التعاون والعقاب لدى الشمبانزيدراسة تضع الفكرة القائلة بأن أبناء عمومتنا الأقربون لايحبون العمل الجماعي موضع السؤال. بالرغم من حبنا لمواقف الشمبانزیات اللعوبة وحركاتها المضحكة فالسمعة المتداولة عن ابناء عمومتنا الرئيسيات أنها تنافسية، وقحة وأحيانا عدائية.

نشرت دراسة حديثة في المجلة الدورية للأكاديمية الوطنية للعلوم مفادها أن الشمبانزیات تكون عنيفة في بعض المناسبات إلا إنها تفضل والى حد بعيد التعاون والمنافسة. وقد أظهرت هذه الدراسة أن قردة الشمبانزي تتعاون كتعاون البشر وأنها إذا تصرفت بعنف فإن هذا غالبا ما يكون تجاه الفرد الغير متعاون.

أجرى الباحثون تجربة على ١١شمبانزي يعيشون في حضيرة خارجية في مركز يركس (Yerkes) القومي للأبحاث على الرئيسيات في جامعة إيموري (Université Emory) في أتلانتا، بغية تقييم درجة تعاونها، وكانت عبارة عن التجربة التي يتعاون فيها اثنين من قردة الشمبانزي أو أكثر بهدف الوصول إلى مكافأة على شكل غذاء، في البداية كون اثنان من الشمبانزي فريقاً : يرفع أحدهم حاجزا فيما يجذب الآخر إليه طبقا يحوي على بعض الفاكهة. ما إن يتم التعاون بين الفردين حتى تتم إضافة حاجز ثالث فأصبح اقحام شمبانزي ثالث أمر ضروري للحصول على المكافأة.

علما بأنه كان أمام القردة مئات الساعات للحصول على المكافأة على مرأى من القردة الأخرى، كانت هناك فرصة عظيمة لتحدث حالة منافسة. ويعرف الباحثون المنافسة على أنها سلسلة من الاعتداءات الجسدية، مضايقة فرد ما لإبعاده عن المكافأة أو حتى سرقة المكافأة التي حصل عليها الآخرون.

بالرغم من أن الدراسة لم تهتم إلا بعدد محدود من الأفراد إلا أن النتائج كانت مثيرة .

أثناء إجراء تجربة مدتها 94 ساعة، تعاونت قردة الشمبانزي في الاف المناسبات بينما تنافست أقل بخمس مرات.

هذا بالإضافة لاستخدامهم مجموعة من الاستراتيجيات لمعاقبة السلوك التنافسي، كالعمل مع زملائهم الأكثر تسامحا واجتماعية.

تحدث الاعتداءات عموما بهدف السيطرة على الأفراد المتنافسين، أو لمعاقبة السرقة التي لربما هي الإهانة الأعظم لـ “ميثاق الشرف” بين قردة الشمبانزي. لم تتلق محاولات السرقة من طرف أولئك الذين لم يشتركوا في العمل الجماعي استحسانا من قبل باقي الأفراد. كما رصد الباحثون 14 حالة يتدخل فيها شمبانزي اخر- أحد المتنفذين – لمعاقبة اللصوص. “غالبا ما نقرأ أن التعاون الإنساني فريد من نوعه” كما بين ذلك فرانز دو وال (frans de waal) عالم في القردة العليا في يركس وأحد المشاركين في هذه الدراسة. “دراستنا هي أولى الدراسات التي بينت أن أبناء عمومتنا الأكثر قربا يعرفون تماما كيفية ردع التنافس والسرقة.” وتظهر العديد من الأنواع الأخرى في سلوكها التعاون كما تنسيق النمل عند بناء مستعمراتهم الضخمة على سبيل المثال. ولكن ما لاحظه الباحثون لدى الشمبانزي كان أكثر إثارة للإعجاب ، ووفقا لماليني سوشاك (Malini Suchak) عالم النفس في كلية كانيسيوس (Canisius) في بوفالو والمؤلفة الرئيسية للدراسة: “بالرغم من أن التعاون واسع الانتشار ضمن جميع أصناف الحيوانات كالتعاون عند النمل على سبيل المثال كما في الكثير من الأنواع الأخرى يوجه غالبا إلى القرابة ويكون مبرمجا مسبقا.

توصلت دراستنا إلى أن قردة الشمبانزي تؤمن فعلا بالتعاون وتتخذ القرارات التي من شأنها أن تزيد من التعاون أو تقلل من التنافس بحسم”. “ومن وجهة نظر معرفية فإن ما قاموا به أثناء تجربتنا هو أكثر قربا إلى مايقوم به البشر مما يقوم به النمل أثناء التعاون .”

لاحظ مايكل توماسيلو (Michal Tomasello) من معهد ماكس بلانك (Max Plank) لعلم الإنسان التطوري والرائد في هذا المجال البحثي ولكنه لم يكن ضمن المشاركين في هذه الدراسة أنه بالرغم من صغر حجم العينة فإن هذه الدراسة الحديثة محدودة لعوامل أخرى. وقد بينت أعمال مايكل توماسيلو فعلا أنه عندما تتاح لقردة الشمبانزي الفرصة للعمل أو التصرف بمفردها للحصول على الغذاء فإنها تفضل التصرف وحدها وهذه سمة يمتاز بها الإنسان. كانت القردة في دراسة ماليني سوشاك حرة بالذهاب والمجيء في حظيرتها والحصول على غذائها المعتاد ولكن وفقا لمايكل توماسيلو فإنهم في البرية اختاروا البحث لوحدهم بدلا من التعاون.

مع ذلك تظهر نتائج هذه الأعمال أن القرود قد تكون أكثر قربا لنا مما كنا نعتقد. في الأعمال المنشورة عام 2014 أظهر ميلان سوشاك و فرانز دو وال وزملائهم أن الشمبانزيات التي تتعايش معا في محيط غني ومعقد اجتماعيا تتوحد قواهم بشكل عفوي. وأظهرت دراسة أخرى أنه كما في الأنسان تصبح القردة أكثر انتقائية بتقدم العمر مفضلين قضاء وقتهم مع “أصدقائهم” بدلا من القرود الأخرى.

لسوء الحظ، تتقاسم القردة الكبيرة معنا سمات أخرى أكثر إثارة للقلق، ففي البرية غالبا ما تتحد قردة الشمبانزي للتشاجر ضد مجموعات أخرى. كما أظهرت دراسة ميدانية أجراها جون ميتاني (John Mitan ) في أوغندا وهو عالم الأنثروبولوجيا في جامعة ميشيغان أن كل عدة أسابيع يجتمع ذكور مجموعة محددة من الشمبانزي لاستكشاف المناطق المجاورة. وان لم يكونوا أقل عددا يقوموا بمحاولة للاستيلاء على أراض جديدة.

الشمبانزيات المتعاونة، القرود الغاضبة الهرمة، الصراعات واسعة النطاق نرى فيها أكثر وأكثر انعكاسنا عند مراقبة أبناء عمومتنا القردة. كما لاحظ ماليني سوشاك أن هذا الاكتشاف الجديد يعني أن أصل سلوكنا التعاوني الذي تجذر في تطور التسامح، الثقة وأحيانا عقاب العنف المنظم يمكن أن يرجع إلى مدة أبعد مما نتوقع .

اتصفت الشمبانزيات في الماضي بأنها كائنات عدوانية ومنافسة مما قادنا إلى الاعتقاد بأن السلوك التعاوني لدى البشر قد ظهر مؤخرا مختلفا عن ما لوحظ لدى الانواع الاخرى. “اكتشافنا يذكرنا بأن الأنسان في الواقع حيوان بعد كل شيء “.

تدقيق: Wided Zribi

المصدر

Bret Stetka, “Les chimpanzés aussi récompensent la coopération et punissent le vol“, pourlascience.fr, 18/09/2016 translated at 21/11/2016