كثير من المزاعم الزائفة حول الصحة، أو حتى التقديرات الشخصية غير الدقيقة تستند إلى إحساس الشخص بأن لديه طاقة عالية، طاقة أعلى، يشعر أو تشعر بأنها أكثر نشاطاً. لكن كيف يتم تقييم طاقة الإنسان فعلياً؟ جميع تلك الألعاب الرياضية تستند بالدرجة الأساس على طاقة الإنسان كأحد العوامل الرئيسية، وجانب كبير مما يتعلق بالتغذية والحمية يرتكز أيضاً على مفاهيم الطاقة. السعرات الحرارية مثلاً هي وحدة للطاقة، وحين نقرأ عن مسار ايض الجلوكوز مثلاً نجد أن أصغر وحدة للطاقة تعرف بـ (ATP)، فكيف تقاس الطاقة في جسم الانسان؟

يمكن القراءة عن المياه مضاعفة الوسم في ويكيبيديا الموسوعة الحرة، وهي باختصار أول طريقة لحساب الطاقة في جسم الانسان. تستبدل جزيئات الاوكسجين والهيدروجين في جزيئة الماء بنظائر أخرى غير مشعة ويلاحظ نفاذها عبر الساعات. يطرح الجسم ثنائي أوكسيد الكربون وحيث لا تلبي الكربوهيدرات التي يتناولها الانسان كمية الاوكسجين المطلوبة لتوليد ثنائي أوكسيد الكربون، فإن الاعتماد على المياه التي ستكون وسيلة القياس هنا، سيقدم طريقة دقيقة لاحتساب كمية ثنائي أوكسيد الكربون الذي تم توليده. غير أن تلك الطريقة لا تقدم بالضبط قياساً للطاقة أو على الأقل ليست هذه التسمية لناتج القياس بل يعرف قياس العملية بمعدل الأيض الميداني (Field Metabolic Rate) والتي تقدم أيضاً مفهوماً عما تم بذله من طاقة فضلاً عما يتم الحصول عليه من طاقة من الطعام[1].

المقياس الآخر هو درجة النشاط البدني (Physical activity level) والذي يمثل معدلاً بين مجمل استهلاك الطاقة (المعروف بـ Total energy expenditure TEE) لمدة 24 ساعة واستهلاك الطاقة في الاستراحة (Resting Energy Expenditure) الأول يشير إلى مجمل استهلاك الطاقة فيشمل كل ما نبذله من طاقة للأنشطة الحيوية بما في ذلك الهضم والتنفس والتفكير يضاف لها النشاط البدني. أما الثاني استهلاك الطاقة في الاستراحة (REE) فيشير إلى ما يبذله الجسم في ظل الاستراحة التامة. وتقاس هذه بتقنية المياه مضاعفة الوسم. لكن ماذا لو أردت أن تعرف استهلاكك للطاقة؟

بطبيعة الحال تبدو تقنية المياه مضاعفة الوسم معقدة لكي يتم قياسها في البيت، لذا يعتمد البعض على مقاييس عامة تفترض معدل الاستهلاك من خلال الطول والوزن والعمر والمعدل التقريبي للنشاط اليومي ولا يشترط أن يكون ذلك دقيقاً ويتم ذلك عبر معادلات تقدم في النهاية عدد السعرات الحرارية التي يستهلكها المرء في اليوم. مثال على هذا موقع كالكلتر (calculator.net) يمكن للشخص أن يقول أنه نشيط فقط لأنه يقوم بالتمارين الرياضية لخمسة أيام في الأسبوع، لكن هل يتمرن الجميع بذات الشكل؟

تعدل نبضات القلب وعدد الخطوات ومؤشرات الحركة المختلفة مقياساً آخر للطاقة المستهلكة والتي يمكن تقييمها بدقة أكثر ومن قبل الأفراد ودون الحاجة لمعدات معقدة. كما تستخدم المنشآت الرياضية مقاييس للتسارع (accelerometer) لتقييم تسارع الرياضي، ويمكن بذلك الاستدلال أيضاً على استهلاك الطاقة.

وفقاً لتقنيات وحسابات كهذه صار من الممكن حساب ما يبذله الرياضي في فترة زمنية معينة (كمعدل ايضاً إذ يختلف البشر نسبياً عن بعضهم البعض). في إحدى الدراسات وجد الباحثون باستخدام تقنية نظام التموضع العالمي أن لاعب كرة القدم يبذل قرابة 550 كيلو كالوري خلال الشوط الواحد[2].

رغم كل هذا، ما زالت الفجوة قائمة بين القيمة الحقيقية للطاقة التي يبذلها الشخص وما تقدمه هذه المقاييس (ما لم تكن مختبرية مثل مقياس المياه مضاعفة الوسم) كما أن التباين بين الأشخاص كبير في ضوء عوامل مثل زيادة الوزن[3] الذي ينظر له من منظور الطاقة على أنه اختلال في الطاقة من حيث ما يبذل وما يخزن. لكن الفجوة هذه ليست كبيرة أو شديدة التفاوت ما لم نستثن الحالات المرضية التي تؤثر بشكل مباشر على الطاقة مثل ارتفاع الثايروكسين (hyperthyroidism) الذي يسبب زيادة صرف الطاقة[4].

في الدراسة التي قامت بها لارا دوغاس وزملائها[5] تمت مقارنة دراسات عديدة للنظر في اختلاف استهلاك الطاقة بين الدول النامية والدول المتقدمة. كانت النتيجة عدم وجود فارق حاسم، لكن ما يفيدنا أكثر من نتائج تلك المراجعة الواسعة هو الاطلاع على أرقام مجمل استهلاك الطاقة (TEE). تتراوح الأرقام بين 9-12 ميغا جول / لليوم (8 ميغا جول تعادل تقريباً 2000 كيلوكالوري) في معظم الدراسات وبمعظم مناطق العالم (للاطلاع على الجدول). هناك بعض الدراسات التي كان فيها المعدل أعلى قليلاً مثلاً كانت هناك دراسات عديدة غطت عينة ممن يعانون من البدانة وكانت الأرقام أعلى من 14 ميغا جول / يوم. تمت جميع الدراسات بواسطة تقنية المياه مضاعفة الوسم.

في هذا المقال رأينا كيف أن الطاقة لدينا ثابتة نسبياً ولا تتغير بالدقائق أو الساعات وهي لا تخضع للخرافات والعلوم الزائفة حول الطاقة في الجسم. لكن قياس الطاقة كما رأينا لا يجيب عن أسئلة أخرى تتعلق بإحساسنا بالحرارة ودور الطاقة في ذلك مثلاً أو احساسنا بأن لدينا طاقة أكثر ونحن نتناول الكافيين والذي قد يأتي جانب من الإجابة عنه في البودكاست حول تأثير الكافيين على فقدان الوزن وهذه الأشياء مثل إحساسنا بالحرارة أو باليقظة وبامتلاك طاقة أكثر تتغير بالفعل بالساعات وبأداء أنشطة معينة وهذا ما سنتناوله في مقالات قادمة.

هذا المقال جزء من سلسلة من المقالات حول الطاقة في الجسم:

مصادر الطاقة في جسم الانسان: الدهون

مصادر الطاقة في جسم الإنسان: الجلايكوجين

البروتين كمصدر للطاقة في جسم الانسان

الكيتونات: مصادر الطاقة في الجسم

الانسان والفهد: مقارنة في مصادر الطاقة وعمل العضلات

 

ومن المواضيع ذات الصلة بهذه السلسلة ايضاً:

معدل الأيض وطاقة الجسم

مصادر الطاقة في الجسم وتأثيرها في التمارين الرياضية

وفرة‌ ‌السعرات‌ ‌الحرارية‌ ‌(‌Caloric availability):‌ ‌هل‌ ‌السعرات‌ ‌الحرارية‌ ‌مهمة‌ ‌حقاً؟‌

السكري من النوع الثاني: امتياز تطوري أم لعنة للحياة الحديثة

تأثير الكافيين على فقدان الوزن

المصادر

[1] Hills, Andrew P., Najat Mokhtar, and Nuala M. Byrne. “Assessment of physical activity and energy expenditure: an overview of objective measures.” Frontiers in nutrition 1 (2014): 5.

[2] Energetic expenditure in football, GPEXE, Mar 19, 2015

[3] Fonseca, Danielle Cristina, et al. “Body weight control and energy expenditure.” Clinical Nutrition Experimental 20 (2018): 55-59.

[4] Yavuz, Sahzene, Silvia Salgado Nunez del Prado, and Francesco S. Celi. “Thyroid hormone action and energy expenditure.” Journal of the Endocrine Society 3.7 (2019): 1345-1356.

[5] Dugas, Lara R., et al. “Energy expenditure in adults living in developing compared with industrialized countries: a meta-analysis of doubly labeled water studies.” The American journal of clinical nutrition 93.2 (2011): 427-441.