بقلم: هارييت هول..  ترجمة: سيف محمود علي

عندما بدأت بالنظر لأول مرة في ممارسة العلاج اليدوي، شاهدت عروض للتعليم الطبي المستمر، يهدف التعليم الطبي المستمر المقدم للأطباء الى تطوير المعرفة لغاية تقديم أفضل طرق علاجية للمرضى، أما منهج التعليم المستمر في المعالجة اليدوية (chiropractic) فهو لا يزود المعالجين اليدويين بمعرفة جديدة، لأنه لا توجد أي دراسات جديدة في المعالجة اليدوية، ولا تخبرنا هذه المناهج أي التقنيات أفضل من الأخرى في ممارسة المعالجة اليدوية، ولا تهتم لذلك، لأن غاية هذه المناهج هي عرض نصائح لتطبيق طرق العمل للمبتدئين في سبيل بناء المهنة. 

اقرأ: تقويم العظام هل هو علم حقيقي ام زائف؟

الغارديان وعباد المعالجة اليدوية

هل تنفع ممارسات سحب الظهر والمعالجة اليدوية؟

لقد كنت مفتونة بتلك النصائح لأجل بناء مهنة ممارسة طب الأطفال، فالمعالجون اليدويون تعلموا أن يحطموا ثقة الأهل بطبيب أطفالهم، حيث يتميز المعالج اليدوي بامتلاكه لمهارات تمثيلية جيدة، فعندما يفحص المعالج اليدوي الطفل يمثل الهلع كأنه اكتشف مشكلة حقيقية أثناء الفحص، ثم يسأل الأم من أي ثدي ترضعه، ومهما كانت إجابة الام فإنه سيأخذ الجواب ليتوافق مع نتيجة الفحص (بالطبع، سيبدو رده على أي جواب؛ مناسب، لأنه لم يجد شيئاً في التشخيص)، ثم يسأل المعالج الأم: “هل سألك طبيب طفلك هكذا سؤال من قبل؟” بالطبع لم يسأل، لأنه لا يوجد سبب لسؤال كهذا، مثلما لا يوجد داع لسؤال مثل: ” هل يفضل طفلك أكل القرنبيط ام البروكلي؟”  أسئلة كهذه تجعل الأهل يظنون أن المعالج اليدوي له من المعرفة والعلم ما لا يعلمه طبيب الأطفال، ومن المثير للسخرية أن هذه الأسئلة متعمدة لإثارة حفيظة ضد الطبيب وجعلهم يحوّلون الطفل من عناية الطبيب الى عناية المُعالج. 

لدى بعض أولئك المعالجين ما يعرف بـ ” التخصص في الطب الوظيفي” وهؤلاء يطلبون العديد من التحاليل غير القياسية، ولقد اطلعت في احدى المرات عن تقرير طبي لمريضة مصابة بسرطان الثدي قد طُلب منها إجراء 154 تحليلا ومن ضمنها: فحص الاحماض الدهنية المتعفنة ذات السلسلة المنفردة، تحاليل الادرار النموذجي المعياري، تحليل انزيم الالستيز البنكرياسي، تحليل حمض اللجنوسريك، عندما يطلب المعالج هذه التحاليل سيجعل المريض يفقد ثقته في طبيبه، وسيتساءل المريض، لماذا لم يطلب مني طبيبي هذه التحاليل؟  وجواباً على هذا السؤال: فإنه لا يوجد أي سبب يستدعي طلب هذه التحاليل، ولا يعرفها الطبيب وفي حالة ظهور نتائج غير طبيعية لهذه التحاليل، أو أن النتائج تتطلب أي اجراء. وكذلك لا يعرفها “أخصائي الطب الوظيفي” لكنه سيرقص فرحاً لافتعاله أمور لا أساس لها من الصحة، ثم سوف يعالج المريض بقائمة تشمل؛ المكملات الغذائية، والحميات الخاصة، والقيام بتمارين رياضية مثل قيادة الدراجات الهوائية واليوغا، وضع برنامج للنوم، وغيرها من النصائح على هذه الشاكلة.

التحاليل الوراثية

من بواكير التحريات التي اجريتها حول بعض الممارسات الطبية المريبة، تعاونت مع ستيفن بارييت في مقال نُشر على موقع: Quackwatch، وكان التحري حول التحاليل الجينية المشبوهة، حيث نظرنا في عمل بضع منظمات تقدم نصائح حول الأساليب الغذائية اليومية مستندةً الى الجينوم الشخصي، وكان الاستنتاج:” إن استخدام التحاليل الجينية لتحديد عوامل الخطورة المزعومة لم تُثبت أي نتائج صحيحة، وهي ببساطة مَضيعة للمال”. 

واقتبسنا قولاً من خبير بريطاني في الوراثيات:” إن علمية ربط جيناتك بإسلوبك الغذائي يشبه علمية ربط غذائك ببرجك الفلكي”. 

ملحق مُحدث للمقال الذي نُشر عام 2008:

  1. أجرى مكتب محاسبة الحكومة الأميركية (GAO)  تحقيقاً سرياً أكتشف خلال التحقيق شراء معدات تحاليل جينية من 4 مواقع الكترونية، وجمع 12 عينة وراثية DNA من انثى تبلغ من العمر 9 أشهر، وعينتين من ذكر يبلغ 48 سنة. أثبت التحقيق أن تلك الشركات قد زودت اوصافاً مزيفة للأشخاص التي تدعي أنهم زودوها بعينات وراثية، كما اكتشف التحقيق أن تلك الشركات أعطت نصائح متناقضة (بخصوص الغذاء)؛ لأشخاص يحملون نتائج متطابقة، بناءاً على توقعات: “غير مُثبتة طبياً، ومُبهمة، ومليئة بتفاصيل لا تعني شيء للزبون”.
  2. كانت نتيجة إستطلاع شامل أجري عام 2006 حول المواقع الالكترونية التي تُروج للخدمات الغذائية الجينية:” إن تلك المنظمات لم تزود أي معلومات صالحة عن الخدمات التي تقدمها، ولا عن التحاليل الوراثية التي تُجرى في المنزل”.
  3. زَعم موقع GeneWatch UK أن (العلامات الوراثية الفلكية genetic horoscopes) هي خرافة خطيرة لأنها: خُطة سيئة للصحة الشخصية؛ تروًج للخوف، وتقوّض الصحة العامة، تؤدي الى خلق طبقة فقيرة وراثياً؛ تؤدي الى التقليل من الحريات المدنية؛ تحويل الحياة الى علامة تجارية، و هدر الموارد وإضمحلال الثقة. 

آسف للقول بأن التحاليل المنحرفة عن المجال العلمي لا زالت تُقدم للناس، مثل الإعلانات التي يُقدمها موقع  GenoPalate والتي تتضمن عرض بإجراء تحاليل للمادة الوراثية (DNA)، ثم تُزوّد بخطة غذائية تسمح لك بأن تأكل اكلاً مطابقاً لمورثاتك”، ولكن الحقيقة تقول إن فحص المادة الوراثية لا يوفر لك معلومات تُمكنك من وضع خطة غذائية صحية شخصية، وأي شركة تقول لك عكس ذلك، فهي شركة لا تهتم بصحتك بل بأموالك. 

ثم أتت شركة (ثيرانوس)، ارتكبت اليزابيث هولمز احتيالاً جعلها تكون أصغر انثى عصامية في العالم تملك مليار دولار، كان من المفترض أن يقوم الجهاز الذي اخترعته بأكثر من 200 تحليلاً دقيقاً للدم في دقيقة واحدة ومن وخزة إبرة واحدة [يشبه جهاز فحص نسبة السكر بالدم]، ألا أن هذا الامر غير ممكن. سقوط إليزابيث كان مدويّاً، ألهم الكُتاب أن يؤلفوا كتباً، وفقرات إذاعية، وافلام سينمائية، تم التحقيق معها في المحكمة الفدرالية التي وجدتها مذنبة بـ 4 تُهم احتيالية، وخرجت مؤخراً بكفالة تبلغ 500 ألف دولار، ويُنتظر الحكم عليها في سبتمبر القادم ومن المتوقع أن تصل عقوبتها الى السجن لمدة 20 سنة. 

انتشرت التحاليل المنزلية في كل مكان مؤخراً، حيث يساعد تحليل The SmartJane، النساء على تقييم الحالة الصحية للمهبل، يتم ذلك بإرسال مسحة مهبلية للشركة التي تقوم بإرسال تقرير النتائج والذي يتكون من 55 مكوِن ميكروبي مهبلي، لا توجد سوى دراسة واحدة فشل فيها هذا التحليل بأن يكون ذا فائدة سريرية. 

أصبحت الإعلانات التي تروج لشركة EverlyWell مصدر إزعاج لي مؤخراً، والتي تتكرر على التلفاز، حيث تظهر امرأة شابة وجميلة وهي تُرسل العينة بكل سهولة وتفاؤل، ثم تظهر النتائج بكل ثقة على انها حددت الحساسيات الغذائية التي تعانيها، لذلك لن تُجري اختبار اقصاء لغذاء معين. للأسف أن هذه الثقة في غير محلها، لأن هذا التحليل يقيس الجسم المضاد (IgG)، ولا يُعتبر هذا الجسم المضاد دليلاً صالحاً للتحري عن حساسية الطعام، ولم يثبت ذلك مطلقاً، كما تدعو الاكاديمية الامريكية للحساسية والربو والمناعة الى اعتبار هذا التحليل على أنه خرافة، كما أقامت منظمة The Choosing Wisely حملة ضد استخدام التحاليل المستندة على الجسم المضاد (IgG) للاستدلال عن وجود الحساسية. 

ولأجل المزيد من حصد الأموال، تمت إضافة تحليل خاص باللُعاب، لخمسة جينات يُظن أنها تؤثر في العمليات الأيضية، وامتصاص نوع معين من الأغذية، هذا التحليل أيضا غير موثوق وغير مُعتمد.

تعرض شركة EverlyWell حوالي 34 تحليلاً منزلياً، من ضمنها: تحليل صحة القلب، تحليل حليب الصدر، تحليل النوم والتوتر، تحليل المعادن الثقيلة، تحليل الامراض الجنسية المتنقلة للذكور، تحاليل الغدة الدرقية، وحتى تحليل الكشف عن فيروس كوفيد-19، لماذا تُباع هذه التحاليل؟ لأنها مطلوبة كتحاليل كاشفة من قِبل الجميع، تكمن المشكلة عند فحص كمية مجموعة كبيرة من العينات سيكون عدد النتائج الموجبة الزائفة لهذه التحاليل المنزلية أعلى من عدد النتائج الموجبة الحقيقية؛ إلا إذا مستوى انتشار الوباء عالياً، مما يجعل هذه التحاليل لا تفيد في الفحوصات الكشفية التشخيصية، هذه التحاليل غير موثّقة للاستهلاك العام، بعض هذه التحاليل مفيدة لمن لديهم الاعراض، ولكن من الأفضل للمرضى أن تُجرى لهم تحاليل بطلب من الطبيب المتابع للحالة. 

فحص الجسم كاملاً بالمفراس

كان من الشائع أن نرى في مطلع الالفية إعلانات تدعو الى اجراء تصوير الاشعة المقطعية لكامل الجسم (المفراس)، في مراكز متخصصة، كان العرض التجاري من تلك المراكز أن يقوموا بإجراء فحص كامل للجسم لمعرفة الخلل والعلل الموجودة، تبدو كفكرة جيدة، لكنها ليست كذلك، بل بالعكس؛ إنها فكرة سيئة جداً، خصوصاً للأصحاء، فإن اجراء التصوير المقطعي يكون غير مفيد، سوى انه يتسبب في تعريض الجسم الصحيح الى مستوى عالي وخطر من الاشعاع، حيث تتسبب هذه التعرضات بحالة تسمى “الورم العرضي” وهي تشوهات او انحرافات صغيرة لا تشكل خطورة على المرضى، غرق الأطباء؛ في تلك الفترة؛ بالمرضى القلقين الجالبين نتائج فحوصات المفراس، مطالبين اطبائهم بالشروع بحثاً عن السراب، إما شرح النتيجة او الغائها بطلب تحاليل وفحوصات إضافية او إجراء عمليات جراحية مكلفة، وهذه العمليات غير موصى بإجرائها، وقد تهدد الحياة.

في عام 2017 أصدرت إدارة الغذاء والدواء الامريكية تحذيراً من إجراء فحص المفراس العشوائي، ولحسن الحظ انتهت هذه الموضة. 

فحص السونار العشوائي

لطالما وفرت الشركات عروضاً لإجراء فحص بالموجات فوق الصوتية (السونار) للعامة، حيث تدعي احدى تلك الشركات أنها قامت بإجراء فحوص بالسونار لـ 9 مليون مريض، خلال 25 عام، وكانت هذه الفحوصات تستكشف احتمالية حدوث السكتة الدماغية، والامراض القلبية الوعائية، وامراض مزمنة أخرى، فإذا كانت النتيجة طبيعية سيوفر الفحص راحة نفسياً لطالب الفحص، أما إذا كانت النتيجة غير طبيعية فالفحص والتحديد المبكر للمشكلة سوف يساعد على منعها، كما أن الدعايات الترويجية لهذه الشركات تقتبس نصاً من رابطة أمراض القلب الامريكية:” يمكن منع 80% من السكتات الدماغية والامراض القلبية”. تُكلف حزمة الفحص بالسونار 159 دولار وتتضمن فحص انسداد الشريان السباتي، وتمدد الشريان الاورطي البطني، فحص كثافة عظم قصبة الساق لتقييم مدى هشاشته، بالإضافة الى السونار يتم فحص ضغط الدم بالأطراف لتحديد المرض في الشرايين المحيطية، وفحص تخطيط كهربية القلب لتحديد تليّف الشرايين. يدعي المتحمسون المؤيدون لهذه التحاليل أنها قد انقذت حياة البعض، تضع شركة Life Line عياداتها بالقرب من منظمات الخدمة المحلية، والكنائس، مستفيدين من ارتياد الناس لهذه الأماكن في الترويج، مؤخراً تلقيت عدة عروض من أماكن على بُعد 11 ميل من منزلي، وتتضمن: كنيستين معمدانيتين، كنيسة انجيلية صغيرة، محطة إطفاء حريق، مقر للمحاربين القُدامى، ومنظمة أخوية النسور.

كل الحديث الذي سبق هو محض غش وتضليل، الطريقة الوحيدة للتأكد من صحة ادعاء شركة لايف لاين بأن فحوصاتها تنقذ الحياة او تمنع السكتات الدماغية والجلطات القلبية هي بمقارنة النتائج للفاحصين مع غير الفاحصين، وهذا لم تفعله الشركة أبداً. لكن قامت عدة منظمات صحية ومن ضمنها فريق عمل خدمات الوقاية في الولايات المتحدة (USPSTF)، بمراجعة جميع الأدلة بخصوص الفحص بالموجات فوق الصوتية وأصدروا عدة توصيات للعموم: 

  • الشُريان السُباتي: لا نوصي بتفحّص الشريان السباتي لأشخاص ليس لديهم أي أعراض، فالضرر الناتج من الفحص أكبر من النفع العائد منه.
  • تمدد الشريان الاورطي البطني: يُنصح بفحصه مرة واحدة للذكر البالغ 65-75 المدخن، ولا ينصح بل ضد الفحص للذكور غير المدخنين البالغين 65-75، لا يُنصح بإجراء هذا الفحص للنساء دورياً.
  • هشاشة العظام: يُنصح بإجراء هذا الفحص للنساء فوق سن الـ 65، أما تحت هذا السن ممن لديهن خطورة للإصابة بهشاشة العظام فيفضل أن يكون الفحص باستخدام الاشعة السينية ثنائية القدرة الامتصاصية، لا يُنصح بإجراء هذا الفحص للرجال.
  • امراض الشرايين المحيطية: لا توجد نصائح؛ الأدلة غير كافية. 
  • تليّف الشرايين: لا توجد أدلة كافية لإبداء توصية.

هل يعرف زبائن شركة لايف لاين هذه المعلومات؟ هل تعطي لايف لاين زبائنها المعلومات الكافية التي يحتاجونها؟ أشك في ذلك. 

وأخيراً؛ تخطيط النقطة العمياء، اخترع هذا الاختبار تد كاريك، ويكون هذا الفحص ذاتياً أي بإمكانك أن تجريه بنفسك، غرضه كما يدعي مخترعه قياس وظيفة الدماغ، يستخدم هذا الفحص ممارسو العلاج اليدوي، عند معالجتهم لخلع جزئي غير موجود، لا يقيس هذا الاختبار أي شيء مما ذُكر؛ بل أن الدراسة التي يستند عليها مزيفة بشكل كبير. 

الاستنتاج: 

من السهل غواية عامة الناس بأي شيء يعدهم بإخبارهم أي شيء عن أنفسهم، فهم يتحمسون لملأ استبيانات عشوائية في المجلات ليجدوا مدى نجاح وسعادة زواجهم، أو تلك الاستبيانات التي تخبرهم عن أي من شخصيات هاري بوتر تشبههم، كما أنهم يستهلكون بنهم هراء الأبراج

 الفلكية وما تقوله من طوالع تخصهم، وبذلك يسهل عليهم أن ينخدعوا بأجراء تحاليل واختبارات يجرونها بأنفسهم بالبيت، هناك مصدران يستندان على الأدلة العلمية ينبغي اتباع ارشاداتهما: الأول؛ الضوابط التي تصدر من فريق عمل خدمات الوقاية في الولايات المتحدة (USPSTF)، وحملة الاختيار الحكيم Choosing Wisely، هنا تثبت صحة القول المأثور:” من يعالج نفسه بنفسه لديه طبيب أحمق”. يجب أن يُطلب الفحص لدواعي صائبة من قبل الطبيب المعالج للمريض، فالطبيب يفهم تاريخ المريض الطبي، فهو من لديه السلطة لإلغاء نتائج التحليل او الفحص، وبإمكانه معالجة المرض المُشخّص، كما يمكنه توفير عناية المتابعة التي يحتاجها المريض، فهناك سبب لوجود كليات الطب التي تصنع الأطباء.

المقال الأصلي:

Harriet Hall, Medical tests to avoid, Skeptical Inquirerer

راجعت المقال لغويا ريام عيسى وتم نشره في مجلة العلوم الحقيقية العدد 51  لشهري سبتمبر-اكتوبر 2022