من اللقاء مع سبينسر كيلي النص الكامل للقاء بالعربية منشور في العدد 55 من مجلة العلوم الحقيقية

بالحديث الأماكن المتعددة القوميات وتجربة الكلمات المحملة بالمشاعر التي أجريت على الأتراك المتحدثين بالانجليزية والبريطانيين التي ذكرتموها في الكتاب. هل يمكن أن نهرب من مكان وزمان لم نحبهما إلى لغة جديدة؟

هذه احدى التجارب المفضلة بالنسبة لي وقد قام بها كالدويل هاريس وزملائه[1]. حين تستمع لكلمات محملة بالمشاعر مثل “عمل سيء”، “قمت بعمل سيء” أو “توقف عن ذلك” [الكلمات تذكر بالانجليزية ووقعها يختلف عن الترجمة العربية بالتأكيد مثل stop it] أشياء يمكن أن تعطي صدى شعورياً قوياً حين يستمع لها طفل بلغته الأم تبدو محملة بالمشاعر بشكل أقل إذا ما تم الاستماع لها بلغة ثانية. يقود هذا بعض الأشخاص إلى الرأي بأن الحديث بلغة ثانية هو وسيلة لإبعاد أنفسنا عاطفياً عن المحتوى. إحدى الآليات لذلك هي آلية بسيطة، وهي أن الأشخاص الذين نشأوا وهم يتحدثون التركية فإنهم تعرضوا لهذا التوبيخ باللغة التركية ضمن عوائلهم. لذا فإن لديهم ذكريات حول ذلك التوبيخ في حياتهم العائلية. أما حين تعلموا الإنجليزية في وقت لاحق من الحياة، في الصف مثلاً، وبيئة الصف محملة عاطفياً بشكل أقل، وأكثر أكاديمية حيث تجلس هناك وتتعلم بينما هناك مدرس وليس هناك توبيخ في درس اللغة، سيكون لديك حينها سياق تعلم محايد للغة الثانية. لهذا السبب فإن هذا التأثير قد يحدث.

نتائج ذلك مذهلة، بغض النظر عن الآلية التي تجعل تجربة ما بعيدة عاطفياً فإن النتائج كما يرى البعض قد تصل إلى أن التفكير يمكن أن يحدث بشكل عقلاني أكثر حين تتكلم بلغتك الثانية. يمكن أن تزيح الاندفاعات العاطفية وأن تفكر بالمشاكل بوضوح معتدل.

لا أذكر إن تكلمت عن تجربة القاطرة، حيث أن هناك اشخاص أكثر يألفون هذه الفكرة بأن هناك قاطرة تمشي وهناك أشخاص مربوطون على سكة القاطرة في مسارين، في أحدهما هناك شخص واحد وفي الآخر هناك أربعة أشخاص، فإذا سحبت العتلة يمكن أن تختار لتجعل العربة تمضي لتقتل الشخص الواحد أم الأربعة أشخاص.

والخيار المنطقي هنا هو أن يختار المشارك في التجربة أن يقتل شخصاً واحداً بدلاً من أربعة.

نعم بالضبط، إنه خيار منطقي، ويعرف ذلك بالخيار النفعي، وإذا سألت الذكاء الاصطناعي فإن الإجابة ستكون بسيطة جداً: “بالطبع عليك سحب العتلة، حيث ستقتل شخصاً واحداً”، غير أن البشر لديهم مشكلة حقيقية ووقت صعب يقضونه وهم يفكرون في سحب العتلة. لكن بشكل عام فإن الأشخاص يميلون إلى إتخاذ هذا القرار المنطقي أكثر بلغتهم الثانية، يميلون للتصرف أكثر كحاسوب والقول “نعم سأسحب ذلك”. ما نعتقده حول هذا هو أن اللغة الثانية تسمح لك بالإبحار في الأفكار مع شحن عاطفي أقل.

سأذكر قصة هنا حول زوجتي التي تقوم بتدريس اللغة اليابانية في جامعة كولجيت. تجري زوجتي مسابقة خطابة حيث يشارك المتحدثون باللغة الإنجليزية والمتحدثون بسائر اللغات ممن يدرسون في كولجيت، والمسابقة تتضمن إلقاء الخطابة باللغة اليابانية، وقد كان هناك طالب أمريكي أراد أن يعطي خطاباً عن شيء ما خلال مدرسته الثانوية وهو أن عائلته خسرت مالها وكان عليهم العيش في السيارة بإحدى الحدائق العامة لمدة سنة كاملة، وقد انتقل إلى السنة الأخيرة في الدراسة الثانوية وهو يعيش في السيارة. وبالطبع، يمكنك تصور ذلك، كان يخجل من ذلك وكان الأمر صادماً بالنسبة له. لقد قرر هذا الشخص أن يعطي خطاباً عن هذا الموضوع باللغة اليابانية. والسبب في قدرته على ذلك هو أنه أخبر زوجتي للمرة الأولى عن الأمر حين فكر فيه باليابانية وقال أنه لم يكن قادراً على مشاركة هذا الموضوع مع أحد قبل ذلك، وقد فاز ذلك الطالب بالجائزة الكبرى في المسابقة. لقد كان خطاباً جميلاً وبعد ذلك كان ذلك الشخص قادراً على الحديث عن وقته الصعب ذاك طيلة حياته. أعتقد أن هذا مثال رائع على ما يمكن أن تفعله إذا ما كانت لديك لغة ثانية لتبحر من خلالها في تعقيدات الحياة. بعض المعالجين يحاولون حتى أن يساعدوا مرضاهم الذين يتكلمون عدة لغات عبر التكلم معهم بتلك اللغات وليس بلغتهم الأم حتى يروا الأشياء من منظور مختلف. إذن، أعتقد أن هناك الكثير ليتم اكتشافه حول المشاعر في اللغة الثانية.

لقد جربت هذا مع الاسبانية، حيث لا أخجل من الحديث عن نفس الموضوع الذي قد أخجل من الحديث عنه بالعربية والانجليزية.

حقاً، ها قد جربته بنفسك.

نعم ويمكنني أيضاً قول ما لا أستطيع قوله بلغتي الأم.

هذا مثير للاهتمام، وهو مثال على ما يمكن للبعض التجاوب معه، هناك ثلاثة كلمات في الإنجليزية ليست يصعب على اليافعين قولها إذا كانوا يواعدون شخصاً، مثلاً قول “أنا احبك” يعد أمراً كبيراً، خصوصاً في ثقافتي، لكنني سمعت قصصاً حيث تقال العبارة باللغة الثانية إذا ما كانا يتكلمان لغة ثانية لجعلها تخرج في بيئة أكثر أمناً. أعتقد أن هذا مثال مما اختبره بعض مستمعيكم أيضاً.

أظن أن هناك مثال على موضوع مثير للاهتمام جداً – رغم رغبتي بالانتقال في الحوار لموضوع آخر – لكن الكثير من العرب يستطيعون قول كلمة “جنس” باللغة العربية الفصحى والتي تكاد تكون لغة أخرى لكنها قريبة من اللهجات العربية مع ذلك، غير أنهم لا يستطيعون قول الكلمة في اللهجات المحلية، ليس فقط لأنها مشحونة عاطفياً بل لأنها أمر لا يمكنك قوله في العادة (معيب).

هذا مثير للاهتمام، فعلاً هناك بعض الكلمات التي لا يمكن قولها باللغة المحلية في مكان عام. هناك كلمات لا يمكنني قولها بالانجليزية خصوصاً في بعض الاختلافات باللهجات والتي يبدو أنها أمر عالمي.

[1] Ayçiçegi-Dinn, Ayse, and Catherine L. Caldwell-Harris. “Emotion-memory effects in bilingual speakers: A levels-of-processing approach.” Bilingualism: Language and Cognition 12.3 (2009): 291-303.

 

من اللقاء ذاته اقرأ أيضاً:

لغز التأتأة وقراءة القرآن

اللغة في المهد

اللغة وإرث الأسلاف: حول الوراثة واللغة ووراثة الصفات النفسية

الذهان: اللغة وسرديتها حول العالم