ما الفرق بين درجتي “دكتور في الطب MD” و “دكتور في طب تقويم العظام DO“؟ دعونا نلقي نظرةً على ممارسة طب تقويم العظام في الماضي والحاضر.

على ما يبدو أنَّ الكثير من العامّة يعرفون بأنَّ هنالك في الأساس درجتان طبّيتان مختلفتان يتم منحهما في الولايات المتّحدة الأميركيّة، ألا وهما درجة دكتور في الطب (Medical Doctor “MD”) ودرجة دكتور في طب تقويم العظام (Doctor of Osteopathy “DO”). وقد بدت هذه الحقيقة جليّةً نظراً لكون الطبيب الشخصي للرئيس، (شون كونلي Sean Conley)، دكتوراً في طب العظام (حيث تخرّج عام 2006 من كلّية فيلاديلفيا لطب تقويم العظام). ومن دون الخوض في التفاصيل، فقد كانت عنايته بالرئيس الأمريكي، خلال هذه الجائحة وأثناء إصابته السابقة بفيروس كوفيد-19 على حدٍ سواء، مدعاةً للفضول بالنسبة لخبراء الطب، حيث يبدو أنّه يُخضِع التواصل الطبّي الجيّد (إن لم تكن الرعاية الطبّية الجيّدة) للمصالح السياسيّة. وهذا ما دفع الكثيرين الى التساؤل عن الدور الذي تلعبه درجته في طب تقويم العظام في هذا السلوك.

ونظراً لعدم امتلاكي معلوماتٍ شخصيّةٍ حول الدكتور (كونلي) باستثناء المعلومات العامّة المتاحة سلفاً، فقد فكّرت بأنَّ الوقت مناسبٌ لمعاينة طب تقويم العظام – وماهيّته على وجه الدقّة.

يمتلك تاريخ طب تقويم العظام (Osteopathic Medicine “OM”) اختلافاً مهمّاً مع علاج تقويم العمود الفقري (Chiropractic)، بالإضافة لبعض التشابهات. حيث أنَّ طب تقويم العظام كان قد تأسّس على يد طبيبٍ، ألا وهو (أندرو تايلر ستيل Andrew Taylor Still) عام 1874. الفكرة الجوهريّة التي أسّس طب تقويم العظام عليها كانت المفهوم القائل إن العظام وارتباطاتها (الأربطة، الأوتار، اللِفافات [1] Fascia) تمثّل طاقةً مستمرّةً بإمكانها شفاء الجسد بأكمله. وهذه لم تكن فكرةً غير اعتياديّةٍ في ذلك الوقت، حيث كانت تجلّياً لـ “قوّة الحياة” (أو المذهب الحيوي Vitalism [2])، وكل ما عليك فعله هو أن تحرّر أو تعزّز هذه القوة وبذلك سيقوم الجسد بشفاء نفسه بنفسه. وهذا هو أيضاً جوهر العلاج بتقويم العمود الفقري.

غيرَ أنَّ هذا المفهوم خاطئٌ تماماً. فلطالما كان مفهوم قوّة الحياة شيئاً يسدُّ الفراغ الذي يخلّفه جهلنا، وقد تم نبذه من قبل الطب بمجرّد تعلّمنا للكيفيّة التي يعمل بها علم الأحياء في الواقع. حيث لم يكتشف العلمُ أيّة قوّة حياةٍ أبداً، وليس هنالك وجودٌ لآليّةٍ مقبولةٍ ظاهريّاً لمثل تلك القوة. ولا يوجد أيضاً أيُّ دليلٍ يربط العظام بالشفاء بالطريقة التي تصوّرها (ستيل).

ولإعطائكم فكرةً عن طريقة تفكيره، إليكم اقتباساً من كتاباته (هنالك أخطاء املائيّة في الكتابة الأصلية):

          “القلب، ووظيفته، والقدرات الممنوحة إليه من قبل بعض السلطات الحكيمة، كل ذلك واضحٌ من خلال العمل الذي يؤدّيه. لا أعني بذلك العضلات بشكلها المادي، بل أعني جوهر وظيفتها. الوظيفة المكتوبة دائماً على صحيفة من الورق، أو الرقّ. ولكن ليس هنالك أيُّ داعٍ لوجود مثل ذلك الورق، الذي يمكن مشاهدته حتّى يتم صنعه. وهو يكتب أو يحدّد كل الخطط التي يجب عليه تنفيذها ويقول الى أي مدى يمكنك أن تذهب بحيث لا يمكنك الذهاب أبعد من ذلك. في مهمّتك، أنت تملك القدرة لتبني وتملك القدرة لتُصلح وتحيي كل الأقسام وتوحّدها جميعاً في هيئة كائنٍ واحد. وتترك الأمر بيد مادّة المعرفة لتحكم وتسيطر بوصاية المعرفة ذاتها، والتي يكون قانونها مطلقاً وطاعته واجبةٌ حتى آخر حرفٍ فيه، وبخلاف ذلك، فسيكون الموت هو العاقبة.”

[ملاحظة: قد يبدو الاقتباس أعلاه غير مفهوم، وهذا لا يعود للترجمة، فالاقتباس بحد ذاته غامض وسيء الصياغة في النص الأصلي]

كان هذا تصريحاً واضحاً عن فلسفة المذهب الحيوي. بينما يوضّح أطباء العظام فلسفتهم اليوم بالشكل التالي:

“أبحاثه ومشاهداته السريريّة قادته الى الاعتقاد بأنَّ الجهاز العضلي الهيكلي يلعب دوراً حيويّاً في الصحة والمرض. فاستنتج أنَّ الجسد يحتوي على كافّة العناصر المطلوبة للحفاظ على الصحّة، إذا ما تمَّ تحفيزها بالشكل الصحيح.

اعتقد الدكتور (ستيل) أنّه من خلال تصحيح المشاكل الموجودة في تركيب الجسد، من خلال استخدام التقنيّات اليدويّة المعروفة اليوم باسم طب تقويم العظام التلاعبي (Osteopathic Manipulative Medicine “OMM”)، فإنَّ قابليّة الجسد على العمل وشفاء نفسه من الممكن أن تتحسّن بشكلٍ كبير. وقد حثَّ أيضاً على فكرة الطب الوقائي وأصرَّ على الفلسفة القائلة أنَّ على الأطباء التركيز على علاج المريض بالكامل بدلاً من علاج المرض وحسب.”

من المثير للدهشة أنَّ الفلسفة الأصليّة في طب تقويم العظام لا تزال موجودة، لكنّهم يحاولون “ربط” هذه الفلسفة بالمفاهيم الأكثر حداثةً للطب الوقائي “الشمولي”. ليس هنالك أي شيءٍ شموليٍّ بخصوص المذهب الحيوي، ولم يبتكر (ستيل) الطب الوقائي. إن هذه الفلسفة ما هي إلا عبءٌ علميٌّ زائف، ومن الأفضل أن يتخلّص المتخصّصين بطب تقويم العظام منها.

ولكن هنا يتباعد تاريخ طب تقويم العظام عن علاج تقويم العمود الفقري. إن المؤسس لعلاج تقويم العمود الفقري، (د. د. بالمر D. D. Palmer [3])، جنباً الى جنبٍ مع ابنه، كانا معاديَين للأطبّاء والطب السائد في ذلك الحين. فلم يرغبا بالعمل وفقاً له. وهذا ما شكّل تاريخهم في القرن الماضي. لكنَّ (ستيل) نفسه كان طبيباً، وحينما مرَّ الطبّ بإصلاحٍ واسع النطاق (والذي حثَّ عليه (تقرير فليكسنر Flexner [4]) في عام 1910)، فقد سار طب تقويم العظام مع التيّار. حيث تبنّت كلّياتُ طب تقويم العظام الإصلاحات العلميّة والسيطرة النوعيّة التي قامت بها كلّيات الطب (في حين رفض معالجو تقويم العمود الفقري أي مفهومٍ للاندماج مع الطب السائد حينذاك).

وبالنتيجة فقد أصبح تدريس الطب في يومنا هذا، والذي يُقدَّم من قبل طب تقويم العظام، مساوياً تقريباً لذلك الذي يُقدَّم من قبل كليات الطب التقليديّة. وفي الواقع، فإنَّ العديد من حاملي درجة دكتور في طب تقويم العظام يحضرون نفس فترات التدريب والإقامة التي يحضرها حاملو درجة دكتور في الطب (وهذا هو المكان الذي ستتعلّم فيه بالفعل الجزء الأكبر من الطب الذي ستمارسُه في نهاية المطاف). عندما ناقشنا طب تقويم العظام سابقاً، نوّه مؤلّفو الطب المبني على العلم الى كتابات (جون سنايدر John Snyder [5]). فقد كتب على سبيل المثال:

“أودُّ استهلال هذا المنشور بتوضيحٍ مفادهُ أنّي قد عملتُ مع العديد من أطبّاء تقويم العظام، وقد مددتُ يد العون في تدريب العديد من مقيمي قسم طب الأطفال ممّن يحملون درجاتٍ في طبِّ تقويم العظام. فلم أجد أيَّ اختلافٍ عموماً في الجودة التي تلقّاها هؤلاء الطلبة، وقد كان بعضٌ من أمهر الأطباء الذين عملتُ معهم يحملون درجاتٍ في طب تقويم العظام. ولذلك، فأنا لن أتحيّز في تقييمي أو رأيي بشأنِ أيِّ طبيبٍ لمجرّد كون اسمه متبوعاً بالمسمى الوظيفي “دكتور في الطب MD” أو “دكتور في طب تقويم العظام DO”.”

وأنا أتّفق مع ذلك. فأنا شخصيّاً لم ألحظ أيَّ فرقٍ يُذكر. وقد أشار (مارك كريسليب Mark Crislip [6]) أيضاً الى أن أخصائيي طب تقويم العظام يستخدمون التلاعب بالعظام بشكلٍ أقل بكثير في علاجهم. وهذا شيءٌ جيّد، ونأمل بأن تختفي مثل تلك الممارسات تماماً في النهاية. يجب علينا التمييز في الأساس بين طب تقويم العظام، والذي أغلبهُ مساوٍ للطب النموذجي، وبين التلاعب بتقويم العظام، والذي هو علمٌ زائفٌ محض مشابه بصراحة للعلاج بتقويم العمود الفقري.

إنَّ حقيقة كون أيَّ طبيبٍ يحمل درجة دكتورٍ في طب تقويم العظام بدلاً من درجة دكتورٍ في الطب لا تخبرنا أي شيء. وبالرغم من ذلك، فلا بدَّ فعلاً أن يتخلّص طب تقويم العظام من التلاعب القائم على مفاهيم غريبة للمذهب الحيوي. وكذلك يجب عليهم أن يتوقّفوا عن الترويج لأنفسهم على أنّهم “شموليّون”، أو التظاهر بأنّهم قد ابتكروا الطب الوقائي.

الهوامش:

[1] اللفافات Fascia: طبقة خفيفة من النسيج الرابط تحيط كل عضو، ووعاءٍ دموي، وعظمٍ، وليفٍ عصبي، وعضلةٍ، وتسندها في أماكنها.

[2] المذهب الحيوي Vitalism: هو الاعتقاد بأن الكائنات الحية مختلفة في الأساس عن الكيانات غير الحية لكونها تحتوي على بعض العناصر غير المادية أو تتحكم بها مبادئٌ تختلف عن الأشياء غير المتحرّكة. وحينما يناقش المذهب الحيوي مبدأً حيويّاً حصراً، فغالباً ما يشار الى ذلك العنصر بمصطلح “الشرارة الحيّة”، أو “طاقة الحياة”، أو “قوة الخلق” والتي يساويها البعض بـ “الروح”.

[3] د. د. بالمر D. D. Palmer: دانيال ديفيد بالمر، عان معالجاً أمريكياً للعمود الفقري، وهو المؤسس لهذا النوع من العلاج، وقد كان مناصراً متعطّشاً لمختلف أشكال الطب البديل، مثل الشفاء بالمغناطيس.

[4] تقرير فليكسنر Flexner Report: هو تقرير تاريخي بطول كتاب كامل حول تدريس الطب في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، كتبه (ابراهام فليكسنر) ونُشر عام 1910. تعتمد عليه معظم جوانب مهنة الطب الأمريكي الى يومنا هذا.

[5] جون شنايدر John Snyder: طبيب أميركي يعمل استاذاً مساعداً في قسم الأطفال في كليّة الطب في جامعة توفتس، ويمارس عمله كطبيبٍ للأطفال في عيادات أميرست لطب الأطفال في ولاية ماساشوستس. وهو أيضاً كاتب في موقع sciencebasedmedicine.org الطبّي، وهو نفس الموقع الذي نُشر فيه هذا المقال.

[6] مارك كريسليب Mark Crislip: طبيبٌ أمريكي يعمل اخصّائياً في الأمراض المعدية في بورتلاند، أوريغون منذ عام 1990. وهو أيضاً المؤسس والمسؤول عن مجتمع الطب المبني على العلم في الموقع سالف الذكر، حيث ينشر فيه مقالاتٍ بشكلٍ مستمر.

المقال الأصلي:

Steven Novella, “Osteopathic Medicine – What Is It?”, sciencebasedmedicine.org, October 7, 2020