تستمر محاولات العديدين من مروجي الخرافة، التفكير السحري، العلم الزائف أو أصحاب مغالطة المذهب الطبيعي (Naturalistic fallacy) في عرض علاجات جديدة للسرطان من طُرق مستهلكة أكل الدهر عليها وشرب وأعلن فشلها وضررها وخطرها. والمضحك أن كثيراً من هذه العلاجات تتضمن فكرة بسيطة جداً وتحمل منحى مؤامراتي يُصور السرطان وكأنه خدعة عالمية تتستر شركات الأدوية على الحلول البسيطة لها. طرحنا سابقاً الخرافات حول الاميغدالين وعلاجات بورزينسكي الزائفة وتكلمنا عن أشهر عشرة خرافات حول السرطان ولكن بشكل مبسط لفتنا النظر فيه إلى إحدى هذه الطرق وهي تجويع السرطان أو حرمانه من الجلوكوز ليموت. وبقدر ما للفيسبوك من أضرار في نشر هذه الخرافات بشكل وبائي فإن له فائدة بنشرنا لمقالات تفنيدها بنفس الطريقة.

الحمية الكيتوجينية أو الحمية منخفضة السعرات

يشيع مبدأ الحمية منخفضة السعرات كطريقة ناجحة وواقعية لتخفيض الوزن دون المرور بجوع شديد أو حرمان شديد من الطعام مع انخفاض كبير في الوزن وهي تشمل طيف واسع من الحميات أشهرها حمية اتكنز (نسبة إلى موجدها الطبيب الأمريكي روبرت اتكنز). وتتضمن هذه الطرق بصورة عامة قطع كافة أنواع الكربوهيدرات عدا ما يقارب 15-40 غرام بحسب شدة الحمية. وتشمل الكربوهيدرات المقطوعة كافة مشتقات الطحين والرز والذرة والشعير  فضلاً عن السكريات بما فيها كافة الفواكه، وكذلك تمنع الحمية كثيراً من مشتقات الحليب كالحليب نفسه واللبن الرائب.

يتبع هذه الحمية كثيرٌ من المشاهير وهي مثار جدل بين مؤيدي الخط الثاني من طرق تخفيض الوزن من حيث أيهما أكبر تأثيراً وأيهما أقل ضرراً على المدى القريب والبعيد. وتعد الحمية الكيتوجينية نمطاً متشدداً من الحمية منخفضة السعرات.

لكن لا يعني عدم حصولنا على الجلوكوز – وهو الصيغة الأكثر شيوعاً للوقود الذي نحصل عليه من الكاربوهيدرات – أن خلايانا العضلية أو العصبية ستتضور جوعاً. فقط كيفية حصول الجسم على الطاقة ستتغير. بدلاً من الجلوكوز وبغيابه سيستفيد الجسم من الدهون محولاً إياها إلى جليسريل وأحماض دهنية ويُمكن للخلايا العضلية أن تستفيد من الأحماض الدهنية كمصدر للطاقة كما تفعل مع الجلوكوز. أما الدماغ فهو لا يستحصل الطاقة من الأحماض الدهنية بل من الكيتونات التي هي من نواتج العمليات التي يقوم بها الجسم للحصول على الطاقة في ظل قلة أو انعدام وجود الجلوكوز[1]. وتجدر الإشارة إلى أن تسمية هذه الحمية بالكيتوجينية تنبع من دور الكيتونات فيها.

أصل فكرة تجويع السرطان

بدأت في مطلع العقد الأخير خطوات لدراسة معينة عرفت بأيض السرطان (Cancer metabolism) كان ظهر على رأس المتحدثين بمفعولها توماس سايفريد (Thomas Seyfried) أستاذ علم الأحياء في جامعة بوسطن وللفكرة أصول من أبحاث تعود لـ 80 سنة للوراء وهي لأوتو واربورغ (Otto Warburg) الذي اكتشف أن خلايا الأورام تعتمد على التحلل السكري بشكل أكبر في تغذيتها. ولم يفعل سايفريد سوى أنه أعاد اكتشاف الأمر. لكن مهلاً من هو توماس سايفريد[2]؟

في إحدى ندواته كتب في اللافتة عن أعماله المشتركة حول علاج السرطان مع جوزيف ميركولا (Joseph Mercola) صاحب الصيت في العلاجات الزائفة والطب البديل فضلاً عن آراءه المضادة للقاحات. تلقى موقع ميركولا تحذيرات من هيئة الغذاء والدواء الامريكية (FDA) ويُعد موقعه من أكثر المواقع ربحاً في بيع المنتجات الزائفة (إطلع على أشهر 10 مواقع ضد العلم). بجميع الأحوال فإن عالماً محترماً لن يرغب بأن يُقترن إسمه وبحثه العلمي – إن وجد – بشخص مثل ميركولا. لكن سايفريد لا يتوقف عند هذا الحد بل يصرح:

“الحمية منخفضة السعرات – مرتفعة الدهون يُمكن أن تكون بديلاً للعلاج الكيمياوي والإشعاع حتى لأكثر أنواع السرطان خطراً”

تصريح خطير فيما لو أخذ على محمل الجد وقد يسبب ضحايا كثر. يُتبعه سايفريد بتساؤل “هل السرطان مرض جيني أم ايضي؟”، يُمكن القول وفق آلاف الدراسات المقامة حول السرطان حالياً بأنه الأسباب الوراثية تُشكل عاملاً أساسياً محركاً فيه. أما الشق الثاني من الأمر وهو اكتشاف أوتو واربورغ فيُمكن القول بأنه ينطبق على 60-90% من أنواع السرطان وليس أكثر من ذلك، كما أن هذا التأثير – المعروف بتأثير واربورغ – لا يعني سوى أن الخلايا السرطانية تُفضل الجلوكوز لكنها لا تقتصر عليه، وهي تستخدم منه أكثر مما تستخدم الخلية الاعتيادية والسبب في ذلك هو أن التحلل السكري (glycolysis)  لا يحتاج الى الاوكسجين في الوقت الذي تتواجد فيه الخلايا السرطانية في مواضع من الأنسجة حيث يقل الاوكسجين. والسبب الرئيسي الذي يجعل حاجة الخلايا السرطانية للجلوكوز و بالتالي الطاقة أكثر من حاجة الخلايا الطبيعية لهما هو سرعة نمو الخلايا السرطانية الكبيرة مقارنة بالخلايا الطبيعية و بالتالي تقوم الخلايا السرطانية باستخدام الجلوكوز أكثر من أجل ان تقوم بالتنفس (respiration) بشكل أكبر كي تحصل على الطاقة الكبيرة التي تحتاج لها.

تجارب وحالات

يستشهد سايفريد بتجربتين حول الفئران إحداهما منشورة في مجلة متدنية التقييم وتتضمن الدراسة اختلالات وأمور تدعو للشك، وكلتا الدراستين حول سرطان الدماغ فقط وفي ظروف معينة وتخص الفئران. ولا توجد لدى سايفريد أدلة سريرية كافية تخص الإنسان. احدى الحالات النادرة الموثقة حول الأمر هي حالتين لمريضتين تم إخضاعهما للحمية الكيتوجينية في مستشفى كليفلاند في الولايات المتحدة ويُذكر أن إحداهما نالت توقفاً في تقدم المرض طيلة 12 شهراً ليس إلا وكان ذلك في عام 1995 ولا يعرف أحد ما جرى بعد ذلك.

حالة أخرى في عام 2010 كانت المريضة تعاني من ورم أورمي دبقي متعدد الأشكال (multi-form glioblastoma)، وكانت بدأت بالحمية منخفضة الكربوهيدرات وبشكل مشدد جداً (مع أقل من 600 سعرة حرارية في اليوم) ثم تم إجراء عملية جراحية لها أتبعت بعلاج كيمياوي استمر لستة أسابيع ومن الجيد أنها شُفيت وبعد ذلك عادت لنمط أقل تشدداً من الحمية الكيتوجينية. لكن ولسوء الحظ فإن الورم عاد للحدوث بعد 8 أشهر، هنا يعزو سايفريد عودة المرض لترك المريضة للحمية (التي يبدو أنها ليست العامل الوحيد في الشفاء إذ كان هناك علاج كيميائي وعملية جراحية).

وفي دراسة أخرى حول 53 شخص لديهم أورام دماغية كانوا يخضعون للعلاج الكيميائي وتم إخضاعهم للحمية الكيتوجينية أثناء ذلك وتم تقييم تأثير الحمية على تقادم حالات المرض فلم يكن هناك تأثير للحمية على تحسن حالة المرض لدى أي من هؤلاء[3].

وفي ألمانيا تم تجربة الحمية على 16 مريض استنفذوا كل محاولات الشفاء، لم يكن هناك أعراض جانبية لكن معظم المرضى سوى 5 لم يستمروا بالحمية كما ينبغي – حيث طلب منهم الاستمرار لـ 3 أشهر – لكن هؤلاء الخمسة لم يختبروا إختلافاً عن المرضى الآخرين في تقدم المرض بل توفي اثنان منهم مبكراً، وتخلى إثنان لاحقاً عن الحمية، بينما عانى الآخر من تراجع أدى به إلى الرجوع للعلاج الكيميائي.

في مطلع شباط 2016 نشر خلدون وليد – وهو صيدلي عراقي – قصةشفاءوالده (78 عاماً) من خلال إتباع الحمية الكيتوجينية وروج من خلال الفيسبوك وعبر صفحات عديدة للأمر، يذكر خلدون أنه والده أخذ العلاج الكيميائي في البداية لكن دون فائدة ثم سافروا للهند ويذكر أن والده أخذ العلاج الكيميائي في الهند قبل 5 أشهر ثم عاد للعراق وبدأ بالحمية فشفي من المرض. لا غريب في القصة مع قصة المرأة التي شفيت وعاد لها المرض (نأمل أن لا يعود المرض لأبي خلدون بالتأكيد) لكن من الواضح أن التأثير ليس منحصراً بالحمية بل يُعزى بالدرجة الأساس للعلاج الكيمياوي الذي أخذه في الهند.

سايفريد ذاته وهو أبرز المروجين لهذه الطريقة كعلاج يعترف بأن جميع الدراسات التي يستشهد بها لم تكن إلا بمعية العلاج بالإشعاع أو العلاج الكيميائي.

في 2007 انتشر بريد إلكتروني إنتشاراً وبائياً وهو يتحدث عن أن جامعة جون هوبكنز نشرت بأن تجويع السرطان بحرمانه من السكر يفيد بشفائه، فسارعت الجامعة لنفي نشرها هذا الشئ ونفي الموضوع علمياً أيضاً[4].

في أحسن تقدير يُمكن القول أن دور الحمية الكيتوجينية في علاج السرطان لم يحن بعد سواء لوحده أم مع علاجات أخرى، الأدلة الموجودة ضعيفة لكن الطب البديل كان بالمرصاد لهذه المحاولات ليظهر لنا مروجوه بالصورة التقليدية بأن السرطان تافه جداً وعلاجه قريب جداً لكن المؤامرة العالمية تقتضي التربح منه بهذا الشكل. ليس السرطان نزهة أو حالة صحية بسيطة أو قابلة للعلاج، لكن ذلك لا يعني أن نتكئ على الأساليب غير المثبتة لنسقي آمال المرضى، ففي النهاية لن يعني ذلك شيئاً لهم.

 

لماذا يصعب علاج السرطان؟

عند تطوير أي علاج، يكمن الهدف في البحث عن شيء أو أي تصرف معين داخل الخلية خاص بالحالة المرضية فقط التي نود علاجها. المشكلة في السرطان انه عبارة عن نمو سريع و غير طبيعية للخلايا الطبيعية للجسم. ولذا فإنه لا يوجد شيء معين خاص بالسرطان يمكن مهاجمته.. فكل أجزاء الخلية والتصرفات داخل خلية السرطان موجودة داخل الخلية الطبيعية كذلك، تقريبا. الهدف من علاج السرطان هو قتل الخلايا السرطانية فقط أو تخفيف نموها وانتشارها، لا ان نقتل الخلايا الطبيعية. و بما ان وجود سمات مختلفة بين الخلايا السرطانية والخلايا الطبيعية هو أمر نادر ومختلف من نوع سرطان الى اخر، بل ويختلف ضمن النوع الواحد من السرطان، لذا فإن علاج السرطان لا زال عقبة في مجال صناعة وتطوير الأدوية ولا يُمكن لحلول على غرار تجويع الخلايا السرطانية أن تكون ناجحة مطلقاً.

المصادر

[1] Joyce J. Diwan, “Lipid Catabolism: Fatty Acids & Triacylglycerols“, Molecular Biochemistry II, Rensselaer Polytechnic Institute, Viewed at: 10 February 2017

[2] Gorski, D., Dr. (2016, January 13). Ketogenic diet does not “beat chemo for almost all cancers”. Retrieved February 10, 2017

[3] Champ, C. E., Palmer, J. D., Volek, J. S., Werner-Wasik, M., Andrews, D. W., Evans, J. J., … & Shi, W. (2014). Targeting metabolism with a ketogenic diet during the treatment of glioblastoma multiforme. Journal of neuro-oncology117(1), 125-131.

[4] McMacken, M. (n.d.). Cancer Update Email — It’s a Hoax! Retrieved February 10, 2017

تدقيق: رغد العبيدي