ستيفن نوفيلا (اكتوبر – 2018)،أعلنت منظمة الصحة العالمية (WHO) عن النسخة رقم 11 من التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض والمشاكل المتعلقة بالصحة (ICD). وفي فصل جديد مثير للجدل قاموا بضم أساليب التشخيص الطبي الأوروبي التقليدي، بالاعتماد على زيادة الصفراء والركودة الدموية!

تشير هذه التشخيصات إلى الطب الجالينوسي (Galenic medicine)، الذي يبلغ عمره حوالي 2000 عام والذي هيمن على الطب* لمدة 13 قرنًا. تشتمل العلاجات في كثير من الأحيان على إخراج الدم في المنطقة المصابة والتطهير، وتستند إلى الفحوصات التقليدية، والتي قد تتضمن تحليلاً مفصلاً عن لون البول.

منظمة الصحة العالمية تضمن الطب الجالينوسي في أحدث تصنيف طبي للأمراض! الباحثون سيتتبعون هذه الطرق، والمرضى سيلجأون لها بشكل أسهل بالتأكيد وبأسعار أقل، وستغطي شركات التأمين تكاليف العلاجات هذه! إلا أن هناك تعديل صغيرٌ على هذا، فمنظمة الصّحة العالمية قامت بدعم الطب الصيني التقليدي (TCM) أيضاً، وليس الطب الجالينوسي فحسب، في خطوة لا تقل هي الأخرى فظاعةً وانعدام العلمية.

كما تم نشر مقال في مجلة (Nature) ناقش هذه الخطوة لكنه للأسف مليء بمعلومات غير متوازنة. مالم يُلاحظ في المقال هو الغضب الذي ينبغي أن يشعر به أي شخص يهتم بصحة الناس ولديه نظام رعاية صحية مشروع [لا أن يكون المقال الصادر عن نيتشر بالشكل غير المتزن الذي صدر عنه وكما في الأمثلة التي سنذكرها أدناه وكأنه يستحسن طرق العلاج الزائفة هذه].

يعادل الطب الصيني التقليدي ممارسات تشبه الحجامة في الشرق. ويعطي مقال نيتشر تعريف موجز عنه:

يستند الطب الصيني التقليدي على نظريات حول طاقة تشي (qi)، وهي طاقة حيوية، والتي يقال أنها تتدفق ضمن قنوات تسمى مسارات الطاقة (Meridians)، وهذه القنوات تساعد الجسم في الحفاظ على الصحة. والوخز بالإبر يمثل نوعاً من الآليات الزائفة التي تتبع هذا المفهوم، حيث تثقب الإبر الجلد للوصول إلى أي نقاط من مئات النقاط الواقعة على مسارات الطاقة حيث يمكن إعادة توجيه تدفق تشي لاستعادة الصحة. ويُزعم أيضًا أن هذه العلاجات، سواء الوخز بالإبر أو العلاج بالأعشاب، تعمل على إعادة توازن القوى المعروفة باسم “يين ويانغ”.

المشكلة في تأسيس نظام كامل للطب قائم على نظام التشي هي أن تشي غير موجود مثله مثل الـ (Miasms)” نظرية المياسما أو الوبالة وهي فرضية طبية عفا عليها الزمن رأت أن الأمراض مثل الكوليرا، والكلاميديا، والطاعون تنتج بسبب “الهواء الفاسد”. وترى أيضًا أن أصل الأوبئة كان بسبب تعفن المواد العضوية”، ومثل المعتقدات البائدة حول أخلاط الجسم الأربعة (Four humors) “تقسم الجسم إلى أربعة أنواع من السوائل الدم، والصفراء ذات اللون الأصفر، والصفراء ذات اللون الأسود، والبلغم، وهي المسؤولة عن صحة الإنسان” (تعرف على مزاعم الفرضيات الأربعة في مقال العلوم الحقيقية حول الطب الشعبي الإيراني، حسين غالب 8 آب 2018)، ومثل العفاريت الذين تم تشخيصهم من قبل ثيودوريك اليوركي (Theodoric of York) (قصة كوميدية حول حلاق يستخدم تقنية زائفة تتضمن إراقة الدماء لشفاء الأمراض). في الحقيقة لا توجد “قوة حياة” غامضة بأي اسم، إن هذا المفهوم يفتقر لأي دليل، ولا يوجد أي سبب في فهمنا الحديث لعلم الحياة يجعلنا نقوم بمجرد التفكير بفرضية كهذه. نقاط الوخز بالإبر أيضًا لا وجود لها، وليس هناك حتى أي نظرية فيزيولوجية أو تشريحية تدعمها. لا ينبغي أن يكون أي من هذه الأمور مفاجئًا. فقد تم تطوير مفاهيم تشي ويين ويانغ قبل فترة طويلة من تطوير أساليب العلم الحديث، وقبل وجود أي فهم حقيقي لجسم الإنسان أو طبيعة المرض الحقيقية، وإن استمرار هذه الأفكار في العصر الحديث هو إهانة لكل ما أنجزناه.

مرة أخرى، يستمر مقال نيتشر (Nature) بالتحدث عن الفرق بين الطب الصيني التقليدي والطب الحديث:

على سبيل المثال، تتميز “متلازمة الهدر والعطش” (wasting thirst syndrome) بالجوع المفرط وزيادة التبول، ويفُسر ذلك “بالعوامل التي تستنزف سوائل يين (yin) في الرئة أو الطحال أو الكلى وتولد النار والحرارة في الجسم”. على أساس تلك الملاحظات، يمكن للأطباء معرفة كيفية علاجهم. من المحتمل أن يكون المريض، الذي كان سيتم تشخيصه على أنه مريض سكري من قبل طبيب غربي، سيوصف له الوخز بالإبر، والمقويات المختلفة والكيّ- حيث يقوم الممارسون بحرق الأعشاب بالقرب من جلد المريض. كما يوصى بتناول شاي السبانخ والكرفس وفول الصويا وأطعمة “التبريد” الأخرى.

فضلاً عن الطريقة التي وصف بها مرض السكري بالتسمية القديمة التي كانت ترتكز على كونه مرض يتضمن العطش فحسب فإن هناك مخاطر أخرى كبيرة في مرض السكري، حيث أن السكري يتضمن تراكم الجلوكوز في الدم إلى الحد الذي يسبب أضراراً مستديمة في الأوعية الدموية الشعرية، ويسبب ارتفاع السكري وخروجه عبر الكلية دورة من العطش والجفاف بالإضافة للجوع بسبب انخفاض في طاقة الجسم لعدم قدرة الجسم على استقلاب السكر، ويؤدي ذلك تباعًا  إلى أضرار في الكلية ونزول سريع في الوزن مصحوب بما يعرف بالحماض الكيتوني السكري (Diabetic ketoacidosis) (اختلاط في الحالات الشديدة غير المضبوطة من المرض) والذي يسبب سمية عالية في الدم. ومع عدم تلقي مريض السكري للإنسولين تقود سلسلة الأضرار هذه إلى الوفاة خلال أسابيع معدودة**.

هذه حالة طبية خطيرة للغاية، إذا لم يتم علاجها يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات خطيرة وحتى الموت. إن فهمنا الحديث يكفي لعلاج الآليات المحددة للمرض، ولتقليل مستويات الجلوكوز في الدم وتجنب اختلاطاته الخطيرة. فيما لا يستند تفسير الطب الصيني التقليدي لهذه الأعراض على أي معرفة حقيقية، ولكن على هراء خرافي لا علاقة له بالواقع. إن علاجات الطب الصيني التقليدي غير فعالة إطلاقًا، لأنها لا تعالج أي سبب حقيقي.

تُؤيد منظمة الصحة العالمية الآن انتشار علاجات سحرية مبنية على الهراء لعلاج حالات طبية حقيقية وخطيرة لدينا لها علاجات فعالة تعتمد على العلم. يفعلون ذلك باسم “التغطية الصحية الشاملة”، ويبرِّرون ذلك بالمراوغات المعتادة:

ردًّا على استفسارات مجلة (Nature)، قالت منظمة الصحة العالمية إن استراتيجيتها للطب التقليدي ” تقدم إرشادات للدول الأعضاء وأصحاب المصلحة الآخرين لتحقيق التنظيم والتكامل فيما يخص سلامة وجودة منتجات الطب التقليدي و المكمِّل وممارسيه وممارساته”. وشددت على أن الهدف من الاستراتيجية هو “تعزيز الاستخدام الآمن والفعال للطب التقليدي من خلال تنظيم منتجات الطب التقليدي وممارسيه وممارساته ودمجها في النظم الصحية، عند الاقتضاء”.

إن العمل على تنظيم العلوم الزائفة غير مفيد بل إنه يضفي الشرعية عليها. حيث أنه لا يمكن ضمان الجودة دون مقياس موضوعي للسلامة والفعالية، وهذا المقياس يفتقر له الطب الصيني التقليدي [أو الطب الجالينوسي]. حيث إن التّنظيم الفعّال ومراقبة الجودة لا يتوافق مع الأساسات غير العلمية للرعاية الصحية. وكما تشير المقالة أيضًا فقد تم حصر اللجنة المخصصة لتطوير الفصل حول الطب الصيني التقليدي بشكل أساسي في مجموعة من التقاليد المختلفة (الكورية مقابل اليابانية مقابل الصينية) تتجادل مع بعضها البعض حول الأولوية دون وجود أي أدلة -علمية- تساعد على حل الخلاف.

وقد تم تناول جزء من سبب هذه الخطوة المؤسفة من خلال المقالة، لكن المؤلف لا يقودنا في الحقيقة إلى الآثار المترتبة:

وينطبق دعم منظمة الصحة العالمية على جميع الأدوية التقليدية، لكن علاقتها بالطب الصيني، ومع الصين، نمت بشكل خاص خلال فترة مارغريت تشان (Margaret Chan)، التي أدارت المنظمة من عام (2006) حتى عام (2017).

تبذل الصين الكثير من الجهود للترويج للطب الصيني التقليدي، للاستيلاء على جزء كبير من سوق السياحة الطبية. قضت تشان بشكل أساسي 11 عامًا كرئيس لمنظمة الصحة العالمية لتشجيع الطب الصيني التقليدي، وهذا هو نتيجة عملها. في رأيي، هذه استغلال للنفوذ.

إن منظمة الصحة العالمية تسيء بهذا الشكل إلى شعوب العالم وتنتهك الهدف الذي أُسست من أجله، فهي قد تم تأسيسها لرفع جودة الرعاية الصحية وتحسين الوصول إليها في جميع أنحاء العالم. إن ترويج العلوم الزائفة وخرافات ما قبل عصر العلم سيكون لها تأثير معاكس، وهذا فشل حقيقي على جميع الأصعدة.

في حين أن هناك الكثير من منتقدي هذه الخطوة، إلا أن أصواتهم لا يبدو أن لها أي تأثير. هذه يجب أن تكون فضيحة، ويجب أن يكون هناك غضب صارخ على هذا المخالفات. الآن إن الطب الصيني التقليدي ليست أكثر من عملية احتيال ضارة تختبئ وراء ثقافة تقليدية.

وبدلًا من أن تقوم منظمة الصحة العالمية بالكفاح من أجل الرعاية الصحية المناسبة للمواطنين الصينيين، وجميع الناس، وحمايتهم من الاستغلال الخاطئ للرعاية الصحية، تقوم بتصدير هذا الاستغلال إلى العالم.

لا يسعني إلا أن آمل أن يرى جيل المستقبل ذلك الفشل المخزي على ما هو عليه.

ملاحظات

*أشار المقال الأصلي إلى أن الطب الجالينوسي كان مهيمناً على مفاهيم الطب في الغرب لمدة طويلة، وفي الواقع لم يكن ذلك مقتصراً على الغرب بل على الطب الشرقي في الحضارة الإسلامية أيضاً وقد حذفنا عبارة (الغربي) التزاماً بالدقة العلمية وأشرنا لذلك في هذه الملاحظة التزاماً بما ذكر في المقال الأصلي.

** تم تعديل الجزء المتعلق بمرض السكري عن المقال الأصلي وشرحه بشكل أكثر دقة.

المقال الأصلي

Steven Novella, “World Health Organization Endorses Quackery“, October 3, 2018