإن هذا يحدث. تخبرنا البيانات انه نادر الحدوث الا انه يحدث. ولذا فالأمر يستحق ان نسأل عن كيفية حدوث هذا؟

حسنًا، قد يحدث التغيير بوساطة ايٍ من الطرق التي ناقشناها على انها لا تؤثر بشكلٍ جيد. اذ تعمل جميع الاساليب لبعض الوقت؛ كل ما في الامر ان لها القدرة على دفع ذلك الشخص نحو مضاعفة معتقداته أكثر مما تدفعه تجاه تصحيحها. وبهذه المعرفة في متناول اليد، اجيب دائما على السؤال الذي يتكرر بكثرة، والذي تحدثنا عنه في اول البرنامج: “مرحبًا براين، امي/ ابي/ صديقي/ طبيب الاسنان الذي اراه، يؤمنون بالأمر الغريب الفلاني؛ هل قدمت حلقة أستطيع ان اشغلها لهم كي يغيروا اراءهم؟

نعلم الان أن ذلك سيكون اسوء شيء يمكنك ان تفعله. تقريبًا، من غير الممكن تغيير اراءهم؛ بل من المحتمل جدًا التسبب في نفورهم. ولذا، عندما يطلب مني شخصٌ ما التحدث الى آخر ارفض، وإذا ما سألني حول ما يجب قوله، أخبرهم بعدم قول شيء؛ ولكن عند السؤال عن اي من حلقات برنامج (Skeptoid) يجب عرضها، فلدي اجابة افضل.

ان المستمعين القدامى – واعني القدامى جدًا – لبرنامج (Skeptoid) سيتذكرون انني قدمت النصيحة التالية منذ العام 2010 في الحلقة (#187)، “دليل طوارئ: ماذا تفعل اذا احب صديقٌ  لك وهمًا؟“. النصيحة هي عدم تشغيل حلقة تتحدى بشكل مباشر الاعتقاد المعني. بدلاً من ذلك، شغّل لهم حلقة حول امرٍ تعرف مسبقًا اتفاقكما عليه. أو حلقة عن شيءٍ لا يمثل نقطة خلافٍ عاطفية في ثقافة الحاضر المنقسمة. استمعا لحلقةٍ نقيّم فيها الادعاءات المتنافسة حول من كان أول شخص تسلق جبل إيفريست. أو تلك التي نقيم فيها الاسطورة القائلة بأن ضريح الامبراطور الصيني المدفون ما زال يحتوي على خارطة للعالم بأكمله مع أنهاره ومحيطاته متدفقة بالزئبق السائل. أول التي نستمع فيها الى اصواتٍ معروفةٍ في الطبيعة ونقارنها بأصوات يُدّعى انها تعود لذوي الاقدام الكبيرة.

تنقل (كما آمل) كل حلقة من هذه الحلقات – والمئات المشابهة لها – متعة حل اللغز من خلال ترجيح الأدلة بشكل عقلاني. ليست النتيجة هي المهمة، بل العملية ذاتها. فالعملية هي التي تحوز على تركيز التدخلات الناجعة لنظرية المؤامرة.

فإذا نجحت في غرس حماس عملية تعلم ما هو حقيقي، فقد ساعدت في ايجادِ شخصٍ أكثر عرضة للتساؤل حول معتقداته والتي من الواضح لا توافق معيار الادلة. لا يمكنك تغيير رأي أحدهم حول شيءٍ ما بعد ان كوَّنَهُ بالفعل، ولكن هو يستطيع فعل ذلك.

وهكذا، كان هذا رأيي دائمًا – وكما نرى، فهو مماثل في الاساس للتدخلات التي من المرجح ان تنجح. والشيء الذي اضيفه هو إذا درّست العملية بعد أن يكونوا قد سلّموا بالكامل لنظرية مؤامرة، تجنب ذلك الموضوع. اختر اي شيء اخر، وعلمهم العملية ذاتها.

المصدر

Brian Dunning, “How to Change a Conspiracy Theorist’s Mind”, skeptoid, July 4, 2023

تم نشر المقال في العدد 60 من مجلة العلوم الحقيقية وراجعته لغويا ريام عيسى