مقال سكوتا جوفرا ترجمة: حسين غالب

إذا كان هناك موضوع واحد في مجال صناعة المكملات الغذائية يتفق عليه الجميع سواء كانوا مستخدمين أو ناقدين لها، هو أن ما يكتب على علبة المنتج يجب أن يكون واقعاً داخل المنتج. ففي نهاية الأمر يستحق المستخدم دائماً أن يأخذ منتج ذو جودةٍ عالية. عندما يتعلق الأمر بالتأكد من جودة المنتجات التي نستخدمها فإننا في الأغلب نعتمد على السلطات الحكومية لحمايتنا. نعم قد يكون هناك منظمات غير حكومية تقوم باختبار المنتجات ولكن وحدها الجهات الحكومية المختصة تكون لها السلطة لإجبار الشركات المصنعة للمكملات للالتزام بمعايير الجودة والسلامة. إن ضعف الجهات الحكومية والتي لا تجبر المنتجين على الالتزام بالمعايير يؤدي إلى منتجات ذات جودة منخفضة وهذا ما نراه حالياً عندما ننظر إلى سوق المكملات الغذائية.

الأرق هو مشكلة يواجهها الصغار والكبار. والميلاتونين هو هرمون يباع على شكل مكمل غذائي بدون الحاجة إلى وصفة طبية في العديد من دول العالم. ويوصف دائماً بأنه مكمل آمن وفعال وينصح به العديد من المختصين في مجال الصحة (على الرغم من وجود أدلة متعارضة) لمعالجة مشاكل النوم والأرق لدى الصغار والكبار. فقد ارتفعت مبيعات الميلاتونين في الولايات المتحدة من 285 مليون دولار في 2016 إلى 821 مليون دولار في 2020 مع زيادة مستمرة في المبيعات بمقدار 10% سنوياً. ولكن تزامنت هذه الزيادة في المبيعات بزيادة في حالات التسمم بالميلاتونين لدى الأطفال حسب تقرير المركز الأمريكي للسموم. ففي عام 2020 صنف الميلاتونين كأكثر مادة يتم الإبلاغ عن حالات تسمم الأطفال بها.

ما هو الميلاتونين؟

في بداية القرن العشرين تم اكتشاف مادة تفرز من الغدة الصنوبرية (pineal gland) في الدماغ، واتضح أن هذه المادة لها تأثير نفسي، تم تسمية هذه المادة بالميلاتونين  في عام 1958. وقد تم التعرف على مستقبلات الميلاتونين في عدة أعضاء داخل الجسم كالغدة النخامية (pituitary gland) ومنطقة تحت المهاد في الدماغ (hypothalamus). يعد الميلاتونين مركب طبيعي يتواجد في الفقريات واللافقريات والحيوانات والبكتريا والفطريات والنباتات. يفرز الميلاتونين في الإنسان والثدييات الأخرى من الغدة الصنوبرية ويتبع افرازه ما يعرف بدورة الضوء، حيث يكون مستواه منخفض في أوقات الصباح، ويبدأ بالارتفاع في المساء حتى يصل إلى اعلى مستوياته في منتصف الليل. هذا الافراز يبدأ من مرحلة الطفولة ويستمر خلال فترة البلوغ ولكن مستويات الميلاتونين تبدأ بالانخفاض مع التقدم في السن. تم اختبار الميلاتونين في العديد من الدراسات السريرية كعلاج لاضطرابات النوم كالأرق . أن الأدلة على استخدام الميلاتونين في الحقيقة متوسطة. فالميلاتونين فعال اكثر في الأرق المتعلق بصعوبة بدء النوم، وربما يعطي زيادة كلية في وقت النوم بشكل عام. يمكن أن يستعمل الميلاتونين كعلاج طويل المدى للأطفال الذين يعانون من التوحد واضطراب فرط الحركة.

مخاوف جديدة حول الجودة

لا يخضع الميلاتونين لمعايير الادوية التي تحتاج وصفة طبية في الولايات المتحدة. فقانون المكملات الغذائية لعام 1994 يعد القانون المنظم لإنتاج المكملات الغذائية. وقد استثنى هذا القانون منتجو المكملات الغذائية من التشريعات الخاصة بالأدوية. وطبقاً لهذا القانون فإن المكملات الغذائية لا تحتاج إلى موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية حول سلامتها وفعاليتها قبل تسويقها، ويحق للهيئة التدخل فقط لسحب المكملات من الأسواق في حال كانت مغشوشة أو غير أمنة.

في غياب سلطة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، قام عدد من الباحثين بإجراء اختبارات على عدد من المنتجات التي تحتوي على الميلاتونين.

“في سبتمبر 2022، تم تحديد 30 منتج من المفترض أن تحتوي على الميلاتونين حسب الملصق الخاص بها، هذه المنتجات مسوقة على شكل جلاتين خاص بالأطفال ومدرجة في قاعدة بيانات المعهد الوطني للصحة والتي تعد أكبر قاعدة بيانات خاصة بالمكملات الغذائية في الولايات المتحدة. دخلت هذه المنتجات في قاعدة البيانات في سنة 2021 وهي متاحة للشراء عبر الانترنت. تم شراء المنتجات من الانترنت وتم اختبار وجود الميلاتونين ونسبته في كل منها”

تم اذابة الجيلاتين وتحليله لتحديد نسبة الميلاتونين، الصادم أن الكانابيديول (مادة كيمائية مستخلصة من الحشيش) والسيرتونين قد وجدت في بعض الأنواع من الجيلاتين.

النتائج

من بين الثلاثون منتج، أربعة منها كانت غير متاحة للشراء وواحد لم يحتوي ملصق المكونات الخاص به على الميلاتونين، مما ترك 25 منتجاً فقط متاحة للاختبار. وجد أن أحد المنتجات لم يحتوي ابداً على أي نسبة من الميلاتونين ولكن كان هناك 31.3mg  من الكانابيديول. بينما في المنتجات الاخرى تتراوح نسبة الميلاتونين فيها بين 74% إلى 347% (أي أكثر من ثلاثة أضعاف) من النسبة الأصلية المكتوبة على العلبة. فعلى سبيل المثال، أحد المنتجات من المفترض أن يحتوي على 3mg من الميلاتونين ولكن في الحقيقة فهو يحتوي على 10.4mg من الميلاتونين. في المقابل منتج آخر من المفترض أن يحتوي على 5mg ولكن في الحقيقة فهو يحتوي فقط على 3.7mg .بشكل عام فإن 88% من المنتجات لم تحتوي على نسب مطابقة لما هو مكتوب على العلبة. فقط 3 منتجات احتوت على نسب مقاربة للنسبة المكتوبة مع فارق 10% زيادة او نقصان.

تشير نتائج هذه الدراسة  إلى مخاوف حقيقة حول جودة المكملات الغذائية التي نتناولها. اعتماداً على هذا العدد البسيط من المنتجات التي تم اختبارها فإنها فشلت في أن تطابق معايير الجودة والسلامة. الأمر المخيف أن هذه المواد التي لا تحتوي على نسب مطابقة لما هو مكتوب أو تحتوي على مواد غير مذكورة في المنتج (مثل الكانابيديول) تستخدم للأطفال. لقد كانت القوانين والإجراءات الضعيفة بلا شك نعمة للمصنعين ، مما أدى إلى تسويق العديد من المنتجات ولكنها أيضًا جعلت من الصعب على المستهلكين العثور على منتجات آمنة وفعالة وذات معايير جودة عالية.

المصدر: 

Melatonin quality varies widely, Science based medicine