بقلم: فرانك سونليتنزر
ترجمة: المجتبى الوائلي
تصميم بوستر: خالد بهنام
——————————————–

وبالنسبة لمفهوم التصميم كفرضية مفيدة:

(نظريته حول التكيف كانت أول نظرية إلحادية مقنعة؛ وكان الإيمان بالله أسوء من القبول المفتوح بالفشل، لأنه قد خلق إنطباعاً بأن هنالك تفسيراً قد تمَّ التوصل اليه في نهاية المطاف) [بوبر 1976، ص172].

هنالك علماء كثيرين قد أساؤا تفسير بوبر. على سبيل المثال، كولين باترسون فعل ذلك، إذا قبلنا تمييز بوبر بين العلم واللاعلم فالتطور لا يُعتبر علم لأنه يتعامل مع أحداث تاريخية فريدة. بوبر، ومع ذلك، لا يتفق مع هذا.

(قد يعتقد بعض الناس أنني أقوم بنفي الطابع العلمي من العلوم التاريخية، مثل علم المستحاثّات، أو تاريخ تطور الحياة على الأرض. هذا خطأ، وأنا هنا لغرض التأكيد على أنَّ تلك العلوم وغيرها من العلوم التاريخية في رأيي لها طابع علمي، ويمكن إختبار الفرضيات خاصتها في كثير من الحالات) [بوبر 1981، ص611].

في أعماله المبكرة، قام بوبر بمناقشة العلوم التاريخية التي تستخدم المنهج العلمي للعلوم النظرية:

[هذا الرأي متوافق تماماً مع تحليل المنهج العلمي، وخصوصاً التفسير السببي الوارد في القسم السابق. الوضع هو ببساطة: في الوقت الذي تقوم به العلوم النظرية بإيجاد وإختبار القوانين التي تصف الكون، فان العلوم التاريخية تأخذ تلك القوانين باعتبارها من المسلمات وتعتمد عليها في بإيجاد واختبار حالات فردية) [بوبر 1957، ص143].

ما يسميه بوبر بالعلوم التاريخية لا تقدم لنا التنبؤات حول الأحداث الماضية البعيدة الفريدة، التي من الواضح أنها ليست قابلة للإختبار. (عدّة مؤلفين معاصرين – من ضمنهم إكتشاف ستيفن غاي جولد، يوليو 1982 – إرتكبوا ذلك الخطأ). هذه العلوم تقوم على الفرضيات التي تنطوي على أحداث الماضي التي يجب أن تكون قابلة للتنبؤ (وذلك له الكثير من العواقب المنطقية) بالنسبة للحالة الراهنة للموضوع قيد الدراسة. إجراء الإختبار هنا يُأخذ ليمنحنا القوانين العامّة والنظريات ويقوم بالإختبار في ظروف معينة (أو الظروف الإبتدائية، كما يحب أن يدعوها بوبر) التي عُقدت للنظام.

أفترض عالم أنَّ في الماضي البعيد، إعتماداً على أساس من الكثير من التشريح المقارن وعلم وظائف الأعضاء، أنَّ الثديات قد تطورت من الزواحف. هذا قد يكون له الكثير من العواقب بالنسبة لقابلية الإختبار في الحالة الراهنة للنظام (سطح الأرض مع الطبقات الجيولوجية فيها وأنواع الحيوانات والنباتات التي تعيش فيها) في شكل الحالة الإنتقالية بين الزواحف-الثديات التي يجب أن تكون موجودة، بالإضافة الى سمات مميزة أخرى من الحمض النووي، والأنظمة الإنمائية، وهكذا دواليك، للزواحف والثديات في يومنا هذا.

لكن ماذا عن التكرارية؟ فالملاحظات ايجب أن تكون قابلة للتكرار، وذلك لإثبات صلاحيتها بشكل مستقل عن سلطة أي شخص. هذا لا يعني أن الآلية الإفتراضية أو الظاهرة المعنية يجب أن تكون قابلة للتكرار أو للنسخ. ففي التجارب المختبرية، حيث الظواهر التي تجري دراستها تكون قصيرة الأمد وعابرة، من الضروري عادة إنتاجها ثم إمكان تكرار التجربة بنفس النتائج. ولكن من أجل تكرار الظواهر الطبيعية فأن على العلماء الإنتظار طويلاً لإمكانية ملاحظة ذلك، كما في حالة الكسوف، الزلازل، والظواهر البايولوجية التي تتكرر بشكل موسمي، وهكذا دواليك. ومع ذلك، إذا كانت الظاهرة مستقرة، في حالة دائمية أكثر أو أقل على المدى الطويل، سيمكن تكرار الملاحظات في أي وقت. عالم الجيولوجيا قد يرجع الى التكوينات الصخرية الجيولوجية لتكرار او تقديم ملاحظات جديدة، وكذلك يفعل عالم التشريح او المتحجرات في المتاحف، ليؤيد أو ليدحض ملاحظات سابقة قام بها اشخاص آخرون. إذاً، وبشكل واضح، الفرضية التي تقترح حدث سابق فريد من نوعه هي فرضية علمية، طالما أن لها آثار يمكن ملاحظتها في الوقت الحاضر ويمكن التحقق منها بشكل متكرر من قبل أي باحث.

وبالتالي نستطيع أن نستنتج (كما فعل بوبر) أن النظريات التطورية أو الفرضيات التاريخية حول أصل الحياة لا تختلف إطلاقاً عن غيرها من النظريات العلمية بقدر ما تمتلك من الخصائص المنطقية وهي قابلة للإثبات والدحض دائماً كالفرضيات الأخرى التي تتخذ شكل القوانين العامّة أو النظريات.

المصدر:http://ncse.com/cej/6/2/what-did-karl-popper-really-say-evolution