السببية والتفكير السببي يبدأ لدى الطفل عندما يرى أنه قادر على تحريك الاشياء بإرادته، أي أنه يكون مسبباً لحركتها. لكن لاحقاً يمكننا التمييز بين العلاقات السببية والإحصائية وفقاً للشعار الشهير “لا يدل الترابط بالضرورة على علاقة سببية” فبينما يعرف الترابط الاحصائي بوجود احتماليات مشتركة لقيم معينة تمت ملاحظتها كأن يتغير أ مع ب لكن ليس بسببه. بينما يرتكز الترابط السببي على تأثير عامل على آخر في احتمالية معينة كأن يؤثر أ على ب.

أما في فيزياء الكم فمن المفترض أن وقت الخلفية أو التركيبة السببية المحددة موجودة بشكل مسبق لكل من أ و ب فإما أن يكون أ ماضياً لـ ب وإما أن يكون ب هو الماضي لـ أ أو أن يكون الإثنان منفصلان بفضائهما الزمكاني. لكن ما نعرفه وفق قوانين بيل وكوجين-سبيكير هو أن ميكانيكا الكم لا تتطابق مع امكانية ملاحظة قيمها فيزيائياً بشكل مستقل عن سياق القياس. ووفق النظريات المذكورة آنفاً فإن افتراض احتماليات معينة للقيم الممكنة للمُلاحظ بشكل مستقل عن وسيلة القياس يبقي عدم التطابق قائماً. فهل تنطبق هذه النظريات على التركيبات السببية أيضاً؟

إذا افترضنا أن قوانين ميكانيكا الكم تنطبق على العلاقات السببية فإننا قد نصل الى استنتاج يكون فيه الترتيب السببي غير منتظم وخاضعاً لمبدأ الريبة الكمي، شأنه شأن الزخم أو المكان. عندما تخضع التراكيب السببية لتراكب (superposition) حيث ينطبق فعلياً قولنا أن أ هو ماضي لـ ب و ب هو ماضي لـ أ بشكل متصل فإننا قد نُخمن أن تلك الحالة يُمكن أن تطبق بشكل ذو صلة بالنظرية النسبية العامة، وبما أن الأجسام تكون واقعة في تراكب (superposition) فإن حيزها الزمكاني سيكون كذلك أيضاً وكذلك جاذبيتها وهذا يقود الى حالات لا يكون فيها معرفاً إذا ما كانت الاحتماليات منفصلة زمنياً أم مكانياً.

عواقب ذلك تطرح اموراً عديدة منها أن الترتيب السببي للزمكان قد لا يكون من المكونات الأساسية للطبيعة وقد لا تكون السببية من أسس الكون. ولكن كيف يُمكن تكوين نظرية الكم دون افتراض للترتيب السببي والخلفية الزمنية لها؟ وما هي الظاهراتية الجديدة التي يمكن توظيفها من قبل التراكيب السببية غير المحددة؟ وهل هذه التراكيب السببية غير المحددة موجودة في الطبيعة؟ إذا لم تكن كذلك فلماذا لا يُمكن ملاحظتها في التجارب الكمية؟

طُرحت هذه الاسئلة من قبل لوسيان هاردي في عام 2005. وقد طرح نموذجاً رياضياً لها أسماه المُتسبب (Causaloid) والذي يحتوي على كافة المعلومات بخصوص العلاقات السببية بين مواضع الزمكان. وقد بدأ الباحثون في بافيا، فيينا في النمسا في مؤسسة بريميتر (Perimeter Institute) بتطبيق طرق شديدة الفاعلية مع قوانين الكم المختلفة للكشف عن العلاقة بين الطبيعة، الزمن، السببية وشكلية نظرية الكم وقد تم تطوير نظريات عدة لربط التركيبة الإحتمالية (probabilistic structure) لنظرية الكم مع الأبعاد الثلاث للفضاء. وبالقيام بأفتراضات معقولة حول كيفية هيمنة الأنظمة الكبيرة للأجهزة المختبرية على الأنظمة المايكروية وجد أن التركيبات الإحصائية لا يُمكن أن تتغير دون تغيير أبعاد الفضاء.

لكن مع التجارب المختلفة والحقول المختلفة التي طُرحت للإجابة على السؤال ما زال التنقيب في الموضوع لا يثمر الا مزيداً من الاسئلة وما زال الأمر غير واضح دون إيجاد نظرية كمية للجاذبية من جهة وإيجاد ترابط رياضي بين نظرية الكم والنسبية العامة. في غضون ذلك قد تبقى التنظيرات في إطار العلاقة بين السببية ونظرية الكم في موضع الأسس والمبادئ بدل أن نجد لها اساساً رياضياً في الكون.

المصدر:

Brukner, Časlav. “Quantum causality.” Nature Physics 10.4 (2014(