المراهقون أنانيون، متهورون، غير منطقيين ومتعكري المزاج. لكن، هذا ليس أمرا مفاجئا، إذا أخذنا بالاعتبار الجلبة التي تحدث نتيجة عملية البناء المستمرة والمتواصلة داخل أدمغتهم. قد يكون الدماغ مكتمل النمو في سنوات المراهقة، لكن شبكة الروابط بين الخلايا العصبية تظل في حاجة لمزيد من الوقت حتى يكتمل نموها.

 

اعتاد علماء النفس على تفسير السمات غير السارة لمرحلة المراهقة بوصفها نتيجة مباشرة لفوران الهرمونات الجنسية، نظرا لكون حجم دماغ الأطفال يقارب حجم دماغ الأشخاص الراشدين قبل سن البلوغ. لكن، وبفضل التصوير التشخيصي الطبي، أظهرت دراسات حديثة مجموعة من التغيّرات البنيوية التي تحدث في دماغ المراهقين وصولا إلى أوائل العشرينات، والتي يمكن الاعتماد عليها لشرح ما يجري في سنوات المراهقة المضطربة تلك.

 

من بين هذه الدراسات الدراسة التي قام بها جاي جيد (Jay Giedd) وزملاؤه من المعهد الوطني للصحة العقلية ببيثيسدا ماريلاند   (National Institute of Mental Health in Bethesda, Maryland)، والتي تتبعت نمو حوالي 400 طفل عن طريق إجراء مسح دماغي لغالبية المشاركين، وذلك كل سنتين. ما تم التوصل إليه هو أن فترة المراهقة تجلب معها نوعا من “التشذيب” على مستوى المادة الرمادية، إذ يفقد المراهقون ما يقارب 1 في المائة من المادة الرمادية كل عام حتى بداية العشرينات.

 

يزيل هذا “التشذيب” الدماغي الروابط العصبية غير الاعتيادية التي أُنتجت بوفرة أثناء طفرة النمو التي حصلت في مرحلة الطفولة، و ذلك بدءا من المناطق الحسّية والحركية في الدماغ. تنضج هذه المناطق أولا، ثم تتبعها المناطق المسؤولة عن اللغة وتحديد التوجه المكاني، وأخيرا المناطق الدماغية المرتبطة بمعالجة المعلومات والوظائف التنفيذية. قشرة الفص الجبهي الظهرية (the dorsolateral prefrontal cortex) هي من بين آخر المناطق التي يكتمل نضجها، ويرتبط عملها أساسا بالتحكم والسيطرة على الدوافع واتخاذ القرارات. لذلك فتأخر اكتمالها قد يفسّر الكثير من القرارات الطائشة التي يتخذها المراهقون. تعمل هذه المنطقة، أيضا، على ضبط ومراجعة معطيات الحالة العاطفية التي ترسلها اللوزة الدماغية -مركز ردود الأفعال الغريزية التي تتجه إما للهروب أو المقاومة. الأمر الذي قد يعلّل نوبات الغضب الشديدة التي غالبا ما تنتاب المراهقين.

 

بينما يتم فقدان المادة الرمادية، يزداد، في المقابل، حجم المادة البيضاء في الدماغ. حيث تعمل هذه الأخيرة على الإحاطة بالخلايا العصبية، مما يساعد على إطلاق النبضات الكهربائية بشكل أسرع وتمتين الروابط العصبية التي نجت من عملية “التشذيب.” هذه التغييرات لها محاسن ومساوئ على حد سواء، وذلك نظرا لكون الدماغ ما يزال مرنا بشكل كبير في هذه المرحلة، ويتقبّل كل تجربة جديدة و يستوعبها كيفما كانت. من ناحية أخرى، عدم القدرة على التحكم في الانفعالات قد يؤدي إلى تعاطي المخدرات والكحول إضافة إلى التدخين وممارسة الجنس دون وقاية.

 

تعاطي المخدرات ظاهرة تثير الكثير من القلق، حيث أظهرت دراسات معتمدة على التصوير التشخيصي الطبي أن شبكة الدوائر الكهربائية المسؤولة عن التحفيز والمكافأة في دماغ المراهقين تجعلهم مهيئين ظاهريا لأن يقعوا ضحيّة للإدمان. إذا أضفنا إلى هذا خليطا من عدم القدرة على التحكم في الانفعالات، سوء تقدير الأمور، والاستهانة بعواقب أفعالهم على المدى الطويل، فالنتيجة أن المراهق يصير مدمنا بشكل مؤكد. لذلك، فبما أن تعاطي المخدرات والتعرض للأزمات في هذه المرحلة ثبت ارتباطها باضطرابات المزاج في وقت لاحق في الحياة، فإن هذا هو أفضل وقت لتجنب كلاهما.

 

من الناحية الإيجابية، فمع إقبال المراهقين على مرحلة جديدة من حياتهم تتميز بالرشد والاستقلال، تظل أدمغتهم الفتية مفتوحة على عدد من الاحتمالات والإمكانيات التي يمكنهم تحقيقها وبلوغها. لذلك فأفضل وسيلة للاستفادة القصوى من قدرات الدماغ في هذه المرحلة هي أن يوجّه المراهق طاقته نحو التعلّم وتكوين خبرات جديدة، سواء أكان ذلك بقراءة الكتب وتعلم العزف على آلة موسيقية، أو بالسفر حول العالم لاستكشاف مظاهر الحياة المختلفة في أقطاره. مع ذلك، وبصرف النظر عن ما إذا كانوا يقبلون ذلك أم لا، فهم يحتاجون إلى الحماية، من العوامل الخارجية ومن أنفسهم في المقام الأول، ما دامت عملية اتخاذ القرارات قدرة لم يكتمل دماغهم بعد لكي يوفرها.

المصدر

Caroline Williams, “The five ages of the brain”, New Scientist, 4 April 2009

إقرأ ايضاً:

الدماغ في مرحلة الحمل

الدماغ في مرحلة الطفولة