يقول برنارد شو Bernard Shaw: احذرْ العلمَ الزائفَ فهو أخطر من الجهل. فعلى الرّغم من تطور الطبّ، إلّا أنّ علاج الأمراض تعترضُه عقبةٌ كبيرةٌ لا تتمثّل في قصور العلاج أو نقص المعلومات عند المرضى، بل بانتشار المعلومات الخاطئة.
بين صدرك وبطنك بالتحديد يقعُ المكان الذي توجد فيه واحدةٌ من أهم العضلات. من المرجح أنك لم تعرف أنك تملك المعصرة المريئّية السفلية lower esophageal sphincter (اختصاراً: المعصرة LES) والتي حين تعمل بصورةٍ سويةٍ فإنّ هذه الحلقة من النسيج تؤدي دوراً هاماً في مساعدتنا على تناول الطعام، إذ تتجسّد مهمة هذه العضلة بمنع الطعام من الرجوع مرّةً أخّرى إلى الأعلى، إذ تتقلصُ المعصرة المريئية السفلية مُضيّقةً مدخل المعدة ممّا يشكل منطقةً مرتفعة الضغط تمنع الأحماض الهضميّة من التسرّب من المعدة، ولكن إذا استرخت المعصرة المريئية السفلية في التوقيت الخاطئ أو ضعفت تدريجيّاً، فإنّها تصبح كغطاءٍ قاصرٍ أو غير ملائمٍ، ممّا    يسبب انخفاضاً في ضغط تلك المنطقة، وهو الأمر الذي يسمح للحمض -وحتى قطع الطعام -بالارتجاع إلى المريء، وأحياناً قد تصل إلى الفم.

أي عندما يتعطّل عمل هذه العضلة فإنّ ذلك يشكّل السبب الرئيسي في حدوث حرقة المعدة، وهي شعورٌ حارقٌ يترافق مع حموضةٍ وتشنّجٍ في عضلات الصدر، وهو أمرٌ يتعرّضُ له العديد من الأشخاص في مرحلةٍ من مراحل حياتهم.

الحرقة الفؤادية (heart burn)، أو المعروفة عند المرضى باسم الحرقة المعدية، هي إحدى أشيع الحالات التي تصيب الجهاز الهضمي، إذ يعانيها نحو 40% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية.

سنحاول في هذا المقال الاطلاع على أشهر المغالطات المنتشرة بين الناس عن الحرقة الفؤادية، ولن نقف عند هذا الحد بل سنفنّد هذه المغالطات بالطبّ المسند بالدليل. فما هي هذه المغالطات؟

1. الحرقة الفؤادية تؤذي قلبك: غير صحيح

إذا كنتَ تعاني الحرقة الفؤادية، فأنت تعلم أن الشعور بالحرقة يكون في أسفل صدرك. ولكن، على الرغم مما يُطْلَقُ عليه والمكان الذي يؤلمك، فإن الألم لا علاقةَ له بقلبك. تحدثُ الحرقة الفؤادية حين لا تنغلق العضلة في نهاية المريء انغلاقاً صحيحاً، إذ يزحفُ حمض المعدة إلى هذا الأنبوب، مما يسبب تهيجاً.

إلى جانب الانزعاج، قد يكون لديك أيضاً طعمٌ مرٌ أو حامضٌ في فمك وحلقك. يمكن أن تستمرَ الأعراض من بضع دقائق إلى بضع ساعات.

اتصل بطبيبك إذا عانيت ألماً في الصدر غير مبررٍ اختفى في غضون ساعات قليلة. يمكن أن تسبب كل من حرقة الفؤاد والنوبة القلبية متزايدة الشدة أعراضاً تهدأ بعد فترة. لا يجب أن تنتظر حتى يشتدَ الألم لفترةٍ طويلةٍ كي تطلب استشارة الطبيب.

2. يمكن أن يساعد مضغ العلكة في التخفيف من الشعور بحرقة الفؤاد: صحيح.

عندما تمضغ العلكة، فإن فمك يصنع المزيد من اللعاب. فهو بمثابة عازلٍ للحمض. كما أنك تبتلع المزيد حين تمضغ العلكة، وهذا يدفع الحمض إلى الأسفل.

3. يمكن أن يساعد التدخين على التخفيف من الشعور بحرقة الفؤاد: غير صحيح

التدخين يشكّل عامل خطورةٍ، لأنّ النيكوتين الموجود في السجائر يسبب استرخاء المعصرة المريئية السفلية ويمكن أن يجعل الأمور أسوأ، لأنّه يقلّل اللعاب ويزيد من حموضة المعدة. كما أنّ شرب كميّاتٍ كبيرةٍ من الكحول قد يكون لها تأثير مشابه

4. يمكن أن يؤدي استخدام الكثير من الوسائد أثناء النوم إلى التخفيف من حرقة الفؤاد: غير صحيح

إذا كانت حرقة المعدة أسوأ حين الاستلقاء، فحاول رفع رأس السرير ليكون رأسك وصدرك أعلى من قدميك. لكن لا تفعل ذلك باستخدام الوسائد. لأنّه من الممكن أن يضع ذلك رأسك في زاوية يمكن أن تزيد الضغط على معدتك، مما يزيد الأمور سوءاً. بدلاً من ذلك، حاول وضع مكعباتٍ بحجم ست بوصاتٍ أسفل دعامات السرير الموافقة لمكان رأسك.

يمكن أن يساعدك النوم على جانبك الأيسر أيضاً. تشير الدراسات إلى أن الاستلقاء على جانبك الأيمن يمكن أن يجعل حرقة المعدة أسوأ. يبدو أن الوضع الأيسر يضغط ضغطاً أقل على العضلات التي تربط المعدة بالمريء.

5. إذا كنت تعاني زيادة الوزن، فإن أفضل طريقة لوقف حرقة الفؤاد هي خسارة بعض الكيلوغرامات: صحيح

قد تسببُ البدانة حدوث الفتوق التي تُعَطِلُ عمل الحاجز الذي يقي من القلس في الوصل المعدي المريئي، والتي تقي بطبيعتها من وقوع حرقة المعدة.

خسارة الوزن أهم من تغيير الطعام. الضغط على معدتك بسبب الوزن الزائد يمكن أن يسمح للحمض بالوصول إلى المريء. وجدتْ دراسةٌ راجع فيها أطباء في جامعة ستانفورد (Stanford University) أكثر من 2,000 دراسةٍ حول حرقة المعدة عدمَ وجود دليلٍ على أن التخلي عن الأطعمة يجعل الأمر أفضل. لكن خسارة بضعة كيلوغرامات يساعد حقاً. وعلى الرغم من ذلك، إذا كنت تعلم أن شيئاً ما يسبب لك الحموضة، فلا تأكله أو تشربه.

6. من المرجح أن تصاب بالحموضة إذ أفرطتْ في تناول الطعام، أو ارتديت سراويل ضيّقة: صحيح.

أنت تعرّضُ نفسك لحرقة الفؤاد إذا أفرطت في تناول الطعام، وكذلك الاستلقاء بعد الأكل يزيد الأمر سوءاً. يمكن أيضاً أن تضغط الملابس الخارجية الضيقة، والحزام الضيّق، ومشدّات الجسم على بطنك، لذلك إذا كنت قلقاً بشأن ذلك، ارتدِ ملابس فضفاضةً ومريحةً.

7. هل من المحتمل أن تسبب التمارين الرياضيّة حرقة المعدة؟ نعم!

يمكن أن تؤدي تمارين المعدة، ورفع الساقين، والطحن -وهو أحد أكثر تمارين البطن شهرةً، وفيه تُحرّكُ العضلة المستقيمة البطنية بالدرجة الأولى وتُحرَكُ عضلات الخصر -التي تضغط على معدتك، إلى حرقة المعدة. لكن لا تستخدم ذلك كعذرٍ للتهرب من التمارين الرياضية. فهناك الكثير من التمارين التي يمكنك القيام بها.

8. كم من الوقت يجب أن تنتظر بين العشاء والذهاب للنوم؟

الإجابة الصحيحة: من 3 إلى 4 ساعات. ليس من الجيد أبداً الذهاب إلى الفراش بمعدةٍ ممتلئة. كلّما زاد الوقت بين العشاء والذهاب إلى السرير، منحَ هذا الأمرُ حمضَ المعدة وقتاً أطول ليهدأ.

9. جميع الأدوية تؤدي إلى حرقة الفؤاد: غير صحيح

العديد من الأدوية التي تستخدم لعلاج الربو، أو ارتفاع الضغط الشرياني (Systolic hypertension)، أو أدوية منع الحمل (Contraceptive pill)، أو الاكتئاب (Depression) قد يكون ذات تأثيراتٍ جانبيّة على المعصّرة المريئية السفلية.

لحسن الحظ، فإن حرقة المعدة هي حالةٌ يمكن علاجها عادةً بمجموعةٍ من الأدوية التي يمكن أن تساعد على تحييد، أو تقليل إفراز الحمض المعدي.

في الحالات الشديدة، يخضع المرضى لعملٍ جراحي لتضييق المعصرة المريئية السفلية وذلك لتخفيف حالة القلس، ولكن بإمكاننا عادةً إيقاف حرقة المعدة قبل الوصول إلى هذه الحالة.

إنّ تقليل استهلاك بعض الأطعمة، وتجنّب التدخين، والحفاظ على وزنٍ طبيعي بإمكانه تخفيض القلس تخفيضاً كبيراً.

بقليلٍ من العناية، بإمكاننا أن نساعد المعصرة المريئية السفلية على الحفاظ على العُصارة المعديّة الكيميائية بالصورة الطبيعية السوية، وتجنّب الشعور بحرقة المعدة.

لا تسرع في تناول وجباتك، ولا تأكل كثيراً حتى الشعور بالامتلاء. حاول تناول أربع أو خمس وجباتٍ صغيرةٍ بدلاً من ثلاثٍ كبيراتٍ.

10. ماذا يمكنك أن تفعل إذا ساءت حرقة المعدة بعد التمرين؟

الإجابة الصحيحة: اشرب المزيد من الماء

يساعد الماء على الهضم. إذا كانت حرقة المعدة أسوأ بعد الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، أو العودة من الركض، فحاول شرب المزيد قبل التمرين وخلاله.

11-هل يمكن أن يكون لديك داء القلس المعدي المريئي Gastroesophageal reflux disease  (اختصاراً: ارتجاع GERD)، دون الشعور بالحرقة الفؤاديّة؟

صحيح!

عندما تصبح أعراض الحرقة أكثر انتظاماً وشدّةً، كأن تحدث مرتين في الأسبوع أو أكثر من ذلك، فإنّ هذه الحالة تُشَخِصُ داء القلس المعدي المريئي.

فإذا كنت تعاني الحرقة الفؤادية أكثر من مرتين في الأسبوع، فقد يكون لديك الارتجاع GERD. الحرقة الفؤادية هي أحد أعراض الارتجاع GERD ولكن ليس دائماً. البحّة في الصوت، والسعال الجاف، وصعوبة البلع، وأعراض الربو هي أيضاً من علامات الارتجاع GERD.

 

تحدثْ إلى طبيبك إذا كنت تعتقد أنك قد تكون مصاباً بهذه الحالة ولا تحاول علاج نفسك بنفسك أو أن تبحث عن العلاج على صفحات الانترنت.

لكن لا تكن خائفاّ، لأنّه بالرّغم من انتشار هذه المرض بين شريحة كبيرة من النَاس إلّا أنّه يمكن أن تساعد التغييرات في النظام الغذائي ونمط الحياة والأدوية والعلاجات الأخرى على تجاوز هذا الأمر..

المصادر:

  1. Markus MacGill, “Heartburn: Why it happens and what to do”, MedicalNewsDaily , March 31, 2021 
  2. Khatri, MD, Heartburn: myths and facts quiz, on July 11, 2019