بقلم: د. هارييت هال/ طبيبة متقاعدة، وكولونيل في سلاح الجو الأميركي، تكتب في نقد الطب البديل، العلوم الزائفة، الدجل.

يمتلئ الأنترنت بوفرة من المعلومات بعضها صحيح والآخر مزيف، وأحد تلك المواضيع التي ابتليت بالمعلومات الخاطئة موضوع الأس الهيدروجيني (pH) في الجسم والغذاء، فبعض الناس يتقيدون بالحمية، ويشترون المياه القاعدية، ويفحصون ادرارهم بأشرطة قياس الأس الهيدروجيني، ويشترون علاجات مزيفة للسرطان؛ على أساس ادعاءات علمية زائفة حول الاس الهيدروجيني، في هذا المقال نعود الى الاساسيات لنبين الحقيقة من الزيف حول الأس الهيدروجيني.

ما هو الأس الهيدروجيني؟

تأتي أحرف pH  اختصاراً لكلمتي Potential of Hydrogen   اي (الجهد الهيدروجيني) وهو مقياس لوغاريتمي من 0 ولغاية 14 يقيس تركيز ايونات الهيدروجين، فالماء متعادل ومقياسه 7 والمحاليل التي مقياسها أقل من 7 تكون حامضية، بينما المحاليل التي مقياسها اكبر من 7 تكون قاعدية او قلوية. واللوغارتمية تعني ان الوحدة مقدمة بشكل ضعف الفرق العشري، اي ان الاس الهيدروجيني 4 تعني انها تحتوي على عشرة أضعاف أيونات هيدروجين مما يحتويه الأس الهيدروجيني 5. يبقى الدم بمدى ثابت من الأس الهيدروجيني (7.45-7.34) بعملية تدعى (توازن حمض-قاعدة) حيث تُصحح الانحرافات سريعاً بآلية تعويضية بالرئتين والكلى. يكون الأس الهيدروجيني لحمض المعدة (1.3-3.5)، وللبشرة 4.7 وللسائل الدماغي 7.5، وللافرازات البنكرياسية 8.1، ولا تتأثر أي من هذه القيم اعلاه بتركيبة الغذاء، أما قيمة الأس الهيدروجيني للبول فتتأرجح بمدى واسع (4.6-8.0) وهذا المدى الواسع سببه قيام الكلى بإعادة التوازن عند حدوث وفرة قاعدية او حامضية بالجسم، لذلك فإن قيمة الأس الهيدروجيني للبول ليس لها علاقة بقيمة الاس الهيدروجيني للدم، او لأي جزء آخر بالجسم..

 

نظرية المرض الحامضية/القلوية:

تدعي هذه النظرية بأن زيادة الحامضية بالجسم تُسبب الأمراض، لذلك يجب ان نتناول غذاء قاعدي ونشرب الماء القلوي، لكي تتحسن صحتنا. لذلك تشجع هذه النظرية الناس على قياس قيمة الأس الهيدروجيني لادرارهم لمراقبة التوازن الحمضي/ القلوي، وفي موقع مراقبة الدجل (Quackwatch) يشرح الاستاذ غيب ميركين كيف ان هذه النظرية هي محض هراء، لأن تحوّل الغذاء لا يؤثر على حامضية اي جزء في الجسم، عدا البول، فيقول: ” اذا اخبرك شخصٌ ما بأن جسمك عالي الحامضية وأن عليك شراء منتجه حتى تصبح اعلى قلوية؛ فإنك ستكون على قدرٍ من الحكمة إن لم تصدّق  ما يقوله”. ويرد احد المعالجين بالاعشاب شارحاً أنه ما دامت قيمة الأس الهيدروجيني للبول مخالفة لقيمة الاس الهيدروجيني للدم؛ فإن الصحة تتأثر بالتغيرات الطفيفة لهذه القيم بالدم (رغم أنها ضمن المدى الطبيعي)، وان الأس الهيدروجيني للبول هو مقياس جيد للدلالة على الجهد الذي يبذله الجسم للحفاظ على التوازن، وكيف ان الجسم يضع كماً من الاجهاد ليعيد وضعه الطبيعي، ويدعي ان القيمة الدنيا من الاس الهيدروجيني للدم غير صحية؛ لا يوجد أي دليل على هذه الادعاءات.

الحمية القلوية

تقفز نظرية الحمية القلوية بقوة نحو استنتاجات خاطئة نابعة من حقيقة بسيطة: ان أنواع محددة من الغذاء تُنتج رماد حامضي.يدعي داعمو هذه النظرية ان الجسم يميل الى سحب العناصر الغنية القاعدية كالكالسيوم والفسفور والمغنسيوم من العظام والأسنان وبقية الاعضاء؛ لمعادلة الزيادة الاضافية بالحامض. ويدعون بإن هذا سيؤدي إلى هشاشة العظام والإعياء والى إضعاف الجهاز المناعي، مما يجعلنا معرضين للفيروسات والسرطان، ولذلك فإن تجنب الغذاء الحامضي سيجعل البول أكثر قاعدية،وأولئك الذين يكون بولهم أكثر قاعدية يكون خطر إصابتهم بهشاشة العظام والسرطان وأمراض القلب أقل.  تدعي الحمية القاعدية ان بإمكانها تقليص الوزن وزيادة الطاقة، ويزداد حجم الادعاء عن امكانيتها علاج السرطان. يستشهد المؤيدون ببراهين علمية انتقائية تبدو وكأنها تدعم ادعاءاتهم، الا ان التحليل النظامي لجميع الدراسات العلمية المنشورة لا تدعم نظرية المرض الحامضي/القاعدي، لذلك يجب ان يتم اعتبارها على أنها علم زائف.

تتضمن الاغذية التي تعزز القاعدية: معظم الفواكه والخضراوات، فول الصويا، التوفو، بعض المكسرات، والبذور، والبقوليات. اما الاغذية التي تعزز الحامضية والتي يتوجب تجنبها فهي:  الالبان، واللحوم، والاسماك، ومعظم الحبوب، والاغذية السريعة، والاغذية المُعالجة. و الاغذية العشرة الشريرة هي : شحم الخنزير، زبدة الفول السوداني، التوت البري، المعجنات البيضاء والخبز، لحم البقر، زيت الذرة، لحم الخنزير، البطاطا، البيرة والكحول العالي التركيز، والزبدة. هناك سبب للقلق عندما نسمع نصائح بتجنب كل انواع الالبان واللحوم والأسماك والحبوب، لأن ذلك سيؤدي الى سوء التغذية للبعض.

المياه القلوية

بأمكانك شراء المياه القاعدية او صنعها بنفسك، ويقال عنها انها مزيلة للسموم (كلمة زائفة طبية وطنانة ولا معنى لها) وانها تُميئ ( كل المياه تُميئ) انها تؤكسد وتعمل كمضاد للتأكسد (وهاتان عمليتان متعارضتان، فكيف يمكن ان يحدث ذلك؟) يُغير من قيمة الأس الهيدروجيني للجسم (كلا لا يفعل ذلك.) يحفز جهاز المناعة (استناداً إلى ادعاء فارغ يقول بأن الغذاء الحمضي يؤدي الى خنق خلايا الجسم وتحطمها ثم موتها، وهذا الخنق يقود الى اضعاف الانظمة التي تدعم نظام المناعة) وكذلك يُدعى ان المياه القلوية تساعد في إنقاص الوزن،ومنع الاصابة بالسُكري، وعلاج الصدفية ، لكن لا يمتلك اي من هذه الادعاءات أي دليل علمي.

بإمكانك شراء اي مياه قلوية من 3.1 سنت ولغاية 1.36 $ للاونصة، ولتعلم ان ابخسها سعراً هو هدر للمال.

نظام بوب رايت

تتلخص هذه الطريقة بإستخدام ماء ذو اس هيدروجيني 11.5 مستخلص من جهاز لترشح المياه (آلة كنجن) وعن طريق هذا الماء تتم معالجة السرطان، حيث ان السرطان تسببه ميكروبات، وهنالك العديد من الميكروبات بالخلية السرطانية، حيث يقوم بإستخراج الفضلات عالية الحامضية والتي تدعى بـ “السموم الفطرية” وعند قتل الميكروب تعود الخلية السرطانية الى حالتها الطبيعية كخلية اعتيادية، وان قتل هذه الميكروبات بسرعة شديدة او ببطء شديد سيؤدي الى نتيجة عكسية، ويهدف نظام بوب رايت إلى قتل هذه الميكروبات بالمعدل المثالي.

لست بحاجة لأن ابذ جهداً لبيان سخافة هذا الكلام.

روبرت  او يونغ (Robert O. Young)

كل ذلك الهراء آنف الذكر حول الأس الهيدروجيني لا يُعد سوى موضة عابرة غير ضارة، إلا ان ما يثير المخاوف حقا هو، روبرت يونغ هو “معالج بالطبيعة” ومؤلف سلسلة كتب تحمل عنوان “معجزة الأس الهيدروجيني” يقول ان الحامض هو سبب كل الامراض، وان القَلونة هي الشفاء لكل مرض، وأن لا وجود لشيء اسمه “الخلية السرطانية”. قام جراح الأورام والباحث د. ديفيد غورسكي بفضح زيف هذه الأفكار بسهولة ونشرت تفنيداته على مدونة  the Science-Based Medicine. كما القى ستيفن باريت نظرة انتقادية على نظريات وشهادات “الدكتور” روبرت يونغ .

روبرت يونغ

روبرت يونغ

ظهر يونغ في برنامج اوبرا وينفري التلفزيوني مدعياً شفائه لأمرأة تدعى كيم تنكهام من سرطان الثدي، والتي توفيت لاحقاً على اثر هذا المرض بفترة قصيرة بعد ان ظهرت بالبرنامج واخبرت العالم بأنها شُفيت من المرض. وكذلك فإن عدداً من مرضى السرطان كانوا قد توفوا وهم تحت رعاية يونغ.

الامر يزداد سوءاً، فقد بثت هيئة الإذاعة البريطانية تقريراً تحت عنوان “الضابط المتوفي إثر علاجه من السرطان بالصودا الكاوية” ضابط الجيش البريطاني نعيمة هاودر محمد قد تم علاجها اعتيادياً لكن المرض عاد مجدداً وكانت حالتها شديدة الى درجة ان الاطباء اخبروها بعدم جدوى العلاج، ولكي تتمسك بقشةٍ من الامل، وجدت الدكتور يونغ على الانترنت وتبادلت الرسائل معه عبر البريد الإلكتروني، فعرض عليها العلاج بمزرعته “معجزة الاس الهيدروجيني” بكاليفورنيا، لمدة (8-12) اسبوع، وبقيمة 3000 $ لليوم الواحد، فقام أهل نعيمة بسحب مدخراتهم، والدعوة الى التبرع، وتلقي التمويل من المؤسسات الخيرية، لأجل تغطية مصاريف هذا العلاج.

تضمن العلاج حقن وريدية من مادة بيكربونات الصوديوم المعروفة شعبياً بـ “الصودا الكاوية” وبعد ثلاثة أشهر بالمزرعة ازدادت حالتها سوءاً وتم ادخالها المستشفى ثم عادت الى المملكة المتحدة لتموت بعمر الـ 27، كانت ستموت بكل الاحوال، إلا ان روبرت يونغ اعطاها املاً كاذباً بالحياة، وكلّف أهلها 77 الف دولار امريكي، لأجل علاج مبني على اساس علمي زائف، ومحكوم على نجاحه بالاستحالة، بالاضافة الى ذلك يُذكر انه كان مُصراً على ان تقوم بتحويل الاموال اليه قبل وصولها الى مزرعته. اخبر يونغ مراسلي البي بي سي بأن ” كل الأمراض يمكن تجنبها بالحفاظ على التوازن الدقيق للأس الهيدروجيني لسوائل الجسم”.  وانه “عندما يصبح الدم حامضياً فإن شيئاً غريباً يحدث، حيث تتحول الخلايا الطبيعية الى بكتيريا في ظاهرة يسميها تعددية المظاهر (pleomorphism)، ولذلك يدخل الجسم في الحالة المرضية” بالاضافة الى “ان الجراثيم ما هي إلا تحولات بيولوجية لمادة حيوانية او نباتية او بشرية، أي ان الجراثيم متولدة من تلك المادة” .

أطلق مراسل البي بي سي على هذا الكلام وصف “بعيد عن الحقيقة”إلا ان وصف “الهراء الخطير”  اجدر به.

عندما سأله مراسل البي بي سي فيما إذا كان يشعر بالندم رد قائلاً: ” لا اشعر بالندم، لأن برنامج الحمية القاعدية قد ساعد الألوف إذا لم يكن الملايين من الناس”. تمت ملاحقة يونغ قضائياً ثلاث مرات، الاولى اعترف بأنه مذنب عن تهمة محاولة مزاولة مهنة الطب دون ترخيص؛ تم اعفاءه من التهم بعد اعترافه بذنبه وامتناعه عن العود. والثانية في عام 2001 اتهم بارتكابه جنحة لدعوته امرأة لإستخدام علاجه “Super Greens” بدلا عن علاجها الكيميائي. تم اسقاط التهم لأن المدعي العام لم يعتقد بكفاية الضحايا الغاضبين لإدانته. وفي عام 2014 اعتُقل يونغ وتم اتهامه بعدة تهم من بينها السرقة وممارسة مهنة الطب من غير ترخيص ، وتم تسمية 6 من مرضى السرطان في عريضة الدعوى كانوا قد توفوا، أما الناجون فقد شهدوا بأن يونغ ادعى بأنه قادر على شفائهم، وجدت المحكمة بأنه ليس بطبيب، وانه اشترى شهادته من مكان يبيع الشهادات. يواجه يونغ الان حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات عن دعوتين بتهمة ممارسة الطب دون ترخيص، ثم يُعزل عن 6 تهم بالاحتيال حتى تقرر هيئة المحلفين إيقافه. كما يواجه تهمة بالاحتيال من امرأة ادعت بأنها كانت مصابة بالسرطان المرحلة الاولى والذي يمكن علاجه، حيث تقدم بها المرض الى المرحلة الرابعة لأنها اتبعت نصيحته بدلا من متابعة العلاج المقرر لها.

ان الفهم البسيط للفسلجة وتوازن حامض- قاعدة، وما يحتويه من ادلة علمية، كافٍ لدحض سوء المعلومات حول الاس الهيدروجيني، وللأسف ان هذا الفهم البسيط هو ما يفتقده الغالبية من مجتمعنا، انه من المُحزن ما وصل اليه نظامنا التعليمي، والأكثر حزناً اداء نظامنا القضائي الذي سمح ليونغ بأن يؤذي العديد من الاشخاص قبل ان يتخذ اي اجراء، وحتى عندما تحرك النظام القضائي، لم يكن بشكل كاف.

المقال الأصلي:

HARRIET HALL, pH Mythology: Separating pHacts from pHiction, Skeptic, viewed at 2nd March 2021